قراءة في الانتخابات التركية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تمكن الرئيس "رجب طيب أردوغان" من الفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي اعتبرت من قبل المحللين السياسيين بمثابة منعطفا مفصليا في الحياة السياسية للأتراك. فقد تمكن "أردوغان" من الحصول على أصوات نحو 52.7% من الناخبين الأتراك، في انتخابات بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 87%، وفقا لما أعلنته وكالات الأنباء.
خاض "أردوغان" هذه الانتخابات طالبا حصر معظم السلطات التنفيذية بين يديه ومنحه صلاحيات غير مسبوقة في النظام السياسي الذي أقره الناخبون الأتراك في تعديلات دستورية وافقوا عليها في استفتاء جرى في شهر أبريل من العام الماضي. وضمت تلك التعديلات إلغاء منصب رئيس الوزراء وتعيين الرئيس لكبار المسؤولين من وزراء ونواب للرئيس ومنحه حق التدخل في النظام القانوني للبلاد وفرض حالة الطوارئ. وبهذه النتيجة حصل "أردوغان" على تفويض سياسي من الشعب التركي لتغيير ملامح النظام السياسي في البلاد لأول مرة منذ قيام الجمهورية التركية على يد "مصطفى كمال أتاتورك" قبل أكثر من تسعين عاما.
قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في عام 2002م، تدخل الجيش التركي في السياسية أكثر من مرة عبر الانقلابات العسكرية وتشكيل حكومات تخضع لسيطرته، وقد تمكن "أردوغان" مستندا الى شعبيته القوية من توجيه ضربة قوية للمؤسسة العسكرية في عام 2013م عندما تمت إدانة ضباط بارزين بالتآمر للإطاحة بحزب "العدالة والتنمية" من بينهم 17 شخصا سجنوا في ما عُرف إعلاميا بقضية "إرغينيكون" لكن جرى الإفراج عنهم لاحقا من قبل القضاء وتمت تبرئتهم من التهم الموجهة لهم.
ومن أصعب وأخطر اللحظات التي واجهت "أردوغان" خلال مسيرته السياسية والشخصية ما حدث في 15 يوليو من عام 2016م حينما قام عدد من الضباط بمحاولة انقلاب عسكري فاشل كادت تودي بحياته، إذ هاجم عدد من جنود الكوماندوس المتمردين الفندق الذي كان يقيم فيه بعد وقت قصير جدا من مغادرته بهدف اغتياله. استغل "أردوغان" تلك المحاولة الفاشلة لتشديد قبضته على السلطة، فأعلن حالة الطوارئ في البلاد التي لا تزال سارية حتى الوقت الحاضر، وقام بطرد واعتقال أكثر من 200 ألف شخص بتهم مختلفة، بينهم آلاف الأكاديميين والقضاة واليساريين والصحفيين والضباط والمعارضين.
ويرجع نجاح "أردوغان" سياسيا على مدار السنوات الماضية واستمراره في السلطة إلى الاستقرار الاقتصادي الذي حققه حيث كان متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي قد وصل إلى 4.5 في المئة سنويا. كما تحولت تركيا في عهده إلى مركز صناعي ودولة مهمة في المجالين السياسي والاقتصادي. بعد تمكنه من حسم أمر الانتخابات في الجولة الأولى لصالحه، سيتمكن "أردوغان" مدعوما في البرلمان بأغلبية من نواب حزبه "العدالة والتنمية" وحليفه "الحركة القومية" في توطيد أركان النظام الرئاسي الجديد.
ورغم نجاح "أردوغان" المتواضع وحصول حزبه (العدالة والتنمية) على أغلبية مقاعد البرلمان، تظل تركيا منقسمه على نفسها، وتعانى من حدة الاستقطاب حيث يتوقع أكثر من 40% من سكانها أن تسوء الأحوال بسبب نزعة "أردوغان" المتزايدة للديكتاتورية، وتتزايد فيها المخاوف من عودة الإرهاب إلى شوارع المدن التركية بسبب عداء "أردوغان" للأكراد وإصراره على تصنيفهم كجماعة إرهابية، فضلا عن سوء الموقف الاقتصادي في الوقت الراهن، وسوء العلاقات مع دول الغرب الذين يعتبرونه حاكما ديكتاتوريا يهدد الديمقراطية التركية، ويرون أن بقاءه في الحكم سوف يشكل بكل المقاييس كارثة كبيرة يدفع ثمنها الشعب التركي. ستمكن السلطات التنفيذية الواسعة التي حصل عليها "أردوغان" من تغيير المشهد السياسي التركي لسنوات وربما لعقود مقبلة، إذ انه ربما يبقى في الرئاسة حتى عام 2028م إذا فاز في الانتخابات القادمة بعد خمس سنوات من الآن.
كل ما ذكرته أعلاه له علاقة بالشأن التركي، والشعب التركي اعلم بمصلحته. ما يهمني كمواطن عربي هو ان "أردوغان" يعتقد ان إرث "العثمانيين" يعطي الدولة التركية حقا تاريخيا في الهيمنة الإقليمية وتمثيل العالم الإسلامي في مواجهة الغرب، وعليه يعتبر ان تدخله في شؤون الدول العربية ونشره قوات عسكرية في سوريا والعراق ودعمه للتنظيمات الدينية المتطرفة في الدول العربية ضمن تجليات "السياسة الإمبراطورية" التي تدعم رؤيته للدور التركي في الشرق الأوسط. وفي أكثر من مناسبة، انتقد "أردوغان" معاهدة لوزان الموقعة في 24 يوليو 1923م حيث يعتقد ان هذه المعاهدة انتقصت من حقوق تركيا الجغرافية.
منذ انتفاضات الربيع العربي، انتهج "أردوغان" سياسات النفوذ والتوسع الإقليمي من خلال التدخل المستمر في شئون الدول العربية، حيث لا تخلو خطاباته السياسية من طرح رؤى حول السياسات الداخلية لدول الجوار تعد بمثابة انتهاك لسيادة هذه الدول. ولا يقتصر هذا التدخل على الخطابات السياسية، إذ قامت تركيا بدعم التيارات الدينية المتطرفة في عدد كبير من دول المنطقة، ووفرت لهم المأوى والاستضافة والدعم المالي والمنصات الإعلامية التي تروج لأفكارهم. تركيا في الوقت الحاضر متدخلة عسكريا بشكل مباشر في سوريا والعراق.