قراءات

وليم بتلر ييتس: المجيء الثاني

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&المجيء الثاني يراد به، في المسيحية، "الظهور الشامل الساطع لملكوت الله بظهور مسيحه"، لكي يحقق الملكوت على الأرض. لكن هنا في الرؤيا الييتسيّة، لا يتحقق مجيء المسيح وإنما قيامة "الوحش".&

&

هنا ترجمة حِرَفيّة لإحدى قصائد القرن العشرين الكبرى التي كتبها شاعر بريطانيا الايرلندي وليم بتلر ييتس (1865-1939) الكبرى؛ حِرَفيّة أعني بها ترجمة يُبذلُ فيها جهد كبير وعودة إلى المسودات الأولى، وإلى شروح المختصين (وقد استفدنا هنا من عشرة تحليلات)، حتّى ننتبه، مثلا، إلى أن the center يجب أن تترجم بـ"الوسط" وليس بـ"المركز"، فالقصد هنا سياسي بحت، يشير من خلاله للكلمة إلى موقف ييتس ضد التطرّف. ففي المسودة الأولى ذكر غزو المانيا لروسيا. ومن المعروف أن ييتس كان ضد القوميين الايرلنديين المتطرفين، وضد الماركسية وخاصة لينين والبلشفية. كما أن كلمة mere لا تعني هنا "مجرد" وإنما "صرْف أو شاملة". ووفقا للمسودات، نجد أن ييتس استبدل بعض الكلمات إما لسبب وزنة؛ استبدال Hawk بـ Falcon (الصقر)، أو لخلق صور إيحائية، ليبتعد عن الصور المباشرة. فبدلeye (العين) بـ gaze &(حملقة، تحديق)، وFeet بـthighs &(أفخاذ). لقد حذف عشرات الأبيات وأعاد كتابة ما تبقى ليخرج بهذه النسخة النهائية التي نشرت في تشرين الثاني 1920، أي بعد مرور ما يقارب عامين على نظمها تعبيرا عن اشمئزازه من فظاعات الحرب العالمية الأولى، وستصبح رؤياه نبوئيّة إذا نظرنا إليها من زاوية ما حصل في الحرب العالمية الثانية. Spiritus Mundi & (روح العالم) مصطلح كان ييتس أوّلَ شاعر يستخدمه، ويقصد به خِزانة كونية لصُور لم تعد مُلكَ هذا الشخص أو تلك الروح، بل باتت في متناول كلّ الشعراء عبر التاريخ. Revelation تشير، هنا، إلى رؤيا يوحنا، وتعني أيضا أننا على وشك أن نُبلَّغ. " شكلٌ له جِسمُ أسدٍ، ورأسُ إنسان"، لا يقصد ييتس به "الاسْفِنْكِس" الإغريقية ابنة تيفون الأنثى، وإنما المقصود هو "أبو الهول" المصري الذكر؛ وحش خرافي جسمه لأسد دلالة على القوّة، ورأسه لإنسان دلالة على الذكاء. "طيور الصحراء" التي لا نعرف سبب سخطها، هي الغربان التي ما إن تشعر أن موتاً وشيكٌ حتّى تحوم بشكل دائري. المهد cradle، هنا، إشارة إلى (المَعْلَف) الذي ولد فيه المسيح قبل عشرين قرنا. لا يوجد مهد (مَعلَف) هزازrocking cradle. &ربما ثمّة حيوانات تتدافع حول المهد، محدثة هذا الضجيج؛ لكن مجازيا تعني الاضطرابات الاجتماعية، ولذا فضلت أن أترجم العبارة بـ "هزيزُ مهدٍ". كما أن ييتس لا يقول لنا أن الطفل الذي ننتظر مجيئه الثاني، استيقظ، وإنما أبقاه نائما تحت سطوة الكوابيس. وبإضافة To إلى vex بات الفعل مركباً، ليؤدي معنيين: يغيظ (أو يهيّج) وفي الوقت ذاته يحوّل. والترجمة الحرفية لـ vexed to nightmares: "أغاظها إغاظة مفضية بها إلى كوابيس". فالمسيح لم يأتِ ليحقّق الملكوت، والهزيز الاجتماعي لم يؤد إلى سلام، وهذه نظرة دوريّة تفيد أن أحداث التاريخ تتكَرَّر في دورةٍ كاملة ومداها الزمني عند ييتس، عشرون قرنا. Gyre المستعملة في البيت الأول، حركة دوّامية تنطلق من موقعها الأصلي وتتسع تدريجيا في لولب. ولدى ييتس تشير إلى عالم يدوّم صاعدا إلى الخارج بحيث لا يعود يقوى على تذكّر أصله. بدل: "والظلام يخيّم"، فضلتُ "والظلام ينسدلُ"، ليس لإبراز المضمر المسرحي فحسب وإنما لتبيان الدلالة المقصودة هنا: اختتام الرؤيا. فييتس يقدم لنا نفسه، طوال هذه القصيدة، كشاعر رؤيوي؛ شاعرٍ عاين أموراً ليس من العادة أن تُدرَك. ولذلك استدرك مباشرة بعد انسدال الظلمة بـ" لكن بدأتُ أدرك الآن". أي أن الرؤيا تمّت ونحجبت عنه!

&

&

&

المجيء الثاني

&

دائراً ودائراً في لَولَبٍ مُتوسّعٍ

&

الصقْرُ لم يعد يسمع الصقّار.

&

كلُّ شيء ينهارُ، الوَسَط لا يقوى على التماسك؛

&

فوضى صِرْفٌ سُرّحَت على العالم،&

&

مدٌّ من الدم القاتم سُيّبَ، وفي كلّ مكان

&

شعائرُ البراءة غرقَت؛

&

الأفضلُ يعوزه الإيمان بينما الأسوأُ

&

مشحونٌ بحدّة حماسيّة.

&

&

أكيدٌ أنّ كشْفةَ غيبٍ وشيكةٌ

&

أكيدٌ أنّ المجيء الثاني يقتربُ.

&

المجيءُ الثاني! وما كادت هذه الكلمات تُلفَظ،

&

حتّى صورة جسيمة، خارجةً من (أعماق) رُوحِ العالم

&

أخذتْ تشوّش بصري؛ في مكان ما على رمال الصّحراء&

&

شكلٌ له جِسمُ أسدٍ، ورأسُ إنسان،

&

وحَمْلقة فارغةٌ من أي تعبير، وكالشّمس بلا شفقة،

&

يُحرّك فَخِذَيه البطيئتين، في حين، حواليه، تدور&

&

ظلالُ طيورِ الصّحراء الغاضبة.

&

الظلام ينسدل ثانيةً، لكن بدأتُ أدرك الآنَ

&

أنّ عشرين قرناً من النَّومِ الحجَري

&

هيّجها هزيزُ مهدٍ إلى كابوس،&

&

أيُّ وحشٍ شَرِسٍ، حانت أخيراً ساعةُ انبعاثِه،

&

يمشي مُتهدّلاً نحو "بيت لحم" لكي يولد

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف