فضاء الرأي

ماراثـون "نَكبَات" لشـرق أوسـط رشيـق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هنا على مساحة الشرق الأوسط، حيث مصنع الأزمات، نحتاج دائماً إلى كاميرات بجودة عدسات عالية لنقل وتصوير حكايات الخيبات، نكبات متناسلة، صور وجوه منكسره، قوافل نساءٍ متّشحات بالسّواد، بأوجاع الرحيل، أطفالٌ وأغراض ورجالٌ وهزائم، وحدها الكاميرات تمارس إنسانيّةً ما في توثيق عبور هذه الشعوب المقهورة إلى الشّتات الذي سيّان إن كان جواراً أو ما وراء بحار هناك على الضفّة الأخرى من العالم، حيث بضاعة الأمل والسلام. 

يوم أمس دخلت نكبة فلسطين عامها التاسع والستين، مرّت بهدوءٍ وخفَرٍ مصحوبٍ بخطاب نوستاليجيّ كلاسيكي، هي الأخت الكبرى التي سبقت أخواتها في الولادة ثم كانت نكساتٌ ونكبات، النكبة السوريّة تعيش عامها السادس، والنكبة العراقيّة متواصلة وكذلك اليمنية والليبيّة وقبلها الصومالية والسودانية واللبنانيّة، ماراثون النكبات هذا يَعْدُو لمسافات طويلة ولا يبدو أن له خط نهاية في المدى المنظور. 

تُشير حدّة المواجهة وجذريّة الصراع وقساوَته بين مختلف الأطراف إلى إرتفاع في عمليّة حرق " الفائض البشري " في سياق إستمرار "ترشيق" بُنية الشرق الأوسط وصولاً إلى وقائع ديموغرافيّة جديدة يجري على أساسها ترسيم كيانات وتوازنات المنطقة لعقود مقبلة. 

واضح أن عمليات التهجير القسري والتطهير العرقي مستقرّة على رأس أجندة سياسات الدول الكبرى المؤثرة في ملفات وأحداث المنطقة، وهي تستهدف كل المكونات الإثنية والدينيّة مع فروقات نسبيّة تُحددها الظروف الموضِعيّة لكل عمليّة على حدا، أمّا إعتبار هذه النكبات الكبرى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بحسب منطوق القانون الدولي أو بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أو اتفاقيات جنيف الأربع وغيرها، فلا يلتفت لها اللاعبين الكبار إلاّ _ ربّما _ بعد حين، وفي حال دعت الضرورة وتوفّر لها توقيت سياسي مناسب. 

 ليس إكتشافاً القول بأن لعمليات وحملات التهجير القسري والتطهير العرقي أسلوب عنف يكاد يكون واحداً متشابهاً إلى حد التطابق في كل مكان وهو مستلهم من الإرهاب ضد السكان المدنيين من قبل مجموعة عرقية أو دينية مختلفة، ومن بين هذه الأساليب "القتل والتعذيب والاعتقال التعسفي والاحتجاز والإعدام خارج نطاق القضاء والاغتصاب والاعتداءات الجنسية، فضلاً عن حصار السكان المدنيين والتجويع والتهجير والترحيل بشكل قسري والهجمات العسكرية أو التهديدات بشن هجمات على المدنيين والمناطق المدنية والتدمير المتعمد للممتلكات. 

سبق أن نُفّذت سياسات الإبدال السكاني هذه في أوائل القرن الماضي إثر إتفاقية سايكس- بيكو، فالتركيبة المستحدثة في فلسطين المحتلّة وإستقدام يهود العالم إليها ما كانت لتكون إلاّ في سياق مشروع متكامل، إستوجب القيام بعمليات ترهيب مُنظّمة ليتحقق المُخطط فيما بعد على أنقاض تهجير الفلسطينيين، وفي لبنان إبان الحرب الأهليّة خاصة بين الدروز والمسيحيين جرت عمليات تهجير واسعة و متبادلة في عدّة قرى ومناطق ثم عُقدت مصالحات إلاّ أن هذا الملف كان له ندوب غائرة في نفوس السكان ولم يطو نهائياً بعد، التهجير العرقي تكّرر في يوغوسلافيا السابقة بين الصرب والكروات والبوسنيين، وتجري حالياً عمليات نزوح وتهجير في العراق بحق العرب السنّة بصورة كبيرة كما بحق الشيعة وإن بنسب أقل، وبطريقة فجّة يُطارد الأزيديين والأشوريين والكلدان وأعراق ومكونات أخرى من " الأقليات "، في سوريا يتم تنفيذ مخططات التهجير _ إستجابة لمتطلبات الأجندات الدوليّة والإقليمية ولمقتضيات الصراع _ بدءاً بأحياء حمص القديمة، ثم لاحقا في القصير و مناطق الزبداني ومضايا، وبلدات داريا وقدسيا والهامة والمعضمية في أرياف دمشق وشرقي حلب وشمالها في قريتي نبّل والزهراء. 

يُشار إلى أنّ مثل هذه الممارسات على إختلاف مسمياتها تُعتبر في بعض المدارس السياسيّة والعسكريّة شر لا بد منه وكأسٌ مرّ لا بد من تجرّعه تمهيداً لحلول سياسيّة دائمة تحمل صفة الإستقرار والإستدامة.
التغيُّرات الجيو- سياسيّة المٌعبّرة عن إتجاه عام لإعادة رسم التوازنات أطلقت العنان لكل المجموعات التي يتشكل منها الشرق الأوسط بإتجاه المطالبة وتحصيل حقوقها القوميّة والإنسانيّة والتي حُرمت من بعضها لعقود وقرون سابقة، فقد بات الآن من المستحيل تصور بقاء تركيبة المنطقة على الهيئة التي كانت عليها قبل إندلاع الأحداث. 
ولا شك أن زمن "الأحاديّة " العرقيّة والدينية قد أَفلَ في أكثر من دولة في الإقليم وبرزت دوائر نفوذ جديدة تمثلت بشكل حاسم في صعود الشيعة والأكراد، وصار العرب السنّة أمام حقيقة تقتضي التكيّف _ سلماً أو حرباً _ مع هذا الواقع الجديد. 

الخطورة أن هذا التغيير المُفترض أن يكون " طبيعي" وتحصيل حاصل في مجتمع مُعافى متصالح مع نفسه، لم يكن كذلك وما كان ليتحقق إلاّ بنزاعات مفتوحة وفاتورة دم باهظة لم تنتهي بعد، ما يضع هذه التركيبات الجديدة _ بنطر الأطراف المتضررة _ في سياق تآمري قهري ويؤسس لإنقلاب ثأري عليها والإنتقام منها في أي فرصة لاحقة !

تدفع جميع "شعوب " الشرق الأوسط ثمناً غالياً لفشل تجربة التعايش وضمور التنوير والإستهتار بقيم التسامح وضعف ملاءة قبول الغير، وما يجري على الأرض من مشاهد مُحبطة لأشلاء ضحايا وقطع رؤوس ومجازر وتطهير عرقي وقوافل بشريّة مهجّرة تجّر خلفها ذيول خيبة مجتمعات هشّة وأوطان مذبوحة ما هو إلاّ إنعكاس فضّ لحقيقة العلاقات المضطربة بين مكونات هذه المنطقة بعضها ببعض وعدم إقتناع الأغلبية بمفهوم المواطنيّة وإستشراس النزعات الإنفصاليّة والقلق والتقوقع ضمن الهويات الصغرى.

وقْف ماراثون النّكبات في المنطقة يحتاج لقوى وازنة ذات رؤية عادلة، مؤمنة بالشراكة، تكون مالكة لزمام المبادرة، صانعه لقرارها، قادرة على التأثير في الرأي العام، وتستوجب مَهمّة كهذه تلاقحاً حضارياً يمهّد الطريق _ إن تمّ_ لولادة ذلك الشرق الأوسط المعلوم المجهول الذي نعيش إرهاصاته اليوم. 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
من سيء لأسوأ للأسف
بهجات سعيد -

يحاول السيد الكاتب بطريقته أن يلطف صورة الوضع ، لكن كل هذه الحروب والموت والنكبات والهزائم الكبرى لم تترك مكانا لأي تفاؤل بمستقبل مستقر للمنطقة العربية فالوضع يسير من سيء لأسوأ وكلما رجعنا إلى الوراء نجد أن ما كان أفضل بكثير من ما يجري حاليا

حكامنا عملاء للغرب
وليد عبود -

كيف لا تكون نكبات وحكامنا عملاء للغرب الذي جاء واستعمرنا وسرق ثروات منطقتنا وما يزال يسرقنا ومزق مجتمعاتنا وشجع على الفتنه تحت شعار فرق تسد فمن مصلحته أن نبقى ضعفاء

قراءة عقلانية جدا
غسان -

أكون سعيدا عندما أتابع مقالات الأستاذ علي عدنان عميص ، فنحن في هذه المنطقة نوفر على أنفسنا الكثير إذا أعتمدنا خطابا عقلانيا راقيا وحاولنا فهم لغة العصر وشجعنا أنفسنا وأجيالنا على ممارسة التسامح والمحبة فنكون بذلك قد بذرنا الإيجابية في تربة هذا الشرق

نظرية المؤامرة
فول على طول -

يقول الكاتب : واضح أن عمليات التهجير القسري والتطهير العرقي مستقرّة على رأس أجندة سياسات الدول الكبرى المؤثرة في ملفات وأحداث المنطقة، وهي تستهدف كل المكونات الإثنية والدينيّة مع فروقات نسبيّة تُحددها الظروف الموضِعيّة لكل عمليّة على حدا، ..انتهى الاقتباس . واضح أن نظرية المؤامرة هى مرض أصاب ويصيب كل أبناء خير أمة ..ولك نكن ننتظر ذلك من السيد الكاتب . سيدنا الكاتب عمليات الارهاب والتحريض والقتل والتهجير هى من أساس عقيدة خير الأديان ..والذى ينفذ تعاليم هذة العقيدة هم أهل خير أمة ..اما عن سايكس - بيكو أو وعد بلفور الخ الخ ...فهذة أضغاث أحلام تهربون من واقعكم . قيل لكم ولن ترضى عنكم اليهود ولا النصارى وأنتم تصدقون هذة التعاليم المقدسة وفى الحقيقة أنتم تسقطون ما عندكم على الأخرين . داعش والتهجير والقتل الخ الخ هى تعاليمكم وأبناؤكم وأحفادكم وشيوخكم ونصوصكم ...انتهى . نطلب لكم الشفاء من الشعوذة قادر يا كريم .

رد على تعليق رقم 4
غسان -

سيد فول على طول ، لا أنطق بإسم الكاتب لكن أحسب أنه يقصد من الكلام الذي إقتبسته أن الدول النافذه تستفيد من ما يجري من نكبات على الأرض لخدمة مصالحها وأجنداتها وهذا أمر طبيعي جدا في السياسه وليس ضمن نظرية المؤامرة كما تقول ... أما كلامك عن الذين آمنوا فهذا شأنك معهم

ردا على السيد غسان
فول على طول -

أنا لم أتوجة لسيادتكم بأى كلام فى تعليقى السابق - التعليق موجود - وأنا لا أجامل أحدا ولو كنت قصدتك فى تعليقى كنت قلت ذلك صراحة وتحديدا بالأسم ورقم التعليق كما هى عادتى دائما ...والحقيقة تعليقكم السابق رقم 3 تعليق جميل بالفعل وواقعى بالفعل ويستحق الثناء .

ام النكبات
خوليو -

لو بحثنا بتجرد عن مصدر هذه النكبات لوجدنا ان أمها جاءت لهذه البلاد بغزوة كبيرة حاملة معها مشاكلها من بلد المنشأ ،،هذه المشاكل تستند على قاعدتين ،،الاولى صراع دموي على السلطة يسمونها خلافة وهذه لاتزال فعالة ليومنا هذا،، ولتنفيذ مآربها تعتمد على الذبح والترحيل كما فعلت في بلدها الأصلي ولاتزال متمسكة بهذه الأفعال فاين الغرابة ؟ والقاعدة الثانية هي تهميش الاخر وهذا التهميش أخذ اتجاهين الاتجاه الاول تجميد فعاليات نصف المجتمع وحصر نشاطه في خدمة الذكور الفحول وبذلك عطلوا قوى هامة في عملية الانتاج ،،والاتجاه الثاني تهميش الاخر الذي لا يركع خمسة مرات في اليوم ومنعه من المشاركة في تسيير عملية التقدم والتطور الفني والإبداعي ان خرج عن داءرة حرامهم وحلالهم الآتي من تخوم المجتمع الصحراوي ،،حصروا العلم ضمن إطار ما يفهمونه من العلم ،،وحاصروا الحرية الا من ما يفهمونه منها ،،ان سالت احدهم ما هي الحرية يات الجواب بانهم تحرروا من عبادة الأصنام لعبادة رب العباد وأحياناً يسمونه رب العالمين ،،وهكذا،، وبهذه المفاهيم الضيقة حكموا البلاد دون إهمال صراعهم الدموي على الحكم ،،هذا الوضع يراه كل من له مصلحة في بقاء التخلف والانقسامات في هذه المنطقةفيدعمه من اجل ان يبقى الوضع كما هو ،، بل وتسوء الحالة نظراً للتغيرات الكبيرة العلمية والاجتماعية التي تحصل في مناطق اخرى من العالم،، بينما تبقى المنطقة ترزح تحت تلك التعاليم الفاقدة للصلاحية ،،والأنكى من ذلك انهم لايرون فقدانها هذا ويعاودون اجترارها مرك تلوا الاخرى حتى ان الكثيرين بداوا الان يشككون في مستوى الذكاء الفردي والجماعي لشعوب تلك المنطقة،، وإلا كيف نفسر ازاحة ديكتاتور من الحكم حكم بموجب تلك الشريعة ليأت بعده حكام يعتمدون على نفس ذلك الشرع،،مثل الذي يقطع نهر في زورق مثقوب أوشك على الغرق في الرحلة وعند العودة يركب نفس الزورق .

يا روح ما بعدك روح
رياض -

يرحل الناس من هذه الحروب العمياء بحثا عن الأمان ولقمة العيش التي غالبا ما لا يجدونها في بلادهم وحسنا يفعلون فلا سبب يدعوهم للبقاء بل أن بقاءهم أشبه بإنتحار فهم عرضة بأي لحظة للموت الرخيص ولماذا يبقون تحت رحمة همج يستبيحون دماءهم لأتفه الأسباب ، الذي ينجو من محرقة الحروب هو المنتصر لنفسه وعائلاته وكل الباقي هراء بهراء

شعر النكبة
طيفور -

كثير من الأشعار تعبر عن الوجدان العربي في موضوع النكبة ..* محمزد درويش قال : أيها المارون بين الكلمات العابرةاحملوا أسماءكم، وانصرفواواسرقوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرةوخذوا ما شئتم من صور ، كي تعرفواأنكم لن تعرفواكيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء __________________ * قال نزار قباني في«ثلاثية أطفال الحجارة» عن الإنتفاضه : يا تلاميذ غزةلا تعودوالكتاباتنا ولا تقرأونانحن آباؤكمفلا تشبهونانحن أصنامكمفلا تعبدونانتعاطىالقات السياسيوالقمعونبني مقابراًوسجوناحررونامن عقدة الخوف فيناواطردوامن رؤوسنا الأفيوناعلمونافن التشبث بالأرضولا تتركواالمسيح حزينايا أحباءنا الصغارسلاماًجعل الله يومكمياسمينامن شقوق الأرض الخرابطلعتموزرعتم جراحنانسرينا _____________________ * الشاعر المصري الكبير الراحل أمل دنقل قال :لا تصالح على الدم .... حتى بدملا تصالح ولو قيل رأ س برأسأكل الرؤوس سواء ؟أقلب الغريب كقلب أخيك ؟أعيناه عينا أخيك ؟وهل تساوى يد ... سيفها كان لكبيد سيفها أثكلك ؟