فضاء الرأي

الخطوة القادمة في غزة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

موجة من الإشاعات والتحليلات اجتاحت الزوايا والجلسات في قطاع غزة انتقلت في بعض الأحيان إلى العالم الأزرق وفي غالبها تنتقل منه إلى الشارع . هذه الحالة غير الصحيّة نقلت مواطني القطاع من كونهم يعيشون على "كف عفريت" انتظارًا إلى "العفريت" نفسه الذي ينقّض على زوايا مفصلية في حياته الاجتماعية, هذه الحياة التي باتت وفقًا لتوصيف مختصين "مرحلة الخلاص الذاتي" وهي المرحلة الاخطر في تاريخ الشعوب والتي تنتقل فيما بعد إلى حالة اللامبالاة الوطنية وهو ما يُخشى فعلًا. غزة هي مخزون الوطن والوطنية، وهي الفتيل الذي أشعل الثورة الفلسطينية وعلى أجساد شعبه تحطمّت المؤامرات التي حيكت ضد فلسطين بالعموم لا القطاع بخصوصه.

سننتقل من مرحلة السرد التي باتت لا  تُسمن جوع العاطل عن العمل ولا حتى الموظف الذي اعتاد على نمط حياة تقلّص إلى أكثر من النصف منذ أحداث البغاضة وبدء سريان معاهدات الانفصال ! خيارات وسيناريوهات باتت مُزعجة بل ومُدمرة نفسيًا لأجيال اعتقدت أن "القادم أجمل" فاكتشفت سوءات اللحظة .. كل الحكايات اجتمعت على "السواد" ورغم محاولات إضفاء الإيجابية في لحظات عابرة لا تتعدى الساعات إلاّ أن تصريحات أو تظاهرات مُخلّة بالآداب الوطنية ترمي بالإيجابية إلى مستنقع السلبية المفرطة .

هذه هي الخطوة القادمة في قطاع غزة :

• لن تذهب السلطة الفلسطينية إلى مزيد من "العقاب" المالي للموظفين وستكتفي بالتجميد الذي تم والذي على اثره توقفت الدورة المالية في قطاع غزة . 

• عوائل الشهداء والجرحى كما الأسرى والمحررين لن تمسهم أي "ضغوطات" مالية رغم التحرك الإسرائيلي المُستعّر ضد الحكومة والسلطة والاتهامات اليومية بـ"تمويل المقاومة" من جهة وبمطالبات اعتبار الصندوق القومي الفلسطيني ارهابيًا وبالتالي (م.ت.ف) ارهابية التي تندرج تحتها سلطة الحكم الذاتي التي تمثلها الحكومة وفقًا لاتفاق أوسلو الذي نص على إنشاء سلطة حكم ذاتي للفلسطينيين .. بالناتج سيكون كل النظام السياسي الفلسطيني ارهابيًا .

• ستطلب السلطة والحكومة من السلطة الحاكمة في قطاع غزة سداد أثمان الكهرباء وبشكل خاص ثمن الخط الاسرائيلي الذي تدفعه السلطة شهريًا من المقاصة, "حماس" استبقت هذه الخطوة بأزمة "محطة التوليد" التي بالأساس لا تعطي ربع الكمية المطلوبة لكهرباء القطاع وبالتالي في حال لم تلتزم "كهرباء غزة" بدفع ثمن كهرباء الخط الإسرائيلي يُصبح خيار وقف الخصم من المقاصة (مُتاحًا) لكني أعتقد أن السلطة لن تتخذ هذا القرار , هذا الأمر ينطبق على المياه الموردة من الشركات الاسرائيلية لقطاع غزة حيث دفع ثمنها الحكومة شهريًا .

• تدفع الحكومة (مبالغ كبيرة) لصالح المرافق لصحية في قطاع غزة وكذلك مقابل التحويلات الطبية للمستشفيات بالخارج , ستطلب السلطة تمكين الرقابة على الأدوية الموردة للقطاع بحيث تذهب للمستفيدين منها وتحدث هنا وزير الصحة عن مبالغ طائلة تدفعها وزارته ثمنًا للأدوية ويتحدث الوزير نفسه قائلًا :"لا نعرف أين تذهب" . هذا الخيار لن يكون سهلًا لكنه يبقى "ضمن الرزمة" المطروحة . قد يبدأ التقليص في ملفات لا تؤثر على المواطن بشكل مباشر .

• تُشرف الحكومة على عملية إعادة الإعمار بعض المنح تقوم بإدارتها السلطة بشكل مباشر من خلال وزارة الأشغال والمكتب الوطني وبعضها يتم مراقبتها بعد تحويل عملية تنفيذها للمؤسسات الدولية العاملة في القطاع , وقف الإعمار ليس خيارًا مطروحًا بل وقعّت الحكومة مؤخرًا على منحة إيطالية ستشرف هي على تنفيذها لإعادة بناء بعض الأبراج التي هُدمت خلال العدوان الأخير .

• تقوم السلطة بالتنسيق والمتابعة للمعابر الحدودية (مع الاحتلال) سواء بما يخص الأفراد (إيرز) أو البضائيع (كرم أبو سالم) ويبقى الأمر مطروحًا للتداول بإمكانيات الانسحاب من التنسيق وإدارة المعابر لكنها مُخاطرة لها ما بعدها لذلك لن تكون ضمن الخيارات المتوقعة .

• تشرف الحكومة على مرافق وزارة التربية والتعليم كاملة وتدفع غالب رواتب المدرسين كما تقوم بدفع المخصصات الإدارية واللوازم المتعلقة باستمرار العملية التعليمية .. خيار صعب لكنه مطروح .

 

هذه الخيارات أعلاه يُمكن تلخيصها بعبارة واحدة :"السلطة ستعيد النظر في كل (أغورة) تصل من خلالها لقطاع غزة سواء عينية أو سيولة) تصاعد الأزمة الداخلية هو ما يهدد بالوصول إلى التفكير بتنفيذ كل تلك الخيارات والتي وبعد تنفيذ إحداها (تجميد علاوات الموظفين) بات الانهيار واضح المعالم في جنبات القطاع .. أما تنفيذ بقية الخيارات الصعبة ستكون طبقًا للردود المتبادلة والتعامل المتوقع مع الملفات المطروحة ومبادرات إنهاء الانقسام .

أما الخيارات القادمة فأتوقع أن تكون خطوات ذات بُعد سياسي لرمي الكرة في ملعب الجماهير وهذا يلزمه اتخاذ التالي :

1- حل المجلس التشريعي بمكوناته الحالية والاعتماد على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وبالتالي يلزم الدولة برلمانًا جديدًا .

2- الاعلان المحدد عن انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة وهذا سيأتي بعد نجاح أو إنجاح الانتخابات المحلية التي ستبدأ قبل منتصف الشهر القادم (آيار) .

3- الدعوة لاجتماع عربي عاجل لوضع الدول العربية في صورة الأوضاع في قطاع غزة والطلب منهم بشكل رسمي التدخل لإنقاذ القضية من تدهور قد يكون (بدأ فعليًا) .

لنا أن نلاحظ التالي :

1- صمت مُطبق لدول كتركيا وقطر وعدم الاشارة للأزمة الحالية والمتوقعة في قطاع غزة .

2- صمت مُطبق لتيار (دحلان) وهو الذي عارض في البداية ثم ما لبث أن ربض على رؤوسهم الطير ! .

3- تصريحات مُتناقضة داخل حركة حماس وتعامل غير مُعتاد في الأزمات .

4- حركة فتح بقدها وقديدها باتت تُردد خيار (يا بشيل يا بتشيل) .

5- استمرار إغلاق معبر رفح لليوم الخمسين على التوالي على الرغم من انفراج (الأزمة) في الشهور الماضية .

ماذا تفعل حماس الآن ؟ 

لا شك أن الأزمة الحالية وما يصل لحركة حماس من حديث أنّ الأزمة الحالية لم تكن خيارًا شخصيًا بل كانت بإجماع عربي "تقريبًا" وحديث الأردن في هذا الصدد يؤكد ما تذهب إليه التحليلات, هذه الأزمة وضعت حماس في مأزق حاولت أن تلتف عليه كما جرت العادة منذ سنوات عشرة فهي تنتهج نظرية "حرق الوقت" في محاولة لتغير المعايير الاقليمية وانتظارًا لتدخلات مُفاجئة .. لكنّ التصريحات والإجراءات التي قامت بها حماس بعد بدء سريان "العقوبات" تؤكد أن الحركة لا تملك إجابات كافية عمّا ستفعله, فحرق ورقة "الجنود الأسرى" والاعلان عن كونهم أحياء وبعدها بيوم واحد الكشف عن تفاصيل عملية فدائية لإعادة المشاعر التي حُطمّت لاعتبارات انسانية لم يكن المواطن يريد حشره في زاوية التفكير بنفسه (بالتأكيد).

وكذا التعامل المتناقض في التظاهرات التي تلعن وتسب (السلطة) وبعد ساعة (تعتذر) ثم ما تلبث إلا أن تطلب (حماس نفسها) من (السلطة الملعونة ذاتها) أن لا تتخلّى عن واجباتها وأن تقوم بدفع كل ما يتطلبه استمرار الحياة الانسانية (البسيطة) في قطاع غزة. هذه التناقضات التي اجتمعت في فترة قصيرة تكشف عن مدى المأزق الحالي لكنه جزء من إدارة أزمة لقطف ثمار قد يكون التفكير بهذا النمط جاء مُتأخرًا.

حماس تعلم أن الرئيس أبو مازن اتخذ قرارًا بضرورة الانتهاء من لعبة "القط والفار" فيبدو أنه (أي الرئيس) ملّ من الحوارات والوعودات ثم النكث بها فالبدء من الصفر مرة أخرى على مدار عشرة أعوام . لقد سنحت الفرصة الأكبر لحركة حماس في شهر نوفمبر من العام الماضي فرئيس السلطة وهو رئيس م.ت.ف زعيم فتح اعترض عليها قيادات الأخيرة لعدم نعته أحداث الانقسام بـ"انقلاب" في مؤتمر فتح السابع بل وبعض الأصوات خرجت لتهاجمه لسماحه بخطاب لخالد مشعل وسط "جروح فتح" كما أطلقوا عليها في حينه . هذه الفُرصة التي لن تتكرر ذهبت وجاء وقت التعامل "الخشن" بهدف إعادة التمثيل الفلسطيني كاملًا لا منقوصأ دون خزّان الوطنية والوطن (غزة) . ما بين السطور يكشف أن الرئيس ذاهب بكل مداركه إلى وقف هذا المسلسل المُمل والذي يُصيب من يعيشه بإحباط اللحظة وتحوّل يومًا فآخر إلى نسخة أحدث من قصة "الراعي والذئب" بتفاصيل أكثر دراماتيكية .

مخاطر قائمة ؟

أؤمن أنّ المسؤولية تتطلب قرارات صعبة قد لا تكون (ع البال) وكل قرار يحمل شقًا إيجابيًا وآخر سلبيًا لو تحققت الخطوات بتراكم طبيعي وفقًا للمرسوم فمصير القرار سيكون ايجابيًا والخطر المحدق دوما في القرارات المصيرية هو "مفاجآت" قد تكون معروفة لكنها ليست بتقدير (صحيح) لذلك فقرار التعامل الخشن ذو الهدف الانقاذي يحمل من المخاطر الكثير نذكر منها:

1- هروب إسرائيل بخطوات دراماتيكية كما طلب الكاتب والمحلل الاسرائيلي عاموس هارئيل في هآرتس الذي تحدث عن إمكانية تحويل المقاصة الخاصة بـ(غزة) مباشرة إلى مؤسسات دولية موثوقة لتصرف على القطاع !.

2- دخول دول اقليمية على خط تعزيز الانقسام وهو ما اعتدناه على مدار السنوات السابقة وهذا مُمكن في ظل (تناوب) الخلافات بين الدول فبعد (عمار) بين مصر والسعودية بدأ الخراب بين الأخيرة وقطر وكذا الأمر مع تركيا بتشعباتها في المنطقة والأردن الذي دخل (الخط الفلسطيني) بقوّة وأصبح الأكثر تأثيرًا في الآونة الأخيرة .

3- توجه حماس إلى رد على اغتيال "فقها" وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى عدوان اسرائيلي جديد على قطاع غزة وهُنا ستكون الصورة الأكثر تكرارًا هي الأوضاع الإنسانية التي ستؤدي بشكل طبيعي إلى تبدّل الخيارات وتعديلها .

4- دخول "دحلان" على خط الوسط حيث يقف الآن على التماس منتظرًا وبمن يؤيده من أعضاء التشريعي (تقريبًا 18) يُمكن ان تتغير المعادلة نسبيًا لكنها ستكون وصفة فصل غزة نهائيًا عن الوطن .

ماذا يدور في عقل السلطة :

1- بعض الأطراف (الخشنة) تتوقع أن يقوم الشارع في غزة بالخروج على نظام الحكم في القطاع وهذا بتقديري الشخصي أمر مُستبعد للغاية . (الهباش) يُكرر ذلك يوميًا .

2- إن رفضت حماس كل الوساطات والمبادرات المطروحة وتوجهّت لتفريغ الأزمة بوجه إسرائيل عندها يُمكن طلب قوات دولية للعمل في قطاع غزة .

3- استمرار تأزم الأوضاع الانسانية سيجعل الرئيس أبو مازن يطلب قوات عربية أو دولية لمتابعة وحل الأزمات في القطاع .

4- أن تضطر حماس للرضوخ للضغط الذي بدأ وتقوم بتوقيع اتفاق جديد يضمن عمل الحكومة في قطاع غزة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وكذلك الدخول في تركيبة منظمة التحرير الجديدة .

من ينتظر الآخر ؟

حماس تقول أنها تنتظر ردودًا من فتح والأخيرة تقول أنها تنتظر رد حماس على خارطة الطريق التي أُرسلت لها عبر "فتوح وحلس" الطرفان ينتظران رد بعضهما البعض وهذا الأمر حقيقي ففتح سلّمت الرسالة وحماس ردت على الرسالة برسالة والمواطن ينتظر من سيرد على رسالة الآخر برسالة ! كمية الرسائل المُتبادلة بين الطرفين جعلت من طعم الطبخة "مسخًا" فكلا الطرفان يعلم يقينًا أنهما لن يكسرا شوكة بعضهما البعض وكلاهما يعلم يقينًا أن المزاج العام يقبل بهما معًا دون "محو" الآخر . الخطابات التحريضية والتظاهرات البهلوانية لن ينتج عنها الحلول بل ستُعمّق الخلاف فلا يوجد أي قرار يُمكن اتخاذه دون أن يُصبغ برائحة "المزاج الشخصي" فهذا ترامب يُغير سياسة دولة اجتمعت ولاياتها على نمط تفكير عملي مُستمر منذ الحرب العالمية الثانية وبقرار مزاجي منه فيضرب سوريا وهو يأكل الكيك وسيطرح مبادرته للسلام وهو يلعب الجولف !

 

الحل الأكثر إنصافًا؟

لقد دأب (رامي حمدلله) منذ تكليفه بتشكيل حكومة الوفاق الوطني على طرح المبادرات وخطوات إظهار النية الحسنة في محاولة منها لحل الإشكاليات على اختلافها بشكل تدريجي فهو على قناعة أن الحل بـ"الضربة القاضية" غير ممكن في ظل مؤسسات قائمة في قطاع غزة ومستقرة أيضًا . هذه المبادرات يُمكن إعادة تفعيلها بشكل خاص أنها طُرحت في حينه بغطاء سياسي لكن الثمن الذي طُلب يومها من حماس سيُطلب ضعفه الآن , فعندما كان القرار بالبدء بالصحة والتعليم مقابل تسليم المعابر سيكون بحُكم المُنتهي الآن في ظل البدء بخطوات الضغط عمليًا , لكن المبادرات المذكورة لا تزال قائمة وبها جدول زمني مُحدد وتفاصيل التفاصيل التي لم يأت عليها أي اتفاق تم توقيعه بين طرفي الانقسام سواء في القاهرة – الشاطيء أو الدوحة . "في العاصمة الأخيرة جاء الاتفاق على شكل بنود عامة لم تكن التفاصيل به حاضرة".

لا يُعمل عقله من يعتقد أن مشكلة الانقسام هي تمثيل سياسي فقط أو برنامج حكومة فهي أمور يُمكن الاتفاق عليها بسهولة تامة , الأكثر (صعوبة) في مشكلة الانقسام برمته هم الموظفين المُعينين من قبل حماس بعد 2007 هذا الكم الهائل من الموظفين تطلب حماس اعتماده كاملًا دون أي نقاش وهو السبب الرئيسي لاستمرار الانقسام بعد تشكيل حكومة الوفاق المُتفق عليها ببرنامجها ووزرائها .. الحلول الإبداعية مطلوبة والابتعاد عن "الحزبية" مطلوب والنزول عن الشجرة يحتاج لقرار شُجاع فلا يمكن استمرار الانقسام الى قيام الساعة ولا يمكن السماح بتثبيته واقعًا فلسطينيًا .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف