أخبار

"قوة ناعمة" تعزز التراث الثقافي وتدعم الفنون والآداب

مغرب محمد السادس في ربع قرن .. ثورة ثقافية هادئة

الملك محمد السادس يتأمل لوحة في معرض اللوفر - ابو ظبي
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من الرباط: مر ربع قرن على تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في المغرب، ذلك أن المغاربة رأوا فيه الصفات كلها: "المصلح الاجتماعي، والقائد الدبلوماسي والعسكري المحنك، الجيوستراتيجي في الدبلوماسية والسيادة الوطنية، والمخطط الاستراتيجي في الاقتصاد والقوة الناعمة، الذي يحصّن مقومات المغرب، العائلية والاجتماعية والتنموية والروحية. تحصين الأسرة بالإصلاح، وليس بالوعظ والإرشاد والأبوية المتعالية عن حقائق الناس في اليومي والمعيش، وتقريب التدين المغربي من قيم العصر بالدفاع عن إمارة المؤمنين التي تقود التحديث وتضمن الثوابت، والانفتاح مع تمتين منظومة القيم المنتجة، القيم الفاعلة، حتى إن الدولة أضحت فاعلاً أخلاقياً، من خلال الخطب التي دافع فيها الملك عن الجدية والصرامة مع الذات والصدق والوطنية".

مع محمد السادس الذي "وجد فيه المغاربة، وأيضاً جزء كبير من نخبة وقادة العالم، صفات الذكاء التاريخي، الذي يقتنص اللحظة، ويساعدها على النضج ويخلق لها شروط التحقق الميداني"، صار المغرب "مغرب العز بين الأمم" .. بلد "ينبثق بقوة وعزم" و"يتحرك بكل أجنحته...".

هنا، جرد مختصر لأهم ما راكمه المغرب خلال ربع قرن من حكم الملك محمد السادس ... في المجال الثقافي.

الماضي والحاضر
"الثقافة ليست فقط تعبيراً عن الإبداع، وإنما هي كذلك مرآة للحضارات، وضرورة أساسية في حياتنا اليومية، فهي غذاء للروح والفكر، وربط الماضي بالحاضر، كما تشكل صلة وصل بين الفرد ومجتمعه".

يمكن القول إن هذه الفقرة، التي جاءت في رسالة وجهها الملك محمد السادس، في 2022، إلى المشاركين في أشغال الدورة الـ17 للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، بالرباط، تلخص القناعة التي تضبط إيقاع الاهتمام الكبير الذي ما فتئ العاهل المغربي يوليه للشأن الثقافي في بلاده منذ توليه العرش في 1999، الشيء الذي يفسر النهضة الثقافية الملحوظة التي شهدتها البلاد، مع تبني مشاريع ومبادرات تهدف إلى تعزيز التراث الثقافي المغربي ودعم الفنون والآداب.

وتشمل هذه المشاريع والمبادرات الحفاظ على التراث الثقافي من خلال ترميم المواقع التاريخية والأثرية في مختلف أنحاء المغرب، ودعم مشاريع الحفاظ على التراث غير المادي؛ كما تنشغل بتعزيز الفنون والآداب من خلال دعم المهرجانات الثقافية والفنية ذات الصيت العالمي، وإطلاق الجوائز الأدبية والفنية التشجيعية لدعم الكتاب والمبدعين والفنانين؛ مع دعم البنية التحتية الثقافية، بافتتاح مكتبات لتعزيز القراءة والبحث العلمي، وتأسيس المتاحف الوطنية، فضلاً عن إنشاء وتطوير دور الثقافة والمسارح في مختلف المدن المغربية لتوفير فضاءات للفنانين والمبدعين؛ مع دعم إدماج المواد الثقافية والفنية في المناهج التعليمية لتعزيز الوعي الثقافي بين الطلاب وتشجيعهم على الإبداع، ودعم إنشاء وتطوير المعاهد الفنية والثقافية لتكوين الأجيال الجديدة من الفنانين والمبدعين في مختلف المجالات.

تعزيز التبادل الثقافي
تميزت فترة حكم الملك محمد السادس، على مدى ربع قرن، بزيادة منسوب الترويج للثقافة المغربية في الخارج، وتعزيز التبادل الثقافي مع دول العالم، من خلال دعم مشاركة المغرب في المعارض الثقافية والمهرجانات الدولية، وتوقيع اتفاقيات تعاون ثقافي مع العديد من الدول لتعزيز التبادل الثقافي والفني؛ فضلاً عن دعم التنوع والتعددية الثقافية، من خلال تشجيع الثقافة الأمازيغية والحسانية واليهودية، وغيرها، والتي تعكس التنوع الثقافي للمملكة، مع دعم برامج ومبادرات لتعزيز اللغة الأمازيغية، بما في ذلك إدماجها في التعليم والإعلام، في بلد يتحدث دستوره لعام 2011، عن "دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية"، فيما تتميز الهوية المغربية بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، في ظل "تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء".


ملك محمد السادس والملك عبد الله الثاني خلال افتتاحهما لمتحف محمد السادس للفن بالرباط

وتأتي هذه النهضة الثقافية الواسعة - التي تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي المغربي الغني وتعزيزه، ودعم الفنون والآداب، وتطوير البنية التحتية الثقافية، وتعزيز التبادل الثقافي الدولي - ضمن رؤية شاملة لتنمية البلاد على مختلف الأصعدة، بشكل يساهم في تعزيز الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي والاعتراف الدولي بالمغرب كدولة ذات تراث ثقافي غني ومتنوع.

مخزون غني ومتنوع
تشكل الثقافة، في المغرب، مخزوناً شديد التنوع والغنى، تكشف فيه كل جهة عن إرث فريد شاهِد على سمة البلاد كمهد لحضارة عريقة، منحتها التأثيرات المتعددة الناتجة عن قرون من التفاعل بين السلالات المتعاقبة والحضارات المجاورة عمقاً وغنى فريداً، حيث تمازجت التقاليد الأمازيغية الضاربة في أعماق التاريخ بالموروث العربي والأندلسي والحساني والعبري، في تناغم تام لتشكيل مشهد ثقافي متميز.


الملك محمد السادس ايام كان وليا للعهد مع محمد بن عيسى الذي كان انذاك وزيرا للثقافة في منزل هذا الأخير بمدينة أصيلة

وباعتباره ملتقى حقيقياً للثقافات، يتمظهر تنوع المغرب عبر أشكال متعددة تتجسد في تراثه الثقافي والمعماري، من مدن عتيقة مبهرة وقصبات مهيبة، فضلاً عن أدبه بكتابه ونقاده وشعرائه وفنونه التقليدية والمعاصرة وتعابيره المتنوعة، من موسيقى ورقص وفنون بصرية.

ثورة ثقافية هادئة
لا يمكن لرصد مضامين حوارات ووجهات نظر المثقفين المغاربة إلا أن يؤكد حقيقة أن فترة ربع قرن من حكم الملك محمد السادس قد شهدت "ثورة ثقافية هادئة"، تؤكد أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح، الشيء الذي يجد عناوينه في الحضور القوي للثقافة في السياسات العمومية والبرامج الإقليمية والجهوية، والتصالح مع الشأن الثقافي عبر مجموعة من القوانين المؤطّرة، في عصر صارت فيه الثقافة واجهة للعلاقات الدولية ومصدراً للاستثمار.


الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتجولان في اروقة متحف اللوفر - ابو ظبي

عناوين الحضور القوي والإيجابي للفعل الثقافي أكثر من أن تحصى، في سياق التقدم الملموس الذي شهدته البنية التحتية، تمزج الثقافي بالاقتصادي، في فترة حكم أخذت فيها الثقافة دورها في مسلسل التنمية؛ بينما ساهم الانفتاح الديمقراطي، الذي شهده المغرب، في التأثير بشكل إيجابي على التعبيرات الشبابية والثقافية، مع تشجيع المثقفين والوقوف بجانبهم في ظروفهم الصعبة، وتهنئتهم أو توشيحهم بأوسمة في الأعياد الوطنية، تتويجاً لمسارهم وتكريماً لإسهاماتهم، الشيء الذي يؤكد النهوض الملموس بوضعية الفنان وإيلائه المكانة التي يستحقها.

وجاء إنشاء "المسرح الكبير" للرباط ليؤكد أننا بصدد مغرب جديد، يعلي من شأن الفعل الثقافي والفني، وفق رؤية تجعل الثقافة في صلب التنمية الشاملة.

مهرجانات المغرب
لطالما منحت المهرجانات الثقافية والفنية المشهدَ الثقافي المغربي رونقاً خاصاً، فيما تسوق لصورة مغرب غني بموروثه وثرائه الحضاري، متشبع بقيم الانفتاح والتسامح. ومهرجانات المغرب، هي، اليوم، أكثر من أن تُحصى، فيما تختلف في توجهاتها ومواضيعها، لعل ما يميزها، عن مثيلاتها، في أغلب دول العالم، أنها لم تترك فكرة إلا جعلتها موضوعاً لفعالياتها، لتتكامل في محصلتها ومنجزها عبر تقديم طبق فني وثقافي منفتح على نقاش حول مواضيع لها راهنيتها، يرفع من مستوى الوعي الفني، ويساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من إشعاع البلد، فيما يلبي انتظارات الجمهور، حسب الميول والاختيارات الفنية.


متحف محمد السادس للفن المعاصر في الرباط

ونظراً لكثرة المهرجانات التي تنظم في المغرب، فقد صار بالإمكان تجميعها ضمن محاور، تتحدد حسب الفكرة المحركة لكل تظاهرة.

نركز، هنا، على مهرجانات بعينها، إما رأت النور في عهد الملك محمد السادس، أو زادت توهجاً، في ظل الرعاية التي يوليها للمجال الثقافي بشكل عام؛ ومن ذلك "المهر

جان الدولي للفيلم" بمراكش، وموسم أصيلة الثقافي الدولي الذي بدأت فعالياته عام 1978، و"مهرجان كناوة وموسيقى العالم" بالصويرة، و"مهرجان موازين .. إيقاعات العالم" بالرباط، و"مهرجان فاس للموسيقى الروحية"، ومهرجان "تيميتار، علامات وثقافة"، الذي ينظم بأغادير، منذ 2004، تحت شعار "الفنانون الأمازيغ يرحبون بموسيقى العالم"، دون الحديث عن مهرجانات ذات توجه وطني، تأتي كل سنة لتتوج المنجز الفني وتحتفي بالتراكم المسجل في المجالات موضع التظاهرة الفنية، ومن ذلك المهرجان الوطني للمسرح، والمهرجان الوطني للسينما، والمهرجان الوطني للفنون الشعبية.


الملك محمد السادس ايام كان وليا للعهد خلال زيارته لورش فن الحفر المنظم في اطار موسم أصيلة الثقافي 1978

لا شك أن مهرجانات بعينها، تحولت مع توالي دوراتها إلى قاطرة تجر باقي التظاهرات الفنية، فيما تقدم صورة إيجابية عن مغرب يتطور، متشبث بهويته ومنفتح على العالم.

ويبرز "المهرجان الدولي للفيلم بمراكش" كأهم حدث فني ينظم بالمغرب، بعد أن أطلق سنة 2001 من طرف الملك محمد السادس، من أجل تعزيز وتطوير الفن والصناعة السينمائيين، وليصبح فضاء للتعبير ولاكتشاف المواهب السينمائية، رافعاً رهانات التنوع والتبادل والإثراء.

من جهته، يشكل مهرجان "موازين .. إيقاعات العالم"، الذي تأسس سنة 2001 تحت رعاية الملك محمد السادس، أحد المواعيد البارزة لعشاق الموسيقى العالمية. والمهرجان حدث ثقافي بامتياز، يدعم قيم المملكة المتمثلة في التسامح والانفتاح والاحترام والحوار، كما يساهم في تعزيز النسيج الاقتصادي المحلي عبر تشجيع نشاط المهنيين في قطاع السياحة وتطوير المهن المرتبطة بالموسيقى ونشاط المهرجانات.

ويبقى من أبرز إنجازات هذا المهرجان التزامه بجعل "الثقافة في متناول الجميع"، ومساهمته في "تطوير صناعة وطنية مهمة للاستعراض الفني"؛ فيما يعطي عرض الحفلات المبرمجة في قنوات عالمية، للساحة الفنية المغربية واجهة عالمية تعكس تنوع ثقافات العالم وغناها وتنقل قيم التنوع والتشارك والتسامح". كما تساهم مشاركة النجوم العالميين في زيادة البعد الإشعاعي لصورة المغرب.


محمد السادس ايام كان وليا للعهد خلال افتتاحه احدى دورات موسم أصيلة الثقافي الدولي

من جهته، واصل "موسم أصيلة الثقافي الدولي" مسيرته، محافظاً على نفس الروح والأهداف التي حركته عام 1978، مكرساً مكانته في الداخل والخارج، بعد أن تحول إلى موعد سنوي غني بقيمة برامجه وتنوعها وراهنية القضايا التي تطرح للنقاش، بمشاركة نوعية لفاعلين من عوالم السياسة والفكر والفن والأدب، من مختلف مناطق العالم.

وحظي الموسم برعاية موصولة من الملك محمد السادس، منذ أن كان ولياً للعهد، بل كان رئيساً شرفياً له. ويقول محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، التي تنظم هذا الموعد الثقافي الدولي، عن هذا التشريف الذي حظي به الموسم: "أعطانا دفعة وأقول بموضوعية منحنا مناعة إذ لم يعد بعض المسؤولين يشككون في نوايانا، كما أعطتنا نفساً لأن رئاسة ولي العهد لها ثقل ووزن، وأعطتنا أيضاً دفعة معنوية ومادية قوية. الناس قبلوا أن يساعدونا والبنوك بدأت تقرضنا. حصلنا على الثقة والفضل يعود إلى جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وجلالة الملك محمد السادس حفظه الله".

ويحسب لمنظمي هذا الحدث الثقافي والفني حرصهم على التجديد النوعي والكمي، ضمن خيار الاستمرارية والمحافظة على الهوية الفكرية، التي طبعته منذ انطلاقته، كتظاهرة هادفة غير مسبوقة في المجال الثقافي غير الحكومي بالمغرب، الشيء الذي أكسب الموسم صدقية متجددة، فصار موعداً ثقافياً دولياً بامتياز، تقصده النخب السياسية والثقافية المغربية والأجنبية؛ خصوصاً من دول الجنوب والمنطقة العربية، على أساس أنّه من الواحات الفكرية القليلة في العالم وعالم الجنوب، التي يجري فيها نقاش خصب بين الفاعلين ومنتجي الأفكار بخصوص قضايا وإشكاليات تهم صميم الراهن الثقافي والمعيشي العام.

بدوره، شكل مهرجان "كناوة وموسيقى العالم"، في نهاية تسعينيات القرن الماضي، أول حدث من نوعه وصيته وتوجهه يُحدَثُ بالمغرب. مهرجان رائد ذو شعبية كبيرة، حظِيَ، ومنذ دوراته الأولى، بانتباه وإعجاب الجميع، فاتحاً الطريق لنشأة وظهور مهرجانات ومواعيد ثقافية عدة في مختلف مناطق المملكة.

أما "مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمية"، الذي انطلق في عام 1994، فضلاً عن منتداه الذي انطلق في 2001، فيعبر عن جزء من التقاليد العلمية والفنية والروحية لمدينة أخذت لقب العاصمة العلمية للمغرب.

ومنذ انطلاقه، حظي هذا الحدث بنجاح متزايد ورعاية ملكية موصولة. وفي عام 2001 اختارته الأمم المتحدة كواحدة من الفعاليات الرئيسية التي تساهم في حوار الحضارات.

دعم النشر والكتاب
منذ انطلاقته الأولى في عام 1987، بصم المعرض الدولي للنشر والكتاب المشهد الثقافي الوطني باعتباره الملتقى الأدبي الأبرز الذي يحتفي بالكتاب وصناعته وبالكتّاب والمبدعين. وقد استطاع على مر السنين أن يجعل من المغرب مركز جذب للكتاب والمثقفين والقراء ولمهنيي اقتصاد الكتاب والنشر، حيث تستقبل أروقته الغنية والمتنوعة كل عام مئات الآلاف من الزائرين، ويجمع ما يناهز 700 عارض قادمين من أكثر من 40 بلداً من قارات العالم، ليشكل بذلك صلة وصل مع جديد عالم النشر المغربي والدولي، ومحفلاً يشهد حركة فكرية وثقافية تربط صلة الزوار والمتلقين بالكتاب والنشر.

وفضلاً عن المعرض الدولي للنشر والكتاب، تنظم معارض جهوية بهدف تقريب الكتاب وشغف القراءة من عموم المغاربة، فيما تساهم مشاركات دور النشر المغربية في معارض أجنبية، بدعم من قطاع الثقافة، في التعريف بالمنجز الإبداعي والفكري المغربي وتقريبه إلى قراء العالم.

من جهته، يعمل القطاع الوصي على مواكبة عملية النشر والنهوض بصناعة الكتاب ودعم جهود مختلف العاملين والفاعلين في مجالات التأليف والكتابة والنشر، في إطار مقتضيات النصوص التشريعية المنظمة لدعم المشاريع الثقافية.

تتويج النبوغ المغربي
تعتبر جائزة المغرب للكتاب محطة سنوية مهمة يتم خلالها الاحتفاء بالكتاب المغربي ومؤلفيه. وهي مكافأة وطنية لأجود المؤلفات في مختلف الأصناف الإبداعية والمعرفية والنقدية والترجمية.

واستحقت هذه الجائزة ما صارت تحظى به في الأوساط الثقافية داخل البلاد من مكانة اعتبارية ومن اهتمام من طرف عدد كبير من المفكرين والمبدعين والباحثين والنقاد، فضلاً عن الفاعلين المعنيين بقطاع النشر وشؤون الكتاب المغربي. وهي أيضاً محطة تشخيصية ومقياس حراري لحيوية وعافية الجسم الفكري والإبداعي المغربي.

وتكريسا لقيمة هذه الأخيرة، عملت الوزارة الوصية على الرفع التدريجي للمبلغ المالي المرصود لها، كما عرف المرسوم المنظم لها عدة تعديلات، شملت إضافة جائزة جديدة، لتشتمل على ستة فروع، هي: السرديات والمحكيات، الشعر، الدراسات الأدبية واللغوية والفنية، العلوم الإنسانية، العلوم الاجتماعية والترجمة. وتطبيقاً للترسيم الدستوري للغة الأمازيغية، تم التنصيص على لغات المصنفات المرشحة، ومن بينها أساساً اللغتان العربية والأمازيغية والتعبير الحساني. وفي سنة 2018، عرف المرسوم المنظم للجائزة إضافة ثلاث جوائز جديدة، هي "جائزة المغرب التشجيعية للإبداع الأدبي الأمازيغي"، و"جائزة المغرب التشجيعية في الدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية"، و"جائزة المغرب للكتاب الموجه للطفل والشباب".

وفضلاً عن جائزة المغرب للكتاب، أضحت جائزة الحسن الثاني للمخطوطات، منذ إحداثها سنة 1969، تقليداً ثابتاً في المشهد الثقافي المغربي؛ وذلك في إطار سعي الوزارة الوصية لتثمين التراث المغربي المخطوط والتعريف به، باعتباره أثراً مادياً زاخراً بالكنوز المعرفية المعبرة عن عراقة تاريخ وأصالة الحضارة المغربية وتماشياً مع التوجيهات الملكية للنهوض بمجالات التراث وأصناف التعابير الثقافية بالمملكة، سيرا على نهج الملك الراحل الحسن الثاني الذي نالت الجائزة شرف حمل اسمه.

ولا يمكن الحديث عن وضعية النشر والكتاب، في علاقة بتشجيع فعل القراءة وتتويج الكتاب، دون الحديث عن المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، التي مرت بالعديد من المراحل التي بصمت تاريخها على مر ثمانية عقود، بدءاً من الخ

زانة العامة والوثائق، مروراً بسنة 2003 وحصولها على تسمية "المكتبة الوطنية للمملكة المغربية"، وصولاً إلى سنة 2008 التي يمكن اعتبارها بداية مرحلة النضج والتي تميزت بالتحول إلى مقر حديث ومتطور.

واستدعى هذا التطور في البنية التحتية والعمران مواكبته للتطور التقني والمهني، الشيء الذي دفع القائمين على إدارة هذه المؤسسة إلى وضع استراتيجية طويلة المدى للرقي بها إلى مستوى كبريات المكتبات العالمية وجعلها رائداً في المجال المكتباتي على المستوى الوطني والإقليمي.

ودشن الملك محمد السادس، في 2008، المقر الجديد للمؤسسة، التي تتحدد مهامها في جمع ومعالجة وحفظ ونشر الرصيد الوثائقي الوطني، وكذا المجموعات الوثائقية الأجنبية التي تمثل مختلف معارف الإنسانية؛ وتشجيع وتيسير سبل الاطلاع على المجموعات الوثائقية والمعلومات البيبليوغرافية المتوفرة لديها؛ والتنسيق والتعاون مع إطار الشبكة الوطنية للمكتبات؛ مع المشاركة في الأنشطة العلمية الوطنية والدولية، والإشراف على برامج البحث ذات العلاقة بمهامها وبالرصيد الوثائقي المتوفر لديها.

تطور المشهد التشكيلي
يرى الفنانون والنقاد المغاربة أن الفن التشكيلي المغربي "تطور بشكل رائع" في الـ25 سنة الأخيرة، حيث صارت هناك طفرة فنية ودينامية إبداعية داخلية ملحوظة وسوق فنية تجذب مهتمين من خارج البلد.

في سياق ذلك، يقول الفنان التشكيلي والروائي المغربي ماحي بينبين، إن الدينامية التي يعرفها الفن التشكيلي المغربي، في السنوات الأخيرة، تجد أسبابها في الدفعة التي أعطاها الملك محمد السادس لهذا الفن، والذي باقتنائه للأعمال الفنية، شجع محيطه والمهتمين بالفن التشكيلي، على مزيد من الاستثمار في هذا المجال.

وجاءت "المؤسسة الوطنية للمتاحف"، التي تم إنشاؤها في 2011، لتؤكد الرعاية التي يوليها محمد السادس للفنون التشكيلية.

وتسعى هذه المؤسسة إلى تحقيق جملة أهداف تشمل، على الخصوص، تقوية "الحكامة المتحفية"، و"تثمين رصيد" المتاحف الوطنية، و"جرد وحصر وتوثيق" رصيدها و"دراسته علمياً والمحافظة عليه وصيانته وحمايته وفق المعايير المتعارف عليها والقوانين المنظمة لقطاع التراث"، و"إغناء المجموعات المتحفية التابعة لها من خلال حملات التجميع واستملاك أو تسهيل استملاك أو شراء، بعوض أو بالمجان، الأعمال والتحف الفنية التي تكون لها قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية أو إثنولوجية بهدف ضمها إلى مجموعات تلك المتاحف"، إلى جانب "التعريف بوظائف ودور المتاحف في تطور المجتمع وتشجيع الإبداع والمهنية في المتاحف بجميع أصنافها"، و"تنمية وتشجيع" زيارتها، و"استقبال الجمهور في فضاءاتها وتمكين مختلف فئات المجتمع".

يتعلق الأمر، بالنسبة لمهدي قطبي، الفنان التشكيلي ورئيس هذه المؤسسة، بأهداف وأدوار مهمة تشمل تأهيل المتاحف ودمقرطة الفن، عبر فتح المتاحف أمام العموم وتحسين جاذبيتها وجعلها قابلة للولوج، من خلال توقيع الشراكات والتحسيس بأهمية الثقافة بشكل عام، والمتاحف بشكل خاص، لإغناء العرض السياحي والمساهمة في تطوير المعرفة ورفع مستوى فهم المغاربة لمختلف جوانب التراث الثقافي والفني لبلدهم، بشكل يعطي دفعة لسوق الفن ويُمَكّن المغرب من التموقع كبلد رائد في هذا المجال، ويزيد من إشعاعه الثقافي في الداخل والخارج.

لا يخفي قطبي ارتياحه للعمل المنجز على مدى السنوات التي قضاها على رأس هذه المؤسسة الثقافية، مشدداً على أن الحصيلة تبقى أكثر من إيجابية، الشيء الذي لم يكن ممكناً لولا الدعم الملكي للنهوض بالثقافة ومنحها المكانة اللائقة داخل المجتمع.

ويرى قطبي أن المؤسسة مكنت المغرب من احتضان تظاهرات ثقافية كبيرة. ويقول، في سياق استعراضه للدينامية الفنية التي أطلقتها المؤسسة: "قمنا بعمل استثنائي، تجسد على مستوى استقبال أعمال وتجارب عدد كبير من الأسماء الكبيرة التي طبعت عالم الفن التشكيلي عبر العالم، مع الاهتمام بالعمق الإفريقي، والعناية بالأسماء والتجارب التي بنت صرح الفن التشكيلي المغربي".

ويُحسب لهذه المؤسسة أنها تعمل على إصلاح وتأهيل عدد من المتاحف، تم تشغيل عدد كبير منها، كمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، ومتحف القصبة للثقافات المتوسطية بطنجة، ومتحف التاريخ والحضارات بالرباط، والمتحف الوطني للتصوير بالرباط، ومتحف الروافد - دار الباشا بمراكش، والمتحف الوطني للخزف بأسفي، والمتحف الوطني للنسيج والسجاد بمراكش - دار السي سعيد سابقاً، ومتحف "فيلا هاريس" بطنجة، ومتحف دار الجامعي، ومتحف برج بلقاري بمكناس، ومتحف فنون الإسلام بفاس، ومتحف باب العقلة بتطوان، ومتحف ساحة جامع الفنا بمراكش.

وفضلاً عن المعارض والتظاهرات الفنية المنظمة بالمملكة، أشار قطبي إلى معارض تنظم بالخارج، تتغيا التعريف بالتراث والفن المغربيين في الخارج، متحدثاً، في هذا السياق، عن "دبلوماسية ثقافية"، تتجسد في ما يمكن وصفه بـ"القوة الناعمة".

وفضلاً عن العمل الذي يتم على مستوى المؤسسة الوطنية للمتاحف، وضمن الدينامية المسجلة على مستوى الفنون التشكيلية، تدعم الوزارة الوصية قطاع الفنون التشكيلية والبصرية مادياً، حيث يتوزع على مجالات الإقامات الفنية، وتنظيم المعارض والصالونات المتخصصة في الفنون التشكيلية والبصرية، والإبداع البصري، واقتناء الأعمال الفنية، وكذا المشاركة في معارض وصالونات الفنون التشكيلية والبصرية.

وتشدد سياسة الدعم على الجودة والابتكار والإشعاع، والجانب المهني للمشروع، والمساهمة في ترويج المنتوج التشكيلي والبصري والتعريف به، ومكانة الفنانين في الساحة الفنية وموضوع المشروع، والتنوع الثقافي والإسهام في التعريف بالإبداع الفني المغربي، وأهمية المشاريع على مستوى الخريطة الفنية الوطنية والدولية.

الحفاظ على الموروث الثقافي
في سياق التطور الكبير الذي شهده التراث الثقافي، بحيث لم يعد مجرد مآثر تاريخية أو قطع آثار، بل صار يشمل العادات والتقاليد، والتعبيرات الحية الموروثة عن الأسلاف، والمنقولة للأجيال القادمة، كالتقاليد الشفهية، والعروض الفنية، وحتى الممارسات المجتمعية، انخرط المغرب في دينامية تروم المحافظة على تراثه المادي وغير المادي، وتثمينه وصونه ليبقى مرجعاً للأجيال القادمة.

وأخذاً بعين الاعتبار اتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، التي ساهمت المملكة في صياغتها على مستوى علاقتها مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وقع المغرب على جميع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف منظمة "اليونسكو" في مجال التراث، كما قام بملاءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مع المشاركة في مختلف البرامج المرتبطة بالمحافظة على التراث، والمساهمة في صندوق التراث الثقافي غير المادي. كما نظمت بالمغرب ورشات وندوات علمية، وملتقيات دولية، وتظاهرات ثقافية، من أجل الصيانة المستمرة للتراث الثقافي غير المادي وتثمينه، وهو تراث يعتبره ملك البلاد "رمزاً للهوية وعنصراً أساسياً في ذاكرتنا، حاملاً لمبادئنا وقيمنا المشتركة، وقابلاً للنقل إلى الأجيال القادمة".

وفضلاً عن العمل الذي يتم على مستوى التراث المادي، ممثلاً في ترميم وصيانة عدد من البنايات التاريخية، أطلقت المملكة دراسات أنثروبولوجية، بغية تحيين تصنيف التراث الثقافي غير المادي، وذلك في سياق تعزيز إشعاعه، فضلاً عن مجهوداتها الدؤوبة وتعاونها الوثيق مع المنظمات الدولية والإقليمية المختصة، ضمن سياسة تروم تسجيل مزيد من العناصر التراثية في إطار سياسة تروم "الحفاظ على التراث المغربي في ظل تنامي بعض الممارسات غير المشروعة".

وسبق للمغرب أن سجل عدداً من العناصر التراثية في قوائم منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) للتراث الثقافي غير المادي - تشمل "المهارات والعادات المرتبطة بالكسكس المغربي"، و"فنون ومهارات القفطان المغربي"، و"فن الملحون المغربي"، و"معارف وممارسات المحظرة"، و"الخيمة الصحراوية"، و"الخط المغربي"، و"فنون الطبخ المغربي"، و"فن الدقة المراكشية"، و"رقصة الكدرة الصحراوية"، و"تقنيات الجلابة الوزانية"،

و"رقص العلاوي بالشرق"، و"طرب الآلة"، و"الفخار النسائي الريفي"، و"الزخرفة على الخشب"، و"بروكار فاس" - وكذا في قوائم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، كان آخرها "فن الملحون"، الذي يوصف بأنه "ديوان المغاربة"، والذي أدرج، في 2023، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

*عبد الكبير الميناوي: كاتب صحافي مغربي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
وين الثوره ... يعني من قبل كانت بعصر ابو جهل ،،، ؟
عدنان احسان- امريكا -

وين الثوره الثقافيه .؟ والمواقف السياسيه - يوم المخابرات الفرنسيه - ويوم المخابرات الامريكيه ،، والمغرب بامكانياته اغني - من اي اغنى الدول الاوربيه ،، وفشل في حل مشكله الصحراء ،، لانو خايف على تجـــاره صيـــد السمك ،، واليوم ،، دورهم لمحاصره دول الساحل الغربي الافريقي، باجندات الغــــــير ،، واليوم صرنا نتباهى - بفن وصناعه التماثيل اللي تخلصنا منهـــا منذ عهـــد سيدنا ابراهيم عليه السلام ،..وهدم اصنام الكعبه ،، والغايه ليست الاصنام .. بل الاصنام التي - تحكمنا - وتتحكم بـــــنا ،، وبلا ثوره بلا بطيخ اصفر ..