مأساة تحت الردم
جوليا رمضان: شابة لبنانية أحبّت العطاء حتى الرمق الأخير
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"يا جماعة الخير، في عائلة بصيدا من 18 شخص بحاجة لمساعدات، ما عندن شي. معقول نقدر نأمن لهم شي؟"
كانت هذه واحدة من آخر الرسائل التي أرسلتها الشابة اللبنانية جوليا رمضان (28 عاماً) قبل مقتلها مع والدتها في غارة إسرائيلية على مبنى في منطقة عين الدلب، شرقي مدينة صيدا، في جنوبي لبنان، عصر الأحد الماضي، في 29 أيلول (سبتمبر).
وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة اللبنانية، عن مقتل 45 شخصاً في الغارة الإسرائيلية على عين الدلب، وجرح 70 آخرين.
عدد القتلى الكبير وحجم الدمار في مكان الغارة، جعل من الهجوم على عين الدلب أحد أكثر الهجمات مأساوية منذ بدء التصعيد العسكري الأخير، وتنفيذ إسرائيل لغارات في جنوبي لبنان والبقاع وبيروت وعدد من المناطق الأخرى.
مقتل جوليا خلال أدائها للعمل الخيري، ألهم كثيرين، وحصد تعاطفاً كبيراً على مواقع التواصل، بعدما قضت ساعات تحت الردم قبل نجاح فرق الإسعاف بالوصول إليها وإلى عدد آخر من الضحايا الذي علق بعضهم تحت الردم لأيام.
وقتلت في الغارة أيضاً والدة جوليا، جنان، ونجا شقيقها أشرف ووالدها عبد الحميد.
عاشت جوليا أيامها الأخيرة، وهي تجمع التبرعات للنازحين من القرى التي طالتها الغارات الإسرائيلية، إلى صيدا، بمساعدة شقيقها أشرف.
كان الشقيقان قد افتتحا مطعماً قبل مدة، وخصصاه منذ بداية التصعيد لتوزيع الطعام مجاناً على العائلات النازحة.
وقصف المبنى حيث تقيم العائلة، خلال عملهم على تحضير مجموعة جديدة من التبرعات، كما يخبرنا مجد الساحلي، أحد أصدقاء جوليا المقربين.
التقى مجد بجوليا قبل نحو 10 سنوات في مجموعة على فيسبوك، لرابطة مشجعي نادي جوفنتوس الإيطالي في لبنان.
يقول في اتصال مع بي بي سي عربي: "كنا ننسق كمجموعة ونشاهد مباريات اليوفي دائماً في بيروت. لكن صداقتنا تطورت أبعد من عالم كرة القدم، وصرنا نشاهد حفلات موسيقية معاً، ونخرج بصحبة بعضنا إلى أماكن نحبها في بيروت".
على مرّ السنوات، أصبح مجد صديقاً لجوليا وعائلتها. يصفها بأنها "شخص يحب الحياة كثيراً. طموحة جداً. مثقفة جداً وحائزة على 3 شهادات جامعية". درست جوليا العلاقات العامة والتسويق وعلم النفس وكانت تعمل في وظيفة حرة في الفترة الأخيرة.
ويضيف: "كانت تساعد الناس دائماً، تساعد الطلاب في مشاريعهم الجامعية ومشاريع التخرج الخاصة بهم. حتى أنها كانت تساعد الباحثين عن وظائف في التحضير لمقابلات العمل".
حاولنا التواصل مع أشرف، شقيق جوليا الناجي من الغارة، إلا أنه لم يستطع حتى كتابة هذا التقرير التحدّث معنا.
تحدثنا أيضاً إلى مها كاعين، صديقة جوليا، وشريكتها السابقة في سكن للشابات في بيروت، حيث كانتا تعملان وتتابعان دراساتهما الجامعية.
تصف مها ساعات الانتظار الطويلة قبل معرفة مصير جوليا، ومحاولتها التواصل معها ومع والدتها الراحلة جنان، من دون جدوى.
تخبرنا: "بقيت جوليا تحت الأنقاض منذ تنفيذ الغارة عند الخامسة والنصف عصراً وحتى الساعة 12 إلا عشرة دقائق ليلاً".
وتتابع: "قالوا لنا إنها على قيد الحياة وإنهم مدّوها بالأوكسيجن والماء، ولكنها للأسف فارقت الحياة في النهاية. والدتها توفيت خلال محاولة إسعافها في المستشفى".
تقول مها إنها تعيش حالة إنكار لوفاة جوليا، وأنها تشعر كأنها فقدت أختاً من أخواتها. تتذكّر: "كنا نتشاجر كثيراً، وكنا نحذف بعضنا عن مواقع التواصل، ثمّ نتصالح من جديد. علاقتي بوالدتها كانت أيضاً جيدة، وكانت تؤنبني بمحبة".
تصف صديقتها بأنها "ملاك، من دون مبالغة"، وتقول: "قلت لخطيبي إن طعمنا الله بنتاً، سأسميها جوليا، سأصبح أم جوليا".
يحاول أصدقاء جوليا إكمال مسيرتها في العمل الإغاثي.
وكتبت صديقتها فاديا عكرا على فيسبوك: "جوليا وأعمالها خالدة معنا. وإن استشهدت، فهي حيّة فينا، لم ولن تموت أبداً".
وأضافت: "قررنا، مع عائلتها، أن نتابع مسيرتها الإنسانية ونُخلِص لها. سنقوم باستكمال عملها في مساعدة النازحين في مدينة صيدا كما كانت تفعل وترغب وتحب".
وبحسب الأرقام الرسمية، قُتل أكثر من ألفي شخص في لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بينهم أكثر من ألف منذ بدء القصف الجوي المكثف في 23 أيلول/سبتمبر.
وقدّرت الحكومة اللبنانية الأربعاء عدد النازحين هرباً من العمليات العسكرية بنحو 1.2 مليون يفترش عدد كبير منهم الشوارع في مناطق عدّة من بيروت.
وتشنّ إسرائيل حملة تقول إنها ضد مواقع عسكرية حزب الله، وتهدف إلى إعادة سكان شمال إسرائيل إلى بيوتهم التي نزحوا منها، منذ فتح حزب الله "جبهة إسناد" لغزة.
بالصور: لبنانيون تحت القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية ببيروت ومناطق أخرىعاجل: إسرائيل تعلن تنفيذ غارة دقيقة وسط بيروت، ووقوع ستة قتلى وإصابة آخرينعائلات لبنانية فرت قبل دقائق من تدمير منازلها"بيننا وبين الجنون شعرة": مغتربات لبنانيات يشهدن الحرب من بعيد