كتَّاب إيلاف

السوري فرنسيس مراش ودوره الريادي في التنوير

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

رغم الدور الكبير الذي لعبه في حركة التنوير العربية التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ظل السوري فرنسيس مراش شبه مجهول مقارنة بمعاصريه من أمثال مواطنه عبد الرحمان الكواكبي، والمصري رفعت الطهطاوي.

وينتمي فرنسيس مراش المولود في مدينة حلب السورية يوم 29 حزيران-يونيو1836،والمتوفي عام1874 إلى عائلة اشتهرت بحب العلم والمعرفة،وكان لها بحسب الأب لويس شيخو صاحب كتاب"الآداب العربية" في القرن التاسع عشر" «كيان لغوي ظاهر،لا يقل عن عائلات اليازجي، والبستاني، والشدياق". ويضيف الأدب لويس شيخو قائلا بإن عائلة مراش "يتقدمون في حلب أهل نحلتهم في رفع منار تلك اللغة".

ويشير كتاب سيرته إلى أنّ فرنسيس مراش أصيب هو في الرابعة من عمره بمرض الحصبة.ولأنه لم ينعم بالأدوية اللازمة،والمعالجة الطبية المناسبة، فإن هذا المرض أوْهن جسده، وعرّضه لمرض في عينيه تحول في السنوات الأخيرة من حياته إلى عمى تام. ولعل المرض،وضعف الجسد جعله يحس منذ بداية مسيرته الأدبية بوجع روحي لا يختلف كثيرا عن وجع الرومانسيين الغربيين،وبتشاؤم لازمه في حياته كما في جلّ كتاباته التي توزعت على نواح وأشكال مختلفة. ولم ينتسب فرنسيس مراش إلى مدرسة نظامية، بل استعان في دراسته بوالده وبأساتذة مختصين من عرب وأجانب. ومن المؤكد أنه إستفاد أيضا وهو طفل، ثم مراهق، من الجو العلمي والأدبي الذي كان سائدا في حلب في تلك الفترة . وفي سيرته الأدبية التي حملت عنوان"رحلة باريس"، هو يشير إلى أنه جرب كتابة الشعر ،لكنه إنصرف عنه ل"كساد سوق الشعر، ومقت العامة له، واحتسابه سقطَ متاع جهلا بشرفه". وربا لهذا السبب إنصرف فرنسيس مراش إلى تعلم اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإيطالية ،معتمدا في ذلك على أساتذة أوروبيين.وفي سنوات شبابه،إنجذب إلى تعلم العلوم العصرية المتمثلة في العلوم الإجتماعية، والطبيعية، وأيضا في التاريخ،وفي الفلسفة،واللاهوت. وقد ساعده كل هذا على إدراك الأحوال والأوضاع المزرية التي كا ن عليها العرب في تلك الفترة حيث كان الجهل باسطا نفوذه ،وحيث كان الإستبداد عاما وشاملا.لذلك كان أهل العلم والمعرفة يعيشون مُحتقرين ومهانين ومغضوبا عليهم لا من أهل السلطة والنفوذ فحسب، بل أيضا من عامة الشعب.

وفي صيف عام 1866، ترك فرنسيس مراش حلب ،ومضى إلى باريس .وفي طريقه إليها،توقف في مدن مختلفة مثل بيروت التي بدت له في شرق يلفه ظلم الجهل"مبزغا لكلّ نور يلوح".وفي باربس، أقام سنتين لدراسة الطب. ولم تصرفه الدراسة عن اللهو في مدينة الأنوار،وفي حيها اللاتيني.ومفتونا بالحسان الشقراوات، عاد إلى الشعر ليكتب قصيدة غزلية .

ويشير كتاب سيرته،إلى أن فرنسيس مراش عاد إلى حلب وهو كفيف البصر.مع ذلك، إنصرف إلى التأليف، مدافعا عن أفكار التنوير والتقدم والرقي التي كانت قد تسللت إلى النخب في المدن العربية الكبيرة مثل القاهرة، وبيروت، ودمشق،وحلب أيضا حيث كانت حلقات الأدب والفكر تنشط، وتطرح قضايا مهمة في جميع المجالات. وكان فرنسيس مراش يتردد على تلك الحلقات ليلتقي بحلبيين نابهين مثله، يطمحون إلى التغيير، وإلى مسايرة حضارة العصر التي هي الحضارة الأوروبية ، وبشعراء ولغويين امتدت شهرتهم إلى جبل لبنان.وفي تلك الفترة ، عاشت حلب أحداثا اجتماعية وسياسية خطيرة لم يغفر فرنسيس مراش عن ذكرها والأشارة إليها.

ومثلما أشرنا إلى ذلك، جرّب فرنسيس مراش أساليب كتاببية مختلفة. فقد كتب الشعر الموزون، وشيئا شبيها بقصيدة النثر، والمقال الصحفي، والحكاية، والسيرة الذاتية كما هو حاله في"رحلة باريس". وفي كل مؤلفاته، هو يبدو متأثرا إلى حد كبير بفلسفة الأنوار الذين تأثر بهم أيضا جل مفكري حركة النهضة.ولعله تأثر أيضا بنظرية النشوء والإرتقاء عند داروين. ولا تخلو مؤلفاته من"إحالات فلسفية ،ودينية، وسياسية، وعلمية لا سيّما في الكيمياء والضوء". وفي كتابه"المرآة الصفية"، يشير فرنسيس مراش إلى أنه "إختطف مؤلفاته من مطولات العلماء العظام".

وفي" رحلة باريس" ، ببدو تأثير كتاب «هواجس المتنزه المنفرد بنفسه» الذي وصف فيه جان جاك روسو أوضاعه وحالاته النفسية في السنوات الأخيرة من حياته،واضحا على فرنسيس مراش.فهو يكتب مثلا: صرت أخلو بنفسي"،و"أوعز لي ضميري"، و"انفردت مساء إلى جهة في تلك البرية الساكنة ،وجلست على صخرة مضطجعة في حضن الوحدة، وأخذت أتأمل الفلاة الحزينة...». أما في "درّ الصدف في غرائب الصدفّ ، فيبدو فرنسيس مراش متأثرا إلى حد ما ببعض المؤلفات لقصصية الأوروبية ،وتحديدا ب"هيلويز الجديدة" لجان جاك روسو. وفي هذه الحكاية الطويلة التي لا تخلو بنيتها من بعض الخصائص الروائية، هو يروي قصة حب شرقيه تتداخل فيها الأحداث، تختلط، وتتشابك كما هو الحال في قصص "ألف ليلة وليلة" . وبدايتها مشوقة حيث كتب فرنسيس مراش يقول:» لا بد وأن يطرب الإنسان أحيانا إلى العزلة ،كما أنه يطرب احيانا إلى الصحبة.أمّا الحالة الأولى فيغلب أن تتأتى عن بلبال البال وانقباض النفس.وأما الحالة الثانية فهي تتأتى كثيرا من خلوّ الفكر وانبساط الروح»...

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف