مبادرات شبابية لدعم الأطفال والنازحين تتحدى الظروف الصعبة
الإحصاء الفلسطيني: استهداف الشباب في غزة يؤدي إلى "تشوه الهرم السكاني"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"نحن في مجتمعنا لا نستسلم لليأس، بل نواصل دعم من يحتاج إلى المساعدة"، هكذا تقول عبير أحمد مصممة ملابس الأطفال من داخل خيمتها في مواصي خان يونس، حيث نزحت من الحرب هناك.
فبعد عشرة أشهر من الحرب المستمرة في غزة، والتي تسببت في مقتل أكثر من 39 ألف فلسطيني، 24 بالمئة منهم من فئة الشباب، توجه من تبقى من شباب القطاع للعمل في مشاريع تطوعية في معظمها، لمساعدة سكان غزة الذين تضرروا بالكامل جراء استمرار القتال، والنزوح المستمر.
رؤية الأطفال وهم يرتدون ملابس ممزقة أو غير لائقة خاصة في أماكن النزوح في فترة مابعد بداية الحرب، كانت حافزاً لعبير أحمد، لتقرر العودة إلى مهنتها السابقة كمصممة لملابس الأطفال، بهدف خياطة ملابس مجانية للأطفال النازحين الذين فقدوا ممتلكاتهم وملابسهم في المنازل التي تعرضت للقصف.
شهر على اجتياح رفح: صور الأقمار الصناعية تظهر آثار نزوح مليون فلسطيني في غزةالصحة الفلسطينية تعلن قطاع غزة "منطقة وباء لشلل الأطفال"، وأونروا تقول إن الأمان أصبح "الأغلى والأكثر ندرة" في غزةتقول عبير لبرنامج غزة اليوم الذي يبث عبر بي بي سي عربي: "مع تغير الفصل من الشتاء إلى الصيف، وجدت العديد من العائلات نفسها بدون ملابس مناسبة، إذ أن الملابس المتاحة للشراء في المتاجر قليلة جداً".
تلك الندرة في الملابس، والتي فاقمها فقدان العديد من الناس لمنازلهم وممتلكاتهم، كانت سبباً لشعور عبير بـ"الحاجة إلى اتخاذ إجراء"، فهي بالأساس مصممة أزياء، ومتخصصة في ملابس الأطفال تحديداً.
تقول عبير إنها استوحت فكرة مشروعها من النساء اللاتي يُعدن تدوير ملابسهن الشخصية إلى ملابس أطفال، فقررت جمع الأقمشة والملابس المستعملة لاستخدامها في خياطة ملابس جديدة للأطفال المحتاجين.
وتوضح عبير: "من المحزن أن نرى الأطفال يرتدون ملابس إما أكبر أو أصغر من مقاسهم أو الأسوأ من ذلك، لا يرتدون أي ملابس على الإطلاق، هدفي هو استخدام مهاراتي وخبرتي كمصممة أزياء لتوفير أبسط وسائل الراحة لهؤلاء الأطفال".
إلى جانب عبير يحاول العديد من شباب قطاع غزة المساعدة في دعم سكان القطاع والنازحين للتخفيف من المعاناة التي يعيشها الجميع، ومن بين هؤلاء أبو راني وهو شاب غزّي أنشأ قناة على يوتيوب قبل بداية الحرب خصصها لنشر تلاوات للقرآن بصوته، إلاّ أنه وبعد الحرب حول قناته لنشر فيديوهات تتحدث عن المعاناة اليومية لسكان القطاع في ظل الحرب بطريقة طريفة.
https://www.youtube.com/shorts/6_zMh_0GgYA
ويقول أبو راني إنه يسعى لعكس صورة "صمود" أهل غزة، وإيصال معاناتهم ومحاولة التخفيف عنهم.
وفي أحد الفيديوهات التي نشرها أبو راني، قام بالترويج لمشروع بسيط أطلقه شقيقه في القطاع.
ففي غزة، من وجد ملابس ليرتديها، لم يجد أحذية لانتعالها في ظل نقصها الحاد منذ بداية الحرب أيضاً، ولطالما انتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل القطاع يتحدث فيها أصحابها عن معاناة نقص الأحذية، وهو ما ألهم شقيق أبو راني لبدء مشروع لخياطة الأحذية.
https://www.youtube.com/shorts/7VpuJmjvs4U
علي أبو شنب، وهو صحفي وأكاديمي، قرر هو الآخر الابتعاد عن مهنته الأساسية والتفرغ لمساعدة أهل غزة وخاصة الأطفال، فقام ورفاقه بعدة مبادرات تطوعية بتوزيع العصائر المنزلية الصنع على الأطفال النازحين، والمساعدة أيضا في جلب مياه الشرب من مسافات بعيدة وإيصالها للأسر المحتاجة في مخيمات النزوح.
مبادرة توزيع العصير المبرد على الأطفال في شمال قطاع غزة تحولت لأجل النازحين تحت القصف والدمار والنار. pic.twitter.com/tRfXUadZXY
— علي أكرم أبو شنب - Ali Ak Shanab (@aliakshanab) July 8, 2024شرارة الأمل تعود مجدداً
بالإضافة إلى المشاريع الفردية التي بدأت تنتشر على نطاق واسع، تقول الأمم المتحدة إنها أطلقت برنامجاً لدعم الشباب في قطاع غزة في ديسمبر/كانون الأول عام 2023 تحت شعار "شارك"، بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، موضحة أن البرنامج ساعد أكثر من 90 ألف شاب في جميع أنحاء غزة حتى الآن.
ومن بين الشباب الذين تطوعوا في هذا البرنامج، أحمد الحلبي البالغ من العمر 26 عاماً، والذي يقوم ضمن فريق من الشباب بتوفير الدعم النفسي للأطفال والمراهقين والنساء في القطاع.
ويوضح الحلبي: "يعاني الأطفال أكثر مما عانيته أنا في طفولتي: ألم وحصار وحرب، لا ينبغي لأي طفل أن يعاني مثلما عانيت أنا".
وتقول الأمم المتحدة إن مبادرة أحمد تشجع الشباب والفتيان على تولي أدوار إيجابية في أسرهم، وتقليل توترهم وغضبهم من خلال ممارسة رياضات مثل كرة القدم، بالإضافة إلى ارتداء المتطوعين لملابس مهرجين وتوزيع الهدايا على الأطفال بهدف "استعادة بعض الشعور بالحياة الطبيعية في خضم فوضى الحرب".
ويضيف الحلبي: "لقد رأينا السعادة والضحك في وجوه الأطفال، وكأن شرارة الأمل قد عادت إلى أعينهم، وكان الآباء أيضاً يراقبون أطفالهم بابتسامة وفرح".
بدأ فريق الحلبي بعشرة متطوعين ساعدوا خمسين طفلاً، توسع الآن ليشمل أكثر من أربعين متطوعاً يقومون بدعم أكثر من ثلاثمائة طفل في مختلف مناطق قطاع غزة.
تشوه الهرم السكاني في غزةوفي ظل الحرب المستمرة، يقول جهاز الإحصاء الفلسطيني المركزي إن أكثر من 39 ألف فلسطيني - أي ما نسبته 1.8 بالمئة من إجمالي سكان قطاع غزة - قتلوا منذ بدء الحرب الإسرائيلية في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، مؤكداً أن من بينهم 24 في المائة من فئة الشباب سواءً من الذكور والاناث.
وتوقع جهاز الإحصاء المركزي أن يتأثر التركيب العمري والنوعي للسكان نتيجة ما اعتبره استهداف الجيش الإسرائيلي المتعمد لفئات محددة للسكان كالأطفال والشباب، معتبراً أن ذلك يؤدي إلى "تشوه شكل الهرم السكاني في ظل توقعات بانخفاض عدد المواليد للسنوات القادمة نتيجة استهداف فئة الشباب".
وعلى الرغم من سعي من تبقى من الشباب في غزة لابتكار مشاريع بسيطة في مضمونها، وعظيمة في تأثيرها، إلا أن تلك المشاريع تتصادم في كثير من الأحيان مع صعوبات عدة خاصة مع النقص الكبير في المواد الأساسية وغلاء أسعارها إن وجدت.
تقول عبير أحمد مصممة الأزياء، إنها "واجهت العديد من التحديات في الحصول على أدوات الخياطة الأساسية مثل المقص وأشرطة القياس والخيوط والأزرار والأقمشة المناسبة، بالإضافة إلى انقطاعات التيار الكهربائي مايعيق أعمال الخياطة".
وتضيف عبير أنها تقوم بالبحث باستمرار في جميع الأسواق مثل سوق الدير للعثور على الأقمشة وأدوات الخياطة الإضافية اللازمة لتلبية احتياجات الأطفال من الملابس.
وعلى الرغم من كل تلك التحديات تؤكد عبير أنها عازمة على مواصلة جهودها من داخل خيمة في مواصي خان يونس.
وتقول الأمم المتحدة إن هناك حوالي 1.9 مليون نازح داخلياً في غزة، غالبيتهم نزح عدة مرات في ظل أوامر الإخلاء التي يُصدرها الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر، مشيرة إلى أن معظم النازحين يعيشون في ملاجئ مؤقتة وغير آمنة وغير صحية.
بي بي سي تتحدث لمجموعة من المصابين الذين تم إجلاؤهم من غزةشهر على اجتياح رفح: صور الأقمار الصناعية تظهر آثار نزوح مليون فلسطيني في غزة"سنضع خيمة فوق هذا الدمار ونعيش هنا"