وسط تصاعد معاداة السامية وكراهية الإسلام
كيف أثرت حرب غزة على الحياة الثقافية في بريطانيا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بدت الانقسامات واضحة خلال المظاهرات في الشوارع البريطانية، إذ كانت لها انعكاساتها أيضاً على حياتنا جميعاً، وبشكل أكبر في الساحة الثقافية.
فمع تصاعد معاداة السامية وكراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا)، اكتسبت الكلمات والأفعال أهمية خاصة، من الأرصفة إلى الملاعب إلى دور العرض، حيث أدى الصراع بين إسرائيل وغزة إلى استقطاب الرأي، وامتدت الاحتجاجات إلى المجال الثقافي، مع بعض ردود الفعل العنيفة التي لا مفر منها.
وهناك أمثلة بارزة لشخصيات ثقافية غامرت بدخول الساحة السياسية واتخذت موقفاً بشأن ما يحدث.
فقد أدّت المغنية البريطانية شارلوت تشيرش النشيد المثير للجدل المؤيد للفلسطينيين "من النهر إلى البحر" في حفل موسيقي، نافية أن يكون ذلك ضمن "معادية للسامية".
كما رفع الممثل الكوميدي بول كوري العلم الفلسطيني بعد انتهاء عرضه في مسرح سوهو في لندن، وقال للجمهور اليهودي الذين لم يقفوا تحية للعلم "اخرجوا"، قبل أن تعتذر إدارة المسرح وتقول إنها لن تدعو كوري مجدداً.
وقد ظهرت فرقة الراب "نيكاب" في بلفاست مؤخراً في برنامج "ليت ليت شو" في أيرلندا وهم يرتدون ملابس مؤيدة للفلسطينيين، فيما قد يُعد انتهاكاً للقواعد التي وضعتها هيئة البث.
فكيف يؤثر ما يحدث في الشرق الأوسط، والتوترات الناجمة عن الحرب والعنف، على مجال الفنون والترفيه في المملكة المتحدة؟ وما هو الدور الذي تلعبه الثقافة في معالجة الانقسامات السياسية أو إثارتها؟
هذه أسئلة أردنا طرحها على شخصيات تعمل في هذا المجال، لمعرفة المكان الذي تقف فيه الثقافة في وقت تكون فيه المشاعر مشتعلة بشكل واضح.
فنانون نشطاءإن وجود الفنانين الذين يتحدثون عن القضايا التي يؤمنون بها ليس بالأمر الجديد، وتشتهر النجمة فانيسا ريدجريف بآرائها السياسية بقدر شهرة مواهبها التمثيلية.
وليس من المستغرب أن يكون هناك من يريد الاحتجاج على ما يحدث في غزة، وفي العالم الثقافي هناك الكثير من الأصوات ذات الميول اليسارية.
فحتى الآن، لا تزال هناك دعوات لعدم السماح لإسرائيل بامتلاك جناح في بينالي البندقية، خلال معرض الفنون الأشهر في أوروبا، ودعوات أخرى لمنع إسرائيل من المشاركة في مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجين".
وكانت النجمة البريطانية هيلين ميرين والمغني البريطاني بوي جورج من الفنانين الذين وقعوا على رسالة مفتوحة لصالح مشاركة إسرائيل في إطار ما أطلقوا عليها "مناسبات توحد الناس مثل مسابقات الغناء". وقالوا إن المسابقة هي وسيلة حاسمة "للمساعدة في سد فجوة انقساماتنا الثقافية وتوحيد الناس من جميع الخلفيات".
وعلى نطاق أوسع، يقول المخرج المسرحي إقبال خان، المدير المساعد في برمنغهام ريبيرتوري، أحد أهم المسارح البريطانية: "لقد دُمِّرت الفروق الدقيقة في هذه القضايا".
ويصف خان الاستقطاب في جميع أشكال الحياة العامة بأنه "مثير للقلق للغاية"، موضحاً "الحاجة المستمرة لربط نفسك بأعلام رمزية وتحزُّبات للرأي لا تمثل حقيقة الأشياء".
وأثار الممثل الكوميدي والكاتب والمذيع ديفيد باديل في الأسبوع الماضي قضية التحزّب، من خلال برنامج "توداي" الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية.
وقال باديل: "بالنسبة للمجال الذي أعمل فيه، الثقافة و الأعمال الاستعراضية، وبين الفنانين، وغير ذلك، هناك شعور بأن الفلسطينيين يحصلون على الكثير من الدعم، وأن الصوت اليهودي خائف وغير مسموع بعض الشيء في الوقت الراهن".
وأضاف أن البارونة وارسي، نائبة رئيسة حزب المحافظين السابقة والمشاركة في برنامجه الإذاعي الجديد، أخبرته أن المسلمين يشعرون بالمثل، بالإقصاء والإسكات في عالم السياسة والحكومة.
حرب غزة: نائبة في بريطانيا تصف وضع عائلتها الممتدة في غزةمن "التغريبة" إلى "أنا القدس" كيف تناولت الدراما العربية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ "جامعة تيك توك"قالت لي الممثلة والكاتبة البريطانية تريسي آن أوبرمان: "بالنسبة لنا، من عاصروا السياسة الإسرائيلية والشرق أوسطية لفترة طويلة جداً، وعملوا لصالح الفلسطينيين والإسرائيليين والذين يفهمون حقاً الجغرافيا السياسية للمنطقة، ننظر إلى من يبدو أنهم تلقوا تعليمهم فجأة في جامعة تيك توك لفهم الوضع، وهو بالطبع أمرٌ معقدٌ للغاية، بحيث لا يمكن شرحه في فيديو مدته 60 ثانية".
وأضافت: "نحن في صدمة بسبب ما يسمحون لأنفسهم بأن يقولوه وأن يكونوا جزءاً منه".
في كل ليلة، يتكشف المزيد من الرعب في غزة، التي تمر بمراحل قاتمة، وتخرج منها صور الدمار التي نشاهدها في منازلنا.
وقد اندلعت الحرب بعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي أسفر عن مقتل إسرائيليين واختطاف رهائن لا يزالون محتجزين في غزة. في ما أدى القصف الإسرائيلي منذ بدء الحرب إلى مقتل ما لا يقل عن 30 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال.
ويقول الممثل البريطاني المصري خالد عبد الله، الذي يلعب دور دودي الفايد في مسلسل "ذا كراون"، إنه "من الصعب للغاية العثور على صوت يمكنه التحدث بطريقة تحترم حقيقة أن هناك حزناً وموروثاً هائلاً لدى الجانبين".
ولكن مع عدم وجود حل سياسي، وعدم وقف إطلاق النار، و"هذه المذابح الواسعة، ماذا بقي للناس غير الاحتجاج واستخدام أي منصة ثقافية لديهم؟!".
وأضاف أن "المنطقة مشحونة للغاية"، ومؤكداً أن هناك "ضرورة أخلاقية لاتخاذ موقف".
تأمين المسرحيمكن أن يكون للتوترات في الشرق الأوسط عواقب حقيقية تنعكس على المملكة المتحدة، ولا تتمثل فقط في الهجمات العنصرية في الشوارع.
إن إعادة تصوّر تريسي آن أوبرمان لمسرحية شكسبير "تاجر البندقية" في هذا الوقت، هي محاولة منها لإعادة طرح مسرحية صعبة مليئة بالاستعارات المعادية للسامية، بهدف أن يشاهد الناس "على خشبة المسرح كيف تبدو الكراهية ضد اليهود".
وتُعد الممثلة البريطانية اليهودية ناشطة فاعلة في محاربة معاداة السامية، وغالباً ما تكون "الصوت الوحيد في غرفة تضم ما يسمى بالمبدعين التقدميين"، كما تقول.
أخبرتنا أن لديها الآن حراسة شخصية بالإضافة إلى حراس أمن يقومون بدوريات في المسرح أثناء أداء مسرحيتها "تاجر البندقية" والتي تعود لعام 1936.
"هناك ممثلة يهودية ينبغي أن تتمتع بالأمن في ويست إند، بسبب تحدثها علناً عن عمليات الاغتصاب التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول"، على حد قول تريسي آن أوبرمان.
وأضافت: "ينبغي أن يكون هناك المزيد ممن يقولون إن هذا أمر غير مقبول. وسيجدون أنه من غير المقبول أن يحدث هذا لأي أقلية أخرى".
وتابعت: "على البلاد أن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد. وكما أثبت التاريخ، فإن ما يبدأ باليهود لا ينتهي باليهود"، في إشارة إلى امتداد العنصرية إلى غير اليهود.
"الكاميرا وسيلة للمقاومة" في مهرجان الفيلم الفلسطيني بلندنجوائز بافتا: المخرجة البريطانية-الفلسطينية فرح النابلسي تقطف جائزة أفضل فيلم قصير وعينها على الأوسكارومن الواضح أن الحدود يمكن أن يتخطاها البعض إذا شعر الناس بعدم الأمان في هذه الأوقات المشتعلة.
ويقول خان: "ينبغي احترام حق الفنان في إظهار التضامن مع من يعانون، لكن في اللحظة التي تتعرض فيها سلامة شخص ما للتهديد، يكون الأمر مختلفاً".
وضرب مثلاً على ذلك بما حدث في عرض "مسرح سوهو" للممثل الكوميدي بول كوري الذي يُقال إنه طرد اليهود حين رفع العلم الفلسطيني.
وعلق خان قائلاً: "ينبغي أن يشعر كل فرد في هذا الفضاء الثقافي بالأمان. ولست متأكداً مما حدث في سوهو".
جدير بالذكر أن مسرح سوهو لا يزال يحقق في ما حدث، لكنه قال إنه على الرغم من أنه يدعم بقوة حق الفنانين في التعبير عن آرائهم خلال عروضهم، إلا أنه "لن يكون هناك تسامح مع تخويف الجمهور أو ممارسة أعمال معادية للسامية أو أي شكل آخر من أشكال العنصرية".
ويقول خان إنه رغم أن "النقاش الحماسي" مفيد، إلا أن الناس "يحتاجون إلى التحدث دون المساس بسلامة الآخرين أو التحريض على العنف".
ويعتقد خان أن هناك "دعماً ثقافياً هائلاً للذين يعارضون معاداة السامية"
وتابع: "لقد شعرت بالرعب مما حدث في 7 أكتوبر، لكن الرد المستمر وحجمه، يمكن أن أصفه بأنه إبادة جماعية".
إن استخدام الساحة الثقافية كوسيلة لإبداء الرأي ليست بالجديدة، فالفن لا يستقي أحداثه أبداً من الفراغ.
فبالعودة إلى عام 1985، بثت حلقة من مسلسل "سبيتينغ إميجيز" أغنية ساخرة، طُرِحت للبيع في العام التالي، بعنوان "لم أقابل قط جنوبَ أفريقيّ لطيفاً".
كانت الأغنية هجوماً على نظام الفصل العنصري في ذلك البلد، وكان الأمر كوميدياً وغير مثير للجدل إلى حد ما.
وفي عام 2022، أقيم حفل توزيع جوائز البافتا بعد وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا، وظهر نجوم السينما، ومنهم الفنان البريطاني بنديكت كومبرباتش، وهم يرتدون شارات زرقاء وصفراء دعماً لأوكرانيا، وظهر علم أوكرانيا على جانب قاعة ألبرت الملكية.
وفي الصيف الماضي، استضافت ليفربول مسابقة يوروفيجن نيابة عن أوكرانيا، في لقاء مشرق ومبهج بين الثقافات.
لكن يُنظر إلى هذه القضايا الجيوسياسية على أنها ثنائية بالنسبة للغالبية العظمى في المملكة المتحدة.
لقد كان الفصل العنصري خطأً، وكان غزو أوكرانيا غير عادل، وفق الرواية الغربية السائدة، ولا أحد يخرج إلى الشوارع أو على شاشات التلفاز ليقول غير ذلك.
وقد اختار هؤلاء الفنانون جانباً تمت الإشادة به.
وتُعَد الحرب بين إسرائيل وغزة ثنائية بالنسبة للكثيرين، حيث قُتل أكثر من 30 ألف فلسطيني في غزة ونحو 1200 إسرائيلي.
ومع ذلك، ربما لا يترك هذا مجالاً للفوارق الدقيقة أو فهم أن اليهود في بريطانيا لا يمثلون الدولة الإسرائيلية، تماماً كما لا يتحدث المسلمون البريطانيون باسم حماس، وأن هناك خوفاً حقيقياً في مجتمعات الأقليات لدينا مع تصاعد التوترات.
وتقول الفنانة البريطانية أوبرمان: "يبدو أن الكثير من الناس لا يفهمون أنه من الممكن أن تشعر بالحزن بسبب الوضع في غزة وأن تشعر بالفزع من تصاعد معاداة السامية في المملكة المتحدة، فالأمران لا يتعارض أحدهما مع الآخر".
إذن، كيف يؤثر كل هذا على الحق في حرية التعبير، والذي حصل الناس عليه بشق الأنفس؟
وتقول: "إنه أمر مقدس، لكن لا يبدو أنه يعمل لصالح المجتمع اليهودي في الوقت الحالي".
أما الفنان خالد عبد الله فيقول: "إما أن نؤمن بحرية التعبير أو لا نؤمن بها. يقع على عاتق الفنانين والعاملين في مجال الثقافة عموماً مسؤولية إيجاد طرق للتعبير عن كل ما هو مهم ثقافياً لعصرهم".
ويعتقد عبد الله أن الساحة الثقافية "ينبغي أن تكون مساحة آمنة للمناقشات الصعبة. لقد أدى الفشل في الخطاب العام إلى تغذية هذه الأزمة، وعلينا واجب مواجهة ذلك".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى أن يرسم فنانونا والعاملون في مجال الثقافة لدينا طريقاً، وأن يجدوا لغة يمكن التعبير بها، كجزء من إيجاد حل سياسي".
خمسة أعمال سينمائية حديثة تروي حياة الفلسطينيينحرب غزة: كيف تغيرت مواقف اليمين واليسار في الغرب؟ما الدول التي تدعم إسرائيل في حربها على غزة وتلك التي تدينها؟