كتَّاب إيلاف

الأزمة الاقتصادية في إيران: الحل في استئصال الورم السياسي

الاقتصاد الإيراني يواجه اختلالات رئيسية خاصة في ظل القيود على صادرات النفط
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

منذ ما يقرب من نصف قرن، يعاني ملايين الإيرانيين من البؤس تحت حكم أكثر القادة قسوة وافتقارًا إلى الكفاءة وفسادًا في تاريخ إيران الحديث. فقد فُقدت سبل العيش، حتى القوت الأساسي، وتقلصت موائد الناس وتضاءلت يوماً بعد يوم. وقد وصلت الاحتجاجات الآن إلى الخبراء والطبقة الوسطى. ممثلو هذه الطبقة، وهم في قلب المجتمع، يصرخون وينتقدون بشكل غير مباشر قادة المافيا الحاكمة والفصائل الناهبة، قائلين: “لا يوجد خبز على مائدتنا، ولا حكمة في رأس الحاكم”.

وقد اعترف الخبير الاقتصادي محسن رناني بالافتقار إلى العقلانية وعدم جدوى الاقتصاد في ظل حكم النظام الإيراني. في 1 تشرين الثاني (نوفمبر)، أثناء حديثه في مركز الأبحاث التابع لغرفة التجارة الإيرانية، نقلت عنه صحيفة "دنيا اقتصاد" الرسمية قوله: "لقد وصل الاقتصاد الإيراني إلى نقطة لم تعد فيها الحلول الاقتصادية مجدية. إن قضايا إيران الحالية سياسية بطبيعتها، ولا يمكن أن يُحكم اقتصادها بشكل فعال. إن الوصفات الاقتصادية لحل أزمة اليوم محكوم عليها بالفشل. في اقتصاد يتورط فيه صانعو السياسات في البحث عن الريع وتهيمن على السياسة مجموعات مؤثرة، لا يوجد علاج فعال. عندما تعيش البيروقراطية على الفساد والرشوة والبحث عن الريع، لن تكون أي توصية اقتصادية فعالة".

وفي معرض شرحه لهذا الوضع الكارثي، يؤكد رناني أن كتابة وصفات للمشاكل الاقتصادية في ظل هذه الظروف لا تسبب سوى الضرر وتتكبد التكاليف دون أي فائدة. وأشار إلى تنفيذ وثيقة رؤية النظام لمدة 20 عامًا، مشيرًا إلى أنه على الرغم من كل النفقات والتضخم الذي فرضه على الأمة، لم يتحقق سوى 15 بالمئة منها.

وتُملي العقلانية والمبادئ الاقتصادية أن تكون تكاليف المعاملات قريبة من الصفر؛ ومع ذلك، في إيران، تتراوح تكاليف المعاملات بين 40 و50 بالمئة. عندما يرتد شيك المنتج أو يؤدي انقطاع التيار الكهربائي إلى تعطيل الإنتاج، تزداد تكاليف المعاملات.

وفي إشارة إلى أن مصادر الإيجار الطبيعية قد استنفدت ولم يتبق سوى الإيجار القانوني، يحذر رناني من أن الوضع قد تجاوز الأزمة ودخل مرحلة كارثية في مجالات مثل المياه والبنزين والحوادث. إن العقلانية ضرورية للاقتصاد، وغيابها في إيران يعني، على حد تعبير رناني، أنَّ "الاقتصاد لا يعمل هنا".

أسر "الاقتصاد" في قبضة "السياسة" الرجعية
يعزو العديد من المحللين اقتصاد الدولة الخاصة والريعية المدفوع بالنفط في إيران إلى السياسات الاستبدادية للقادة الرجعيين، مما يدفع المجتمع نحو حافة الانهيار.

في 31 تشرين الأول (أكتوبر)، كتب موقع “جهان صنعت” أنَّ "بعض الاقتصاديين الذين ركزوا جهودهم الفكرية والعلمية على الإصلاحات الهيكلية في الحوكمة الاقتصادية نأوا بأنفسهم عن هذا النهج على مدى العامين أو الثلاثة أعوام الماضية…".

ويذكر المصدر ذاته اقتصاديين مثل الدكتور محمد طبيبان، الذي كان من أوائل الذين تحولوا من الاقتصاد الكلي إلى الاقتصاد السياسي، وتلاه مسعود نيلي وغيره، ويتبع رناني الآن نفس المسار.

وكتبت بعض وسائل الإعلام، التي تتوقع الانتفاضات المستقبلية: "الحقيقة هي أنه مع غرق الاقتصاد الإيراني في دوامات مختلفة متجذرة في القرارات السياسية، لا يوجد خيار سوى تنحية الحذر جانبًا وتقديم الحقائق القاسية بجرأة أكبر للمديرين والسياسيين. ظل الاقتصاد الإيراني أسيرًا للسياسيين لعقود. إذا استمرت المؤسسات الحاكمة في تجاهل هذا الواقع وإجراء حسابات خاطئة، فستواجه البلاد ضرراً اقتصاديًا أكبر" (المصدر: جهان صنعت، 31 تشرين الأول - أكتوبر 2024).

العقبات السبع لاختلال التوازن
يدرس الخبير الاقتصادي وحيد شقاقي القضية من منظور إخفاقات الحكومات في السنوات الأخيرة. بلغ متوسط معدل التضخم في إيران على مدى الخمسين سنة الماضية حوالي 20 بالمئة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، ارتفع متوسط التضخم إلى أكثر من 40 بالمئة، مما قلل بشكل كبير من القوة الشرائية للإيرانيين. وقال شقاقي إن الاقتصاد الإيراني يواجه سبعة اختلالات رئيسية على الأقل: في صناديق التقاعد، والمياه، والغاز، والكهرباء، والبنزين، وهبوط الأراضي، والقطاع المصرفي. وتساهم هذه الاختلالات في عجز الموازنة، وإلى أن تتم السيطرة عليها، فإن التضخم سيظل أيضًا بلا رادع.

الأزمة الهيكلية في إيران غير قابلة للحل
يعتقد العديد من الاقتصاديين أنَّ الإصلاحات السطحية وخلط العوامل داخل الفصائل المهيمنة والمتنافسة للنظام غير مجدية.

وفي 30 تشرين الأول (أكتوبر)، نقل موقع تجارت نيوز عن الخبير الاقتصادي كمال عذاري قوله: "كل هذه التطورات أدت إلى شلل مؤسسي، نتج عنه تدمير القطاع الإنتاجي والبيئة. هذه أزمة هيكلية لا يمكن إدارتها. لقد اختفى القطاع الإنتاجي والابتكاري في الاقتصاد الإيراني تقريبًا لأن النخب لم تعطي الأولوية لنموذج التنمية".

في انتظار اشتعال محرك التضخم
يشير نهج ميزانية الحكومة لعام 2025 إلى معدل تضخم يمكن التنبؤ به، مما سيؤدي إلى تقليص القوة الشرائية للناس ووضع ضغوط إضافية على الطبقات ذات الدخل المنخفض.

في 30 تشرين الأول (أكتوبر)، كتب موقع "ألف" الحكومي: "إنَّ ميزانية عام 2025، وهي الأولى التي صاغتها إدارة بزيشكيان، لديها نهج، وفقًا للخبراء، يرفع توقعات التضخم ويفرض في نهاية المطاف ضغطًا كبيرًا على سبل عيش الناس".

لقد غرق الاقتصاد الإيراني لسنوات في مستنقع السياسة القمعية وطوفان عدم الاستقرار الناجم عن إثارة الحروب وتصدير الإرهاب والأصولية. في ظل هذه الظروف، لا يوجد حل واضح سوى استئصال الورم السرطاني الذي يصيب حياة وأرواح الشعب الإيراني المضطهد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف