حوار هادئ مع قرائي الأكارم:
مرة أخرى عن فرصة تاريخية لبناء سوريا الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مقالتي اليوم هي تكمله لمقالتي السابقة تحت عنوان "فرصة تاريخيّة لبناء سوريا الجديدة"، وأود في البداية أن أشكر قرائي الأكارم على تجاوبهم وتعليقاتهم على المقال المذكور، ومن باب تعزيز التواصل مع قرائي، وردي على مداخلاتهم التي تؤدي إلى مزيد من الإيضاح لفكرتي ووجهة نظري، مما يزيد الموضوع المطروح عمقاً، خصصت هذه المقالة لتكون تكملة للمقالة السابقة، لأنني وبكل صراحة أجد نفسي أمام واجب لا أستطع التقاعس عنه، وهو واجب التوضيح والرد على بعض مداخلات قرائي وأسئلتهم وتعليقاتهم.
لفت نظري واستوقفني مداخلة السيدة (كردية)، والتي كتبت مداخلة تفتقر إلى الموضوعية والرزانة والذوق تحت عنوان: (رجع اليسار بشعاراته)! وهنا أضع نص تعليقها كما هو، وبدون تصحيح الأخطاء (الإملائية والنحوية والبلاغية).
تقول السيدة (كردية): "لبناء سوريا قائمة على الديمقراطية والعدالة، تضمن حقوق جميع السوريين بدون استثناء"....صدقني ان درجة الغباء عندما تصل الى هذه الدرجة يحب ان يعاقب عليها القانون..... كيف تبنى سوريا او اي دولة على اسس الديمقراطية والعدالة؟ كيف تأتي العدالة والديمقراطية في بلد نصف العرب فيه من زمرة بشار الذين قمعوا الشعب بسادية ووحشية، والنصف الآخر من عربه هم دواعش وفرق اسلامية متشددة؟؟؟؟!!!! اين ترى اي مكون لديه قوة وفي نفس الوقت هو حضاري تقدمي انساني، غير المكون الكردي والمسيحي فيه؟ كيف هي الطرقة التي تبنى فيها الديمقراطية والعدالة في هكذا مجتمع؟!!!! لماذا كل هذا التمسك ب"وحدة" سوريا والعراق مع العلم ان هذه البلدان رسم الاستعمار الغربي الرأسمالي حدودهما، بنين بلدين على عكس كل دول العالم لا يعيش فيهما مكون واحد متجانس؟!!! لماذا هذا التمسك العنيد بالحدود السايكس-بيكوية مع العلم انتم اليسار ضد تلك الخطط والحدود عندما يتعلق الأمر بالعرب وفلسطين؟! ساقول لك لماذا، وسوف تشتكي لإدارة ايلاف وتطلب منها ان تحذف هذه التعليقات مثلما طلبت منها سابقا، لانك غير قادر على الرد السليم... مع ذلك ساقول لك لماذا: لأنك ترى نفسك اقل ككوردي، كبعض اهل اليسار، وليس كلهم، تعودت ان تتقبل نفسك فقط عندما يقول لك العربي اليساري ان العرب والكرد اخوة، فقط عندما يقول العرب عن الكرد انهم شعب طيب... لا تطيق ان تواجههم بحقوقك وحقائق التاريخ لكي لا يغيروا هذا الرأي" (انتهى الاقتباس).
أودّ بكلّ احترام وتقدير أن أوضح لقرائي الكرام، وتحديداً للسيدة (كردية) التي افترت عليّ وأساءت الأدب معي ومع إيلاف للأسف، أودّ أن أوضح بعض النقاط التي لا بدَّ من الوقوف عليها وبعجالة:
1 ـ يا سيدتي، إن قوات سوريا ليست كما تصفونها في تعليقكم، (نصفها تابعة لزمرة الأسد، والنصف الآخر هم دواعش وفرق إسلامية متشددة)! اسمحوا لي أن أقول لكم مخلصاً، إنَّ كلامكم غير منطقي، وتفسرون الأشياء والأمور بغير واقعها تماماً، وثم من أين حصلتم على هذه المعلومات العجيبة والغريبة، ومن أي مصدر؟ نعم، هناك منظمات وأحزاب سلفية وجهادية متطرفة ومدعومة من الدول الإقليمية، وهذه حقيقة لا أحد يستطيع إنكارها، ولكن في المقابل هناك أيضاً حركات إسلامية معتدلة، وأحزاب ومنظمات وجماعات منفتحة ويسارية وديمقراطية على سبيل المثال لا الحصر: اتحاد الديمقراطيين السوريين، الهيئة العامة للثورة السورية، لجان التنسيق المدنية، المجلس الأعلى للقيادة الثورة السورية، الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد)، حزب الجمهورية، الحزب الجمهوري السوري، تيار الغد، حزب الشعب الديمقراطي السوري، المنظمة الآثورية الديمقراطية، حزب أزادي ـ الحرية ـ، الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، تشكيلات المعارضة ـ الرخوة ـ، هيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، تيار بناء الدولة، الحزب الشيوعي السوري الموحد، حزب سوريا الوطن، حزب الشباب الوطني للبناء والتغيير، حزب التضامن العربي الديمقراطي، حزب التنمية الوطني، حزب الطليعة الديمقراطي، الحزب السوري الديمقراطي الموحد، المجلس الوطني الكردي في سوريا (ENKS)، حزب الاشتراكيين العرب، أحزاب الوحدة الوطنية (PYNK) التي من أبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الحاكم في الإدارة الذاتية، وعليه أنا متفائل وعلى ثقة تامة أن الشعب السوري بعموم أطيافه وأديانه ومذاهبه وقومياته وقواه الوطنية المخلصة، سيواصل نضاله الصعب والشاق من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية بعد أن تحرر من النظام البعثي الفاشي.
2 ـ يا سيدتي، إن الغباء ليس في ما قلتُه وأكدتُ عليه في مقالي السابق، وأؤكد هنا مرة أخرى وأقول: إن هناك فرصة تاريخية لبناء سوريا الجديدة، وإنما السذاجة تكمن في ما كتبتم في تعليقكم، بأن: (سوريا منقسمة إلى قسمين، قسم تابع لزمرة الهارب بشار الأسد، وقسم تابع لجهات إسلامية متشددة)!
3 ـ هل تعرفون يا سيدتي أن عدد سكان سوريا بلغ حتى الربع الأول من عام 2023 نحو 26.7 مليون نسمة، منهم 16.76 مليوناً داخل البلاد، و9.12 ملايين سوري خارجها، فضلاً عن 897 ألف مفقود، ومغيب، وفق دراسة محلية ودولية جديدة، فعن أي جهات إسلامية وعن أي دواعش تتحدثين يا سيدتي؟
4 ـ يا سيدتي، هل تعرفين أنه عندما تستسلم النخبة السياسية لموجة الشعبوية والشعارات العاطفية البائسة، تختفي السياسة من المشهد، وتهيمن القرارات الانفعالية التي لا تحقق المصالح أبداً، ولا تراعي العواقب المستقبلية، لهذا السبب دعوا السياسة للسياسيين أمثال الجنرال مظلوم كوباني القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية الذي قال قبل أيام نصاً: "إنَّ سقوط النظام السوري وهروب الأسد إلى خارج البلاد سنحت فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على المساواة والعدل وضمان حقوق جميع السوريين"، فيما قالت الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية في سوريا: "انتهى زمن الاستبداد، اليوم نطوي صفحة الماضي لتوحيد جهود السوريين في سبيل مستقبل أفضل قائم على العدالة والديمقراطية"، وهل تعرفون أن الإدارة الذاتية قررت رفع العلم السوري الجديد على جميع مؤسساتها انطلاقاً من مبدأ سوريا واحدة لكل السوريين، فهل الجنرال مظلوم عبدي ورفاقه ورفيقاته "أغبياء" أيضاً؟
5 ـ يا سيدتي، هل تعرفون أن العالم يتغير، والديمقراطية تنحسر، ليس في سوريا والإقليم العربي الذي يُصنف بأنه الأكثر استبداداً وتوحشاً، بل تتمدد الأنظمة المستبدة التي لا تهتم بقيم الديمقراطية، وتغزو حتى البلدان الغربية، ومملكة السويد التي تقيمون فيها، ويطفو على مشهد الأحداث السياسية زعماء لا يؤمنون بحقوق الإنسان وحرية التعبير والإعلام، ولا يحترمون قواعد حقوق الإنسان.
هل تعرفين يا سيدتي أن مركز المال وكبار الصناعيين وأصحاب الثروات هم من يمتلك القرار الحقيقي حتى في الدول الديمقراطية، وهم الذين يسيطرون على الأحزاب وعلى المجالس التشريعية، وعلى النقابات والبلديات والمؤسسات، ولا يمكن لأحد من خارج هذه المنظومة أن يشغل مقعداً في هذه الهيئات؟ ومن سوء طالع الديمقراطية فإن أصحاب الثروات هم الذين يسيطرون على الشركات الكبرى التي تستطيع صناعة (الحرب والسلام)، والسيد دونالد ترامب نموذجاً. وهنا أود أن أذكركم بكلام الفيلسوف والناقد الأدبي الفرنسي جان بول سارتر عن الديمقراطية الغربية، والذي وصفها بـ"فخ الحمقى"، فأين أنتم من كل ذلك؟
6 ـ يا سيدتي، رجاءً لا تُقوليني ما لم أقله، أنا لم أتمسك بالحدود المصطنعة كما تقولون في تعليقكم، أنا مع حقوق شعبي، ومع حق تقرير مصيره، كما مع حق تقرير مصير جميع الشعوب المضطهدة، هكذا تعلمت من مدرسة شيخ الأحزاب الوطنية (الحزب الشيوعي العراقي)، لهذا أعتز وأفتخر بشعاراته وأهدافه، وبنضال اليسار العراقي بشكل عام، وبنضالي من أجل حرية الإنسان أينما كان، وانتهز هذه الفرصة لأقول لكم وبصوت واضح وصريح: إن الانتماء إلى اليسار وإلى الحزب الشيوعي العراقي تحديداً ليس عيباً، ولا نقصاً كما تظنون! وإنما هو الفخر والاعتزاز والشموخ.
7 ـ لم أعاتب زملائي الأعزاء في إدارة تحرير إيلاف بسبب نشر بعض التعليقات المسيئة، ولم أطلب منهم حظر أي تعليق، لكم كامل الحق أن تسألوا الزملاء العاملين في إيلاف عن صحة ما أقوله لكم، ولم أطلب منهم حذف تعليقكم ولا أي تعليق آخر مهما يكن محتواه، وذلك لإيماني بالرأي المخالف والاستفادة منه، ولفهمي العميق للمثل (كل إناء بما فيه ينضح)، ولكن يجب أن تعرفوا جيداً: أن شروط النشر في إيلاف أو أي موقع أو صحيفة أخرى تكمن في عدم الإساءة للكاتب، أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم، فاتهاماتكم لي بعيدة عن الحقيقة، وعليه أرجو منكم الابتعاد عن توزيع الاتهامات وإطلاق الشتائم والكلام البذيء.
8 ـ أتمنى أن تكتبوا اسمكم الصريح في مداخلاتكم القادمة، لقد ولى زمن الأسماء الحركية والعمل السري، أليس كذلك؟
9 ـ عليكم أن تقرأوا القرارات والنصائح والإرشادات الدولية بحذر، ولا تكرروا ذات الأخطاء التقليدية القاتلة، وأن تفهموا أصول اللعبة الإقليمية والدولية جيداً، وتتعلموا من أخطائكم القاتلة التي أوصلتكم إلى ما أنتم فيه.
أفتخر بإنسانيتي وبشعبي وبقوة ونضال الشعوب المضطهدة، وسأقف مع كل مظلوم أينما كان، وأن هدفي في الحياة يتعلق بمجمل مصير الإنسان، وسعادته الحقيقية أينما كان، فالإنسان هو الإنسان لا يهمني دينه، أو جنسه، أو عقيدته، أو قوميته، أو لون بشرته، لا يهمني المظاهر إطلاقاً بقدر ما يهمني الجوهر الداخلي للإنسان.
أؤمن حد النخاع بمقولة العظيم كارل ماركس (الإنسان أثمن رأس مال في الوجود).
أقول الحق ولو على نفسي، وأحترم جميع الآراء وخاصة التي تخالفني، طالما أن الخلاف لم يخرج عن دائرة (الاحترام).
أخيراً أقول: يا سيدتي ابتعدوا عن العاطفة وكونوا واقعيين، معركتنا ليست مع الشعوب، وإنما مع الأنظمة المستبدة أينما وجدت، والسياسة فن، لكنها فن توظيف القدرات، وصناعة الحياة من لا شيء، وتحصين الشعوب بالأمن والأمان والسلام.
نعم، السياسة هي فن، لكنها فن تحقيق المصالح والمكتسبات، فن قوة المنطق وليست العاطفة والتشهير وتوزيع الاتهامات.
ابتعدوا يا سيدتي عن عواطفكم التي انحدرت بكم إلى قاع القاع، وتذكروا عواقب استفتاء إقليم كردستان، وافهموا أصول اللعبة، وإلا ستكونون كما كنتم ـ بدون كيان مستقل وإلى الأبد.
اختتم هذه الكلمات بمقولة لمؤسس الخلافة الأموية وأول خلفائها معاوية بن أبي سفيان في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني، فحين سأل آعرابياً معاوية بن أبي سفيان كيف حكمت الشام أربعين سنة، ولم تحدث فتنة بالرغم من الفوضى، والأحداث السياسية المضطربة؟
أجاب معاوية: "إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها".
ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه المقولة مثلاً يتناقله العرب وغير العرب عندما يريدون الاستدلال على حنكة التعامل في المواقف الحاسمة في الأوقات الصعبة، والاحتكام إلى العقل وقوة المنطق بدل منطق القوة وآفة العاطفة… والفهيم تكفيه الإشارة!