ترامب الرئيس القوي القوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأصل في النظام السياسي الأميركي الرئاسي أن يوصف الرئيس الأميركي بـ"الرئيس القوي الضعيف" بسبب مشاركة الكونغرس وحتى المحكمة العليا في السلطات الرئاسية، تطبيقًا لمبدأ نظام الكوابح والجوامح، الذي يعني أن كل سلطة تشارك السلطة الأخرى كبحًا لجموحها في ممارسة سلطاتها. ورغم ذلك، يبقى منصب الرئيس محور وقلب النظام السياسي الأميركي لما يمثله ويجسده ويمارسه من سلطات كما جاء في الدستور الأميركي.
حرص المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة على أن يكون للولايات المتحدة الأميركية رئيس واحد قوي تتوحد فيه الهوية والأمة الأميركية الواحدة. وتبرز مظاهر هذه القوة في العديد من الصور التي أقرها الدستور الأميركي: فهو الوحيد الذي يتم انتخابه من خلال انتخابات عامة تُجرى كل أربع سنوات يشارك فيها كل الشعب الأميركي، ويتم انتخابه من قبل ما يعرف بالكلية الانتخابية التي تبلغ أصواتها 534، وهو مجموع أصوات كل ولاية في الكونغرس. وهذا تأكيد على الوحدانية الانتخابية التي تمنح الرئيس قوة لا تتوفر لأي شخص آخر، بخلاف انتخابات الكونغرس التي يتم فيها انتخاب أعضائه من قبل سكان كل ولاية.
ما يعنيه هذا انتخابيًا هو أنَّ الرئيس الأميركي يساوي مجموع أعضاء الكونغرس. أما الأمر الثاني فهو أنَّ الدستور حصر كل السلطة التنفيذية في شخص الرئيس فقط. فالحكومة مسؤولة أمامه، وهو من يعينها، وكل الجهاز الإداري تحت مسؤوليته، إضافة إلى تبعية المؤسسة الأمنية والجيش له.
في حين تمثل السلطة التشريعية 543 نائبًا، تمثل السلطة التنفيذية شخصًا واحدًا فقط. الأمر الثالث في قوة الرئيس هو السلطات الواسعة التي يتمتع بها في مجال السلطتين التشريعية والقضائية. فمن سلطاته التصديق على مشروعات القوانين الصادرة عن الكونغرس وله حق الاعتراض عليها، إضافة إلى تعيين القضاة، وسلطاته الواسعة في مجال العلاقات الخارجية والسلم والحرب.
ورغم مظاهر هذه القوة المطلقة، كان المؤسسون حريصين على ألا يتحول الرئيس إلى دكتاتور مطلق لا يُحاسب، فتم ابتكار نظام الكوابح والجوامح، الذي يعني مشاركة السلطة في سلطات السلطة الأخرى، وخصوصًا في مسائل الموازنة والمال.
تملك المحكمة الاتحادية العليا الحق القضائي في إقرار دستورية أو عدم دستورية أي قرار رئاسي. ومن القيود المفروضة على الرئيس تحديد فترة رئاسته بثماني سنوات فقط، سواء متتالية أو منفصلة، وبعدها يتحول إلى مواطن عادي يمكن أن يُحاكم ويُسأل.
هذا يعني أنَّ الرئيس، ورغم محورية منصبه، لا يحكم بمفرده بل من خلال منظومة من المؤسسات لتحقيق المصلحة الأميركية العليا التي تعتبر القيد الأعلى على الرئيس.
الرئيس الأميركي، رغم أنه يملك أقوى السلطات مقارنة بأي رئيس آخر، إلا أن قوته تأتي من خلال منظومة من المؤسسات والآليات التي تضمن من ناحية عدم تفرده بالسلطة وإساءته لها، ومن ناحية أخرى ضمان المصلحة الأميركية العليا المنظمة والمحددة لمدى سلطاته. لذلك، لا يستطيع الرئيس أن يتفرد بالقرار حتى لو كان بمقدوره دستوريًا ذلك.
إقرأ أيضاً: إسرائيل وغلق ملفات القضية الفلسطينية
تداعيات أي قرار رئاسي ليست سهلة، فالخطأ قد يكون مكلفًا للرئيس والنظام السياسي بأكمله. ولا يمكن فهم قوة وضعف الرئيس في السياق الدستوري فقط، بل أيضًا في السياق السياسي الأوسع والأشمل.
الرئيس يعمل في سياق نظام سياسي يعرف بالنظام السياسي المفتوح على كل المتغيرات والمؤثرات. وهنا يظهر تأثير اللوبيات مثل اللوبي الصهيوني، الرأي العام، الأثرياء، المال، الإعلام، النخب الفكرية والعلمية، ومؤسسات الفكر المؤثرة.
في النهاية، تحكم أميركا تحالف من ثلاث مؤسسات: السياسية، الاقتصادية، والعسكرية الأمنية. وفي هذا السياق يمكن فهم القرارات الرئاسية في قضايا كثيرة، من أبرزها القضية الفلسطينية والدعم المطلق لإسرائيل، كما في الحرب على غزة وموقف إدارة الرئيس بايدن.
يبقى السؤال: هل ينطبق هذا التوصيف العام على الرئيس ترامب الذي أعيد انتخابه الرئيس السابع والأربعين؟
إقرأ أيضاً: أسطورة غزة
وفقًا لهذه الانتخابات، قد يخرج ترامب عن توصيف "الرئيس القوي الضعيف" إلى "الرئيس القوي القوي" لأكثر من سبب:
1. نتيجة الانتخابات ذاتها، وحصوله على عدد كبير من أصوات الكلية الانتخابية، وفوز الحزب الجمهوري بمجلسي الكونغرس، وخلفية أعضاء المحكمة الاتحادية العليا الموالية له.
2. تمدد الترامبية والشعبوية الأميركية البيضاء.
3. التحالف مع الأثرياء ورجال المال واللوبيات.
كل هذا يجعله في موقف رئاسي غير مسبوق لاتخاذ قرارات خاصة بالبيئة والهجرة، فرض الرسوم التجارية، علاقات أميركا مع حلفائها التقليديين، والموقف من الصين وروسيا والحروب في المنطقة.
أخيرًا، قد يكون ترامب الرئيس القوي القوي في السياسة الداخلية، لكن عالميًا يبقى الموقف رهينًا لقوة الدول الأخرى ومقوماتها وتحديها للقرار الأميركي.