بعد تدخلها الميداني... وانسحابها لاحقًا
روسيا تحمل راية المصالحات المحلية في سوريا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد سحب قواتها وطيرانها العسكري من الأراضي السورية تسعى روسيا إلى إتمام المصالحات بين الفرقاء السوريين تمهيدًا لإرساء السلام والاستقرار، وتجسيدًا لاتفاق وقف أعمال العنف الذي جرى برعايتها، الذي لا يزال صامدًا منذ 7 أسابيع مستثنيًا تنظيمي النصرة وداعش.
الناصرية: يجلس رجلان مسنان يعتمر كل منهما كوفية حمراء، والى جانبهما ضابط سوري وعقيد روسي حول طاولة بلاستيكية، يوقعان في الوقت عينه على نسخ من ورقة "مصالحة" في الناصرية، الواقعة على بعد نحو سبعين كيلومترا شمال شرق دمشق.
يقدم المسؤولون العسكريون الروس المصالحة، التي تمت السبت في قرية الناصرية في منطقة القلمون في ريف دمشق، بوصفها مثالا على دور الوساطة الذي تضطلع به موسكو لإرساء المصالحات بين الجيش السوري والفصائل المقاتلة.
مصالحة الناصرية
امام مجموعة من الصحافيين، الذين وصلوا الى القرية، في اطار زيارة نظمتها وزارة الدفاع الروسية، يقول يوري زراييف، المسؤول عن فريق روسي يتولى الاشراف على عقد مصالحات في مناطق محيطة بدمشق، "من الجيد ان وصولكم تزامن مع التوقيع". ويكون الموقعون على اتفاق المصالحة عادة من وجهاء القرية ويمثلون الفصائل المقاتلة والنظام.
وبحسب زراييف، "تلعب روسيا دور الوسيط" في هذه المصالحات، موضحًا ان التوصل الى "توقيع الاتفاق في هذه المنطقة احتاج الكثير من الوقت والتحضير وتطلب عملا هائلا". يبدأ نص الاتفاق الذي تم توقيعه بعبارة "باسم الله الرحمن الرحيم"، وهو عبارة عن طلب انضمام الى اتفاق وقف الاعمال القتالية، بحسب ما يشرح الضابط الروسي.
وأكد المرصد السوري لحقوق الانسان ان اتفاق مصالحة في هذه القرية الواقعة على بعد كيلومترات عدة عن مواقع للجيش السوري وأخرى للتنظيمات "الجهادية" كان في طور الاعداد منذ فترة.
طريق الاستقرار
وتجري السلطات السورية مصالحات محلية في مناطق عدة، عبر لجنة المصالحة الوطنية، التي تأسست العام 2012، وتلاها استحداث منصب وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية في البلاد. وبحسب المرصد، فإن اجراء المصالحات المحلية، غالبا ما يأتي بعد حصار البلدات والقرى بهدف الضغط على الفصائل لوقف القتال.
ومنذ بدء العمل باتفاق وقف الاعمال القتالية برعاية روسية اميركية في 27 آذار/مارس، يقوم النظام السوري بحملة منظمة للتشديد على أهمية المصالحات في كل منطقة، معتبرًا انها الطريق الحقيقي لاحلال الاستقرار في سوريا.
ويحاول احد السكان المحليين التكلم الى الصحافيين الروس الذين يشاركون في الجولة بلغة روسية ركيكة، ويقول "اود كثيرا التحدث عن الوضع هنا، لكنهم لن يسمحوا لي بذلك"، مشيرا بيده الى جندي سوري يقف بالقرب منه، ويحمل رشاشا، قبل ان يتم اصطحابه بعيدا عن الصحافيين.
صنع السلام
ولا يزال اتفاق وقف الاعمال القتالية صامدًا منذ حوالى سبعة اسابيع، لكنه يستثني تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة (ذراع تنظيم القاعدة في سوريا).&وبعد اربعة اسابيع على اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراره "سحب القسم الاكبر من القوات الجوية الروسية" من سوريا اثر حملة جوية بدأتها في 30 ايلول/سبتمبر، تحاول موسكو ان تقدم نفسها بأنها صانعة سلام.
ويقول الروس انهم أحصوا ارساء مصالحات محلية في نحو ستين بلدة وقرية منذ بدء تدخلهم العسكري في سوريا، وقعتها قوات النظام مع نحو خمسين فصيلا مقاتلا. وساهم التدخل العسكري الروسي في تعزيز مواقع قوات النظام على الارض. ويقول المتحدث العسكري الروسي الجنرال ايغور كوناشينكوف لوكالة فرانس برس "اذا انصب تركيزنا في السابق على القتال ببساطة، فإن تركيزنا الاساسي انتقل في الوقت الراهن الى عملية السلام".
بعيدا عن ميادين القتال، يبذل الدبلوماسيون الروس جهودا كبرى لاعطاء دفع لمحادثات السلام بين ممثلين للحكومة والمعارضة في جنيف باشراف الامم المتحدة، لكنهم في الوقت عينه يرفضون بشدة مطلب المعارضة القاضي بتنحي الرئيس السوري بشار الاسد.
ويصر الكرملين على ان على دول الغرب ان تركز على كيفية انهاء النزاع الذي تسبب بمقتل اكثر من 270 الف شخص، ليتسنى بعدها الانتقال بشكل كامل الى مرحلة التصدي للتنظيمات "الجهادية"، وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية.
انتهاكات يومية
لكن محللين يحذرون من ان روسيا، وبعد دعمها قوات الاسد بالغطاء الجوي الناري، تحاول حاليا تجميد النزاع على الارض خدمة لمصالح دمشق ولتفادي الغرق في نزاع طال أمده.
وتتولى القوات الروسية في سوريا، انطلاقا من قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية الساحلية، مسؤولية مراقبة الهدنة الهشة التي تتنهك يوميا، وتقول انها تتلقى اتصالات ومعلومات يومية حول انتهاك اتفاق وقف الاعمال القتالية، مؤكدة التنسيق مع مركز اميركي يتولى المسؤولية ذاتها ويتخذ من عمان مقرا.
وتصدر موسكو يوميا بيانا حول الخروقات التي تنسبها الى الفصائل المقاتلة. وحذرت في الاسبوع الماضي من ازدياد اعمال العنف حول مدينة حلب، حيث تقول ان جبهة النصرة، المستثناة مع تنظيم الدولة الاسلامية من الاتفاق، انضوت في تحالفات مع فصائل مقاتلة ترفض واشنطن استهدافها.
ويحمل مسؤولون في الحكومة السورية الفصائل المعارضة مسؤولية الخروقات المتكررة، بينما يتهم المعارضون النظام السوري بخروقات جوية خصوصا.
ويوجّه وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر خلال لقائه الصحافيين داخل غرفة اجتماعات تتصدرها صورة الاسد، اللوم الى الاميركيين لرفضهم الاتفاق على نظام للرد على منتهكي الهدنة. ويقول "نريد ان يكون اتفاق وقف الاعمال القتالية دائما، وليس موقتا فقط"، قبل ان يستدرك "هناك الكثير من الانتهاكات، ويمكن للاتفاق ان ينهار في اي لحظة".