فضاء الرأي

العنف و التقسيم: أجندة "ترامب"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سبق و أشرنا في مقال لنا بهذا المنبر وغيره، أن الرئيس الأمريكي "ترامب" لا يحمل للمنطقة العربية إلا مزيدا من سفك الدماء و تشريد الأمنيين و تجزئة المجزأ، و مع ذلك فالحكام العرب يهرولون باتجاهه و يحرصون على إرضائه، و أخر ما صدر عن إدارته هو ضرب سوريا بالعديد من الصواريخ و الترويج لتقسيم ليبيا كخطة لإعادة الأمن و الاستقرار بهذا البلد...
كلا الحدثين على درجة كبيرة من الخطورة، فاللجوء للقوة في سوريا و غيرها من البلدان العربية أمر محزن و لا يسهم إلا في مزيد من العنف و العنف المضاد وتغدية خزان العنف بالمزيد من الدخائر، فعنف أمريكا مرفوض و نفس الأمر ينطبق على العنف الروسي و الايراني و عنف النظام السوري في حق شعبه، و هو المولد الأساس لهذه الدائرة المفرغة من العنف و الدماء و الأحقاد، و لن يقود هذا التوجه الدموي إلا لتقسيم البلاد العربية إلى مناطق نفوذ للقوى الأجنبية،و إجهاض أي حلم في الاستقرار و الأمن و التنمية في إطار وحدة الأوطان أولا، و لما لا وحدة الإقليم مستقبلا. وهو الأمر الذي يدفعنا لطرح سؤال مركزي لماذا وصلنا إلى هذا المنحدر السحيق؟
ما تعيشه المنطقة العربية اليوم هو نتاج طبيعي للاستبداد السياسي بالدرجة الأولى، فالفرعونية السياسية والحكم الفردي دمر المجتمع العربي كله، و أصبحت حركات المجتمع و سكناته تدور في فلك الحاكم المستبد و بطانته... لست من الذين يحبذون اللجوء لتحميل مسؤولية التفكك و التخلف إلى الخارج و للقوى الامبريالية و المؤامرات الأجنبية، فالمسؤولية الأساس تقع على عاتق أنظمة الحكم التي قمعت الحريات و رسخت للخلافات بين مختلف مكونات الشعب الواحد...ما تعانيه المنطقة هو نتاج طبيعي لعقود من احتكار السلطة، و من نهج سياسات مزاجية وانعدام المساءلة...
فحصاد حوالي نصف قرن من خروج المحتل الأجنبي – الفرنسي أو الانجليزي – عن معظم البلاد لعربية لم يكن إلى كومة من الإخفاقات و الهزائم المتتالية، فمعظم البلاد العربية اليوم تعاني من أزمات خانقة، وإن كان بعضها يعتقد بأنه بعيد عن حزام الأزمات بفعل توفر "السيولة النقدية" أو "السطوة الأمنية" فهو واهم، فمعظم البلاد العربية تعاني من نفس الداء فالاستبداد السياسي و احتكار السلطة و انعدام الفصل بين السلطات، و غياب الحدود الفاصلة بين التجارة والسلطة كلها عناصر تدعم انفجار الأوضاع و لو بعد حين...
و الغريب في الأمر هو استمرار أنظمة الحكم على نفس المنوال بالرغم من انفجار الأوضاع ببلدان الربيع العربي، بل هناك تسويق و تضخيم لهذه المشاهد الدموية و للفوضى، بغرض إخافة باقي الشعوب العربية من شبح الإرهاب و العنف حتى لا تطالب بتحررها و انعتاقها من العبودية والاستبداد، لكن الذي ينبغي أن نوجه إليه انتباه القارئ العربي، أنه لا مفر من دفع ضريبة الحرية، فالاستبداد السياسي يعيق تشكل مجتمع مدني متماسك و منسجم، بل إن عجز المجتمعات العربية و فشلها في تحقيق الأمن والاستقرار و التقدم راجع بالأساس إلى الكلفة العالية للاستبداد...
 فالاستبداد يوجه موارد المجتمع في غير محلها، و يغلب المصالح الشخصية والفئوية لداعميه على حساب مصلحة المجتمع و مطالبه، بل إن حالة العنف الذي تشهده العديد من البلدان العربية المستفيد منه هو الأنظمة العربية الاستبدادية بالدرجة الأولى، فهي من تستفيد من تشويه صورة الإسلام بغرض ضرب حركات الإسلام السياسي المعتدلة، والتي لها تجذر حقيقي في ضمير الأمة، نعم البلدان الغربية بدورها لا تريد أنظمة ديمقراطية في المنطقة، لكن إذا بدأت شرارة العنف تصل إلى أراضيها في شكل أمواج من اللاجئين أو عمليات عنف في أراضيها فهي دون شك سوف تقبل بالديمقراطية، لا سيما وأن الديمقراطيات لا تحارب بعضها، و أن الغرب يستطيع حماية مصالحه مادام أن التجارة في مصلحة الجميع...
ما ينبغي استيعابه اليوم من قبل شعوب المنطقة، والقوى الحية على اختلاف طيفها السياسي، أن استمرار الخلافات البينية هو تدمير للمجتمع العربي و ترك السلطة و القرار بأيد أنظمة فاسدة تقود الإقليم إلى مزيد من التفكك و العنف، و التواطؤ مع أجندة ترامب الغرض منه المحافظة على مكاسب الحكام بالدرجة الأولى.
القادم من الأيام لا يحمل لأهل المنطقة إلا المزيد من الدمار و التفكك، نتمنى من كل القوى الحية بالبلاد العربية أن تتسامى عن خلافاتها و تبحث عن القواسم المشتركة و لعل أهمها حقن دماء أبناء المنطقة..، و أن تدرك أن التحالف الأسود القائم بين الاستبداد العربي و الامبريالية العالمية بكل أطيافها، لن يترك من هذه المنطقة شيئا، فالأمل بغد أفضل مقرون بالمقاومة السلمية والعصيان المدني و الخروج إلى الشوارع و الميادين و عدم الانسياق للعنف، بغرض إلزام الأنظمة الفاسدة عن ترك السلطة أو التراجع عن غيها..
 فكل البلاد العربية مهددة في القادم من الأيام بالتفتيت و العنف -وليس فقط سوريا أو ليبيا أو اليمن..-، ولم يعد من الممكن الاستمرار في تحمل فاتورة الاستبداد التي كلفت الكثير من الدماء و الموارد، كما أن الوحدة بين مكونات البلد الواحد من جهة، و مكونات باقي الإقليم من جهة أخرى، يبقى البديل الأكثر فعالية لإعادة هيكلة هذه المجتمعات التي أنهكها الاستبداد و سوء التدبير...و الله غالب على أمره...
*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي.
 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقال جميل يسلم قلمك
لن يعجب الانعزاليين -

مقال جميل يسلم قلمك لكنه لن يعجب التيار الانعزالي الكنسي والالحادي والشعوبي الطائفي الذي يعبد أمريكا قبل المسيح ويكره العروبة والإسلام. ما علينا منهم يشربوا من البحر او المحيط او يخبطوا أدمغتهم في الحيطان او يعضوا في الارض ان دمار الأنظمة المستبدة ذاتياً او بفعل فاعل جيد للأمة الاسلامية التي ستبعث من جديد من تحت الركام بعد ان تكون الارض تطهرت من أدران وأوساخ المستبدين اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين آمين

كلام مكرر وبائس
فول على طول -

الكاتب لا يؤمن بالمؤامرة وهذا شئ جميل ولأول مرة نجد كاتب من الذين امنوا لا يؤمن بالمؤامرة ...لكن فى السطر الأول من المقال يؤكد على أن ترامب لا يحمل الخير للعرب ...وأن الدول الكبرى لا تحمل الخير للذين امنوا ..ولا تريد ديمقراطية فى بلاد المؤمنين ...انتهى - والكاتب يعلل سبب ارهاب أو تخلف الذين أمنوا ومشاكلهم هو الحكام المستبدين ...نقطة ومن أول السطر . سيدنا الكاتب لا يريد الاعتراف بأن الحكام المستبدين هم أبناء الثقافة المستبدة والشرع المستبد والتعاليم المستبدة والدين المستبد والدساتير المستبدة ..وهم أبناؤكم وأحفادكم أى ليسوا غرباء . ونسأل الكاتب المغربى : هل فى المغرب يتساوى العربى مع الأمازيغى ؟ وهل هناك حرية عبادة للجميع ؟ وهل مسموح لأحد من الأقليات أن يتبوأ مناصب هامة ؟ وهل الكاتب لا يعرف أن تعدد الزوجات هو استبداد ..وينتج أطفال الشوارع والجوعى واللقطاء ؟ وهل لا تعرف أن الطلاق الشفوى يؤدى الى نفس النتائج السابقة ؟ وهل لا تعرف أن الشرع المستبد لا يساوى بين الرجل والمرأة وخاصة عند الطلاق تجد المرأة نفسها فى الشارع تتسول ؟ وهل تؤمن بالجزية أم لا ...وهل هذا الشرع مستبد أم لا ؟ وهل تؤمن بقتل المختلف معكم دينيا أم لا ...وهل هذا شرع مستبد أم لا ...؟ ونكتفى بذلك . أم أغرب شئ فان الكاتب يطالب بالاسلاميين المعتدلين أن يتولوا السلطة ...ونسأل الكاتب : ما معنى اسلامى معتدل ..وما معنى اسلامى متشدد ..؟ هل الاسلام يختلف من شخص لأخر ؟ هل عرفت من أين يأتى الاستبداد والحاكم المستبد ؟ يا رجل أنتم فى ورطات كبرى . ربنا يشفيكم قادر يا كريم .

اسئلة للكاتب
فول على طول -

الكاتب قال : تشويه صورة الإسلام بغرض ضرب حركات الإسلام السياسي المعتدلة ..انتهى الاقتباس . وهذة الجملة تتكرر كثيرا ويكاد كل الذين أمنوا يرددونها ..ونحن نسأل الكاتب ونرجوة ..ونتوسل الية ..ونتمنى أن يقول لنا ما الفرق بين أصل الاسلام وصورتة ؟ هل لك أن تقول لنا من أين تأتى الصورة ؟ ونتوسل الية ونرجوة ونتمنى أن يقول لنا ما هو الاسلام المعتدل ...هل من اجابة فى مقال حتى تعم الفائدة ؟ تحياتى لو أجبت ...وأرجوك أن تتوقف عن الكتابة ان لم تجاوبنا . .