داحس إبسوس وغبراء الصحف السعودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا تزال أصداء إحصاء إبسوس، وتصنيفه الصحف السعودية بحسب مقروئيتها في مناطق المملكة، تتردّد في عالم الصحافة السعودية. ففيما ترتاح عكاظ لريادتها، وتعترض الحياة على التفرقة بين طبعاتها، تتراشق الرياض والجزيرة بين مشكك بإبسوس ومدافع عنه.
بيروت: استعرت حرب الاحصاءات أكثر فأكثر بين الصحف الورقية السعودية، بعدما رفعت جريدة الجزيرة السعودية راية النصر على نظيراتها، ناشرةً نتائج إحصاء أجرته شركة إبسوس للبحوث والإحصاء، صنف الصحف السعودية في مرتبات بحسب نسبة توزيعها في السعودية، وعلى مستوى المناطق، واضعًا الجزيرة في المرتبة الأولى في المنطقة الوسطى تليها الرياض، والثالثة على مستوى المملكة.
من يدفع أكثر؟
أتى رد جريدة الرياض مدويًا باتخاذها موقف النأي بالنفس عن المهاترات الاحصائية هذه، "وهي العارفة موقعها في السوق السعودية... فتدللت"، كما يقول إدوار مونين، المدير التنفيذي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومدير فرع لبنان في إبسوس. هذا الرد الذي تمسّك به رئيس تحرير الرياض تركي السديري موقفًا رسميًا للصحيفة عن كل ما يقال.
فبحسب الرياض، لا رقابة على الإحصاءات واستطلاعات الرأي، تصفها أحيانًا باستطلاعات "حسب الطلب" أو "ادفع نعطيك تميزًا"، متهمةً الاحصاءات بممارسة الكذب والدجل والزيف، "تجعل من العمل الرديء والبليد عملًا متميزًا إبداعيًا خلاقًا، وتحيل فضاء الشوك إلى مرج ورود، وتقدم التدني في مستوى الصناعة الإعلامية والفكرية والثقافية والتنويرية وما يدخل في صياغة العقل ومنتج التنمية البشرية، تقدم هذا التدني والخلل كحالة إبهار وإعجاز".
لكن الرياض تعتمد على الوعي والثقافة والقدرة على التقويم التي يتمتع بها القارئ العربي، لذا يرى في هذه الاحصاءات "محاولة تسطيح وتجهيل لجمهور شكّل وعيه، وصاغ ثقافته في أرقى الجامعات، وليس في حلقات الكتاتيب"، واصفةً من يجري هذه الاحصاءات بالدكاكين "التي تتناقض نتائجها في شكل كبير، يظهر معه ارتباط هذه الشركة أو تلك المؤسسة بمن يدفع، ويشترك معها في السلوك التضليلي في زمن تعتبر ثقافة الإحصاء غائبة، وتنتج رقمًا خاطئًا مضللًا كاذبًا يتماهى مع منطق الدجالين والحواة والمشعوذين".
لا للتشكيك
لا يردّ مونين على "هذا التجريح من جريدة تعتبرها إبسوس رائدة في المنطقة الوسطى في السعودية، بل في المملكة كلها، إذ اعتبره "فشة خلق" لا أكثر، إذ لم تأتِ النتائج بما يروق لها، لكن ذلك لا ينفي اعتمادها هي نفسها في الكثير من الأحيان على نتائج إحصاءات قامت بها إبسوس، وهذا مثبت في موقعها الإلكتروني".
لكن مونين يرفض قاطعًا لهجة التشكيك في مصداقية البيانات التي تنتجها، راميًا كرة الالتباس في ملعب الصحف السعودية نفسها، "التي جمعت الأرقام وصنفتها على هواها خصوصًا في جمع مناطق مع أخرى".
ويوافقه في هذا الرأي رامز شحادة، الشريك في شركة بووز أند كو الاستشارية، ويطالب الصحف السعودية جميعًا، وفي مقدمها الرياض، "بقراءة النتائج بهدوء وروية، بعد الاطلاع الفعلي على المعايير المعتمدة في هذه الاحصائيات وطريقة جمع البيانات المرفقة بالمسح".
يضيف مونين: "اعتمدت إبسوس معيار المقروئية لا التوزيع، فالقارئ قد يشتري الصحيفة، أو يحصل عليها مجانًا بأي طريقة من الطرق، أو قد يقرأها عند جاره مثلًا، من دون أن يشتريها حكمًا، وبالتالي نسبة المقروئية مختلفة تمامًا عن نسبة التوزيع أو البيع، وهذا هو اللبس الذي وقعت فيه الجزيرة والرياض وغيرهما".
لا نلزم أحدًا
يقول شحادة إن الاختلاف على الاحصاءات أمر عادي، ويحصل دائمًا، إذ قلة من الشركات والمؤسسات "تعترف بالخسارة وترى في أرقامها المنخفضة دافعًا للتقدم، لكن هذا الاختلاف لا يبرر توجيه الاتهامات بالتشكيك، إلا إذا قدم طرف دليلًا على صحة تشكيكه، وهذا ما لا تستطيعه الرياض اليوم، طالما هي نفسها اعتمدت سابقًا على إبسوس نفسها".
ويؤكد مونين أن مصداقية إبسوس فوق أي تشكيك، "لأنها تنتج دراسات وإحصاءات وفق علمية، بينما يخطئ من يقرأها، ويعمد إلى التشكيك عندما لا تناسب هواه، فاستطلاعات الرأي التي نجريها معتمدة من شركات إعلام وإعلان كثيرة، في لبنان والمنطقة والعالم، وإلا لما اعتمدتنا الرياض سابقًا كمصدر لاستطلاعات الرأي، ولا غيرها من الصحف السعودية".
وينفي مونين أن تأتي هذه الدراسات "بتكليف من أحد، فإبسوس تجري أبحاثًا واستطلاعات رأي دورية، لا يلزمها بها أحد، ولا تلزم بها أحد، يشتريها من يريد شراءها، لذا لسنا بوارد أن نفصّل أي دراسة على قياس مؤسسة إعلامية، ولا يمكن اتهامنا بأننا نعمل لصالح مؤسسة دون غيرها".
وأتى هذا النفي في معرض الرد، لمرة واحدة كما يقول، على كل الاتهامات التي سيقت ضد الشركة، لأنها أتت من مؤسسات لم تناسبها الاحصاءات، بينما ثمة مؤسسات إعلامية كثيرة أتت الاحصاءات في صالحها "ولم تكلف نفسها طلب ولو نسخة واحدة من هذه الأبحاث".
سابقة جريئة
لم يتوقف الرد على ما أتت به جريدة الرياض عند إبسوس، إذ آثرت صحيفة الجزيرة، في مقال نشرته في عدد أمس الثلاثاء، ألا تلوم "الرياض" على ردة فعلها، ونصحتها أن تواجه النتائج التي أتت في غير صالحها "بشيء من الشجاعة بقبول هذه النتائج مع التصميم على المبادرة الفورية للبدء في معالجة أي قصور إن وجد، غير أن بيان الزميلة الرياض فضّل أن يكون في موقف المدافع وأن يختار القاعدة الرياضية التي تقول إن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، لهذا فقد هاجم بيانها الجميع بأسلوب افتقد للموضوعية والحقائق والهدوء".
لم يزد فهد العجلان، نائب رئيس تحرير الجزيرة، كثيرًا على هذا الرد المكتوب، وقال لـ "إيلاف" إن الجزيرة والرياض طرحتا الموضوع، كل من وجهة نظرها، وبالتفصيل، وعلى القارئ أن يكون هو الحكم، "خصوصًا أن الرياض نفسها احتكمت أيضًا لوعي هذا القارئ".
أضاف: "بحسب ما نعلم، الدراسات والاحصاءات التي تقوم بها إبسوس موثوقة جدًا، وإلا ما كانت الرياض نفسها اعتمدتها وما زالت، بدليل ورود جملة (بحسب الإحصاءات الصادرة من شركة إبسوس للأبحاث لعام 2010) الموجودة حتى اللحظة في صفحة الرياض الخاصة بالمعلومات، فإن كانت غير وثيقة، كيف للرياض أن تنشر أبحاثًا عنها؟ أرى أن ذلك ينم عن إساءة للقارئ الذي تحتكم إليه الجريدة، خصوصًا أنها أوردت مطاعن على هذه الشركة الاحصائية من وسائل الإعلام اللبنانية يعرف الجميع أنها تحل في أسفل سلم الترتيب في لبنان".
ويثير العجلان أمرًا لم يتنبه إليه أحد وسط هذه المعمعة، إذ يقول إن الجزيرة سبقت إبسوس في توطيد مكانتها ومقروئيتها العالية، إذ تعلن على صدر صفحتها الأولى أرقام توزيع عدد اليوم السابق وأرقام المرتجع، في سابقة لم تتجرأ عليها أي من الصحف السعودية من قبل.
يضيف: "مصدر هذه الأرقام الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع، وهي شركة لكل الصحف حصص فيها، بما فيها الرياض، الممثلة في مجلس إدارتها بمدير مؤسسة اليمامة، ونعرف أن هذه الأرقام مدققة من الرياض نفسها وإلا كانت اعترضت عليها".
من يملك أرقامًا أخرى فليتقدم!
ثمة صحف أخرى لا يمكن استبعادها عن هذه المسألة المستعرة. فعكاظ أتت الأولى بحسب الترتيب على مستوى المملكة. يقول زياد عيتاني، مدير مكتب عكاظ في بيروت، لـ "إيلاف" إن إبسوس "تنتج إحصاءات لا تعتريها الشكوك، إلا عندما تأتي هذه الشكوك ممن لم تأت رياح النتائج كما تشتهي سفنهم". ويوافقه شحادة قائلًا: "إن كان ثمة مؤسسسة إحصائية أخرى تملك أرقامًا مغايرة، فلتتقدم بها، وليكن القارئ هو الحكم".
يضيف شحادة: "إن كانت إبسوس تحصي وتستطلع بحسب صالح من يدفع لها، فهذا يعني أن عكاظ هي من دفع أكثر، والأجدر بالصحف المشككة أن ترمي سهامها باتجاه عكاظ، لا أن ينحصر الصراع على المراتب الثانية والثالثة والرابعة".
ويرى عيتاني أن المسألة تكمن في أن كل طرف يقرأ النتائج من وجهة نظره، وفق حساباته في المبيع والتسويق، "لكن الثابت أن عكاظ هي الأولى، للعام الثاني على التوالي، لأنها الأقرب من هموم القارئ السعودي وتطلعاته"، ويدعو الصحف إلى تجاوز هذه المسألة نحو مهنية العمل الجاد والتطوير الضروري، "لأن التطوير ضرورة لمن كان في المركز الأول ولمن حل في المركز الأخير".
الكيل بمكيالين!
ويوافق أحمد الفهيد مدير التحرير في جريدة الحياة، عيتاني في ضرورة المضي قدمًا نحو مهنية صحافية بدلًا من التلهي في حروب صغيرة، لكنه أبرز لـ "إيلاف" نقطة مريبة في تقرير إبسوس لا يجد مفرًا من لفت النظر إليها، على الرغم من أن الدخول في هذه المسائل "ليس من شيم الحياة ولا من طبيعتها".
يقول الفهيد لـ "إيلاف": "تعامل تقرير إبسوس مع كل الصحف بمكيال بينما تعامل مع الحياة بمكيال آخر، إذ تصدر بثلاث طبعات، في الرياض وجدة والدمام، فعوملت على أنها ثلاث صحف مستقلة وليست صحيفة واحدة، مع أنها متشابهة في كل محتواها، لكن تقدّم المواضيع وتؤخر بحسب المنطقة".
يضيف: "في طبعة الرياض تبرز محليات الرياض في الصفحات الأولى، بينما تبرز محليات جدة في الصفحات الأولى لطبعة جدة، علمًا أن الصحف الأخرى تنحو هذا المنحى أيضًا ولم تعتبر سوى صحيفة واحدة".
طبعات لصحيفة واحدة
وفي قراءة للأرقام، يشير شحادة إلى بعض اللبس في أرقام الحياة، "التي حلت ثالثة في جدة، وثالثة في الرياض، وثانية في الدمام، فكيف يمكن أن تحل في المركز التاسع على مستوى المملكة؟".
وهذا ما لفت إليه الفهيد أيضًا، مؤكدًا أن التنازع مع تقرير إبسوس "يجب أن يصب في أمور محددة وليس في الأمور العامة كما هو حاصل اليوم.
يضيف شحادة: "حلت كل طبعة من الحياة، بعد اعتبارها صحيفة مستقلة، في مراتب متدنية، تاسعة وعاشرة وحادية عشرة على مستوى المملكة، فعند جمع نسب المقروئية في مناطق المملكة مجتمعة، والتعامل مع الحياة كصحيفة واحدة وطبعة واحدة كما كانت الحال مع الصحف السعودية الأخرى التي توزّع وتطبع في المناطق نفسها أيضاً، ظهر أن الحياة تحتل المرتبة الثانية على مستوى المملكة من ناحية المقروئية".