كتَّاب إيلاف

إردوغان يُحيي حلم الخلافة Remotely

سوريون يحتفلون في اسطنبول إلى جانب صورة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مع اجتياح فيروس كورونا للكرة الأرضية مطلع عام 2021، عملت الشركات والمؤسسات، بغية ضمان استمرار عملها، على الطلب من موظفيها القيام بوظائفهم وواجباتهم عن بعد دون الحاجة إلى الحضور إلى المكاتب.

منذ صعود نجم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مطلع القرن الحالي وتمكنه من فرض سيطرة حزبه، العدالة والتنمية، على مفاصل الحكم في تركيا، لم يخفِ رغبته في إعادة إحياء الخلافة العثمانية التي حكمت لمئات الأعوام.

ولأنَّ الزمن الحالي لا يشبه السابق، فإن إردوغان يعي عدم القدرة على إحياء الخلافة وإخضاع الدول المجاورة بحضور عسكري تركي مباشر لأسباب داخلية تتعلق بوجود معارضين، وعلى رأسهم التيار القومي، وخارجية تدور حول مدى قدرة تركيا على مواجهة أو تحدي الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا.

الظروف المعقدة دفعت إردوغان إلى التفكير من خارج الصندوق. خلافة تُدار عن بعد وتمتد من أقصى المغرب العربي إلى بحر قزوين، وتضم دولاً عربية وأخرى ناطقة بالتركية، تضع أنقرة في مصاف الدول الكبرى المؤثرة ليس فقط إقليمياً بل دولياً.

تركيا الإردوغانية عملت على عدة أصعدة لترويج فكرة الخلافة وإظهارها على أنها مطلب إسلامي قبل أن تكون رغبة تركية. فمن المسلسلات التاريخية التي اجتاحت الدول كـ"أرطغرل" و"عثمان" و"محمد الفاتح"، إلى المساعدات الإنسانية والخطابات عالية السقف التي تظهر إردوغان على أنه حامي المظلومين، إلى تصريحاته ذات الأبعاد النفسية التي كان يروي خلالها ما يقوله سكان بعض المناطق في أوروبا الشرقية، الذين زارتهم جمعيات تركية تعنى بالشأن الإنساني، عن انتظارهم عودة حكم الخلافة لأكثر من مئة عام.

إقرأ أيضاً: الجولاني… من الانهيار إلى الانتصار

وجاء الربيع العربي عام 2011 ليجعل رجب طيب إردوغان على بعد مسافة قليلة من تحقيق الحلم. فحزب العدالة والتنمية المغربي صعد إلى المسرح بقوة بعد تمكنه من الفوز بالانتخابات البرلمانية، وتولت حركة النهضة زمام الحكم في تونس، وسيطرت الجماعات القريبة من تركيا على مساحات واسعة من ليبيا، وتصدرت جماعة الإخوان المسلمين المشهد في مصر، وبزغ نجمها في سوريا بعد عقود من الاضمحلال. كما أعلن الرئيس التركي رغبته في الصلاة بالمسجد الأموي في دمشق.

حركة حماس تحكم قطاع غزة منذ 2007، وإضافة إلى هذه العوامل، كانت منظمة الدول التركية التي تضم أذربيجان وتركيا وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان قد أبصرت النور قبل تلك الأحداث بأعوام قليلة.

السقوط المدوي لإخوان مصر فرمل الاندفاعة الإردوغانية، وتوالت الأحداث لتبدأ معها مرحلة إبعاد الجماعات المتحالفة مع إردوغان عن المشهد، من المغرب إلى سوريا، وصولاً إلى عام 2016 حيث واجه الرئيس التركي انقلاباً داخلياً كاد أن يُطيح به وأعاده للتركيز أكثر على الداخل عبر تنقية السلطة واجتثاث كل من لا يوالي العدالة والتنمية.

إقرأ أيضاً: إعلانٌ منتظر من دمشق قد يقلب المشهد في سوريا

الإخفاقات المتتالية لم تضع حداً للطموح الإردوغاني الذي تمكن من لملمة الأمور بشكل سريع. عمل على تنشيط عمل منظمة الدول التركية بضم أوزبكستان والمجر بصفة مراقب، وأيضاً شمال قبرص. دعم حليفته أذربيجان لاستعادة منطقة ناغورني كاراباخ، ومنع سقوط حلفائه في ليبيا أمام الجيش الوطني الليبي، وحاول بداية التفاوض مع رأس النظام السوري الهارب، بشار الأسد، لدرء خطر الأكراد عن حدوده الجنوبية، وإعادة النازحين وتقاسم السلطة معه ولو بشكل جزئي عبر ضم أطياف في المعارضة توالي النهج التركي إلى الحكم.

وجاءت عملية حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 لتقلب المنطقة رأساً على عقب. صحيح أن تركيا خسرت، كما إيران، موطئ قدم في غزة بفعل الحملة الإسرائيلية للقضاء على حماس، غير أنها مكنت أنقرة من تحقيق تقدم استراتيجي في سوريا. فبشار الأسد، الذي أوصد أبواب الحوار مع إردوغان، سقط أمام جماعاته بعد تهاوي مناطق النظام، وأصبحت الجماعات المحسوبة على تركيا، بشكل مباشر أو غير مباشر، تحكم دمشق وتجاور الحدود الإسرائيلية وتشكل ضغطاً على مناطق الأكراد في الشرق.

إقرأ أيضاً:

تداعيات التقدم التركي في سوريا، ونظراً للموقع الاستراتيجي للأخيرة، سيعطي من دون أي شك دفعة معنوية لجماعات الإخوان المسلمين في المنطقة. العين أولاً على الأردن، فحزب جبهة العمل الإسلامي - وجه الإخوان الأردني - كان قد تمكن قبل أشهر من تحقيق نتائج غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية. أيضاً هناك لبنان، حيث بدأت تركيا بالتغلغل منذ سنوات، خصوصاً في منطقة الشمال، وأعطت لبنانيين الجنسية التركية نظراً لخلفية أصولهم التركمانية.

لتركيا حلفاء كالجماعة الإسلامية التي أطلت خلال الفترة الماضية بحضور عسكري ولو طفيف في الجنوب، وأيضاً هيئة علماء المسلمين التي تضم مئات رجال الدين والعلماء. قد يسمح الفراغ الموجود، خصوصاً على الساحة السنية، لتركيا بتحقيق حضور أكبر عبر تمدد الجماعات المحسوبة عليها في الحياة السياسية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف