نفت اتهام الحكومة لها بتسييس العمل الأمني
مخاوف في تونس من "تغوّل" نقابات الأمن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ازدادت سطوة نقابات الأمن التي تأسست بعد ثورة 14 يناير 2001 في تونس، ودخلت في مواجهة علنية مع الحكومة بسبب اتهامات وُجهت لها بتسييس العمل الأمني، فيما ترد تلك النقابات بالنفي، والتشديد على أن مبتغاها هو أمن جمهوري محايد.
مجدي الورفلي من تونس: في الوقت الذي تعيش فيه تونس على وقع أسوأ أزمة سياسيّة عرفتها البلاد بعد ثورة 14 جانفي/يناير إحتدم التوتّر بين نقابات أمنيّة ووزارة الدّاخليّة ومن ورائها حكومة علي العريض بلغ حدّ الصدام المباشر وتصعيد اللّهجة ما أثار تخوّفات من تغوّل النقابات الأمنيّة واتهامها بممارسة السياسة تحت غطاء العمل النّقابي فيما تنفي النّقابات هذه الإتهامات وتعتبرها مجرّد إفتراءات.
واندلع الصّراع القديم الجديد بعد إجبار أمنيّين غاضبين الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة علي العريض، ورئيس المجلس التأسيسي (البرلمان) مصطفى بن جعفر، على مغادرة موكب تأبين عنصرين من الدرك قتلا خلال مواجهات مع مجموعة مسلحة في معتمدية قبلاط من محافظة باجة (شمال غرب) ردّت عليها الحكومة بإصدار بطاقات إيقاف عن العمل، شملت عددا من أعضاء المكتب التنفيذي لنقابة قوات الأمن الداخلي، التي تعتبر أكثر النقابات الأمنيّة إثارة للجدل.
ملفّات خطيرة
يقول يسري الدّالي وهو مكلّف سابق بالتّكوين صلب وزارة الدّاخليّة إنّ أعضاء النّقابة الوطنيّة لقوّات الأمن الدّاخلي يتاجرون بتعب ودماء الامنيّين وأنّهم يشكّلون أمنا موازيا صلب وزارة الدّاخليّة لخدمة أجندة اطراف سياسيّة اخرى وأن مصدر قوّتهم يتمثّل في "وجود ملفّات تدين عديد الجهات بحوزتهم".
ويقول الخبير في شؤون وزارة الدّاخليّة لـ"إيلاف" إنّ "النقابات الأمنيّة كثيرة ولكل منها أهدافها وولاؤها فمثلا، ما دخل سياسة الحكومة في العمل النقابي حتى ينتقدوها وما دخل النقابيّين في الإستراتيجيّة التي يجب إتباعها في مقاومة الإرهاب، فليس لهم لا المستوى التعليمي والأكاديمي الكافي، ولا التأهيل المدني لقيادة فرقة متكوّنة من 3 أعوان فما بالك بقيادة مجموعة امنيّة كبيرة".
يضيف الدّالي: "للأسف لا يقدر الامنيّون داخل وزارة الدّاخليّة على المجاهرة به، ولا السّلطة السياسيّة ولا المديرون العامّون، لانّهم يتفادون المواجهة مع ثلّة من النقابيين الذين تغوّلوا ويملكون ملفّات تدين بعض الجهات".
ولاء لأطراف سياسية
ويرى المكلّف الّسابق بتكوين الأمنيّين يسري الدالي أنّه يجب وضع شروط للعمل النّقابي وحدوده وآليّاته وانّه ليس من الصحّي ما يُسمّى بالتعدديّة النقابية في المؤسسّة الامنيّة الذي إعتبره "تفريخًا لنقابات موالية لأطراف معيّنة".
ويضيف: "الإجتماع الذي أصدرت عقبه نقابة قوات الأمن الدّاخلي بيانها الأخير، عُقد في محافظة سوسة لانّها المكان الذي يتواجد فيه الاشخاص الذين يدينون لهم بالولاء ولعديد الكوادر المعزولة، وهم الآن يمارسون الضغط لإعادتهم لمناصبهم"، على حد قوله.
توتّر ليس جديدا
يعود التوتّر بين النقابات الأمنية وحكومة الإسلامي علي العريض إلى الفترة التي كان يتولّى خلالها منصب وزير الدّاخليّة، إذ كان يتّهمهم حينها، علانيّة بممارسة السياسة وخدمة أطراف اجنبيّة، وبلغ التوتر حدّ إصدار منشور رسمي خلال العام الماضي يفرض على النّقابات الأمنية "الالتزام بعدم تسييس العمل النقابي، وعدم التعاطي مع الجهات السياسية والجهات النقابية غير الأمنية داخل البلاد وخارجها" و"إيضاح مصادر تمويلها".
نقابة لا غير
النّاطق الرّسمي باسم النّقابة الوطنيّة لقوّات الأمن الدّاخلي، شكري حمادة، نفى في تصريح خصّ به "إيلاف" سيل الإتهامات الموجّهة لنقابته بممارسة السّياسة مؤكّدا أن عملهم الوحيد يتمثّل في "المضي نحو إرساء أمن جمهوري والدّفاع عن حقوق الامنيّين الإجتماعيّة وتوفير منظومة قانونيّة تحميهم".
ويقول النّقابي الأمني: "لم نخرج منذ تأسيسنا لنقابتنا عن إطار العمل النقابي الذي يهدف أساسا لإرساء أمن جمهوري محايد يقف على المسافة نفسها من كل الاطياف ويكون درعا لوطننا الذي ينخره الإرهاب لا غير ولم نتغوّل كما يقولون، ومن يملك أي دليل مادّي لممارستنا السّياسة أو إرتباطنا بأي جهة فليتقدّم به".
وتتهم النقابة الأمنيّة الحكومة بالفشل في مكافحة الإرهاب، والتسبب في خسائر في ارواح الأمنيين والعسكريين وتعيين كوادر غير كفوءة، وطالبت بإقالتها فورا، وهددت مؤخّرا بالتصعيد بـ"اشكال نضالية غير مسبوقة" إن لم تتخذ الحكومة اجراءات لحماية قوات الأمن من "الإرهابيين".
دعوى قضائية ضد العريض
أعلنت "النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي" في وقت سابق، "رفع قضية عدلية ضد رئيس الحكومة علي العريض وكل من سيكشف عنه البحث...من أجل المشاركة في القتل، على خلفية استشهاد زملائنا في قبلاط وسيدي علي بن عون ومنزل بورقيبة" على حدّ تعبير بيان أصدرته خلال الشهر الماضي.
وطالبت النقابة الأمنية بـ"بعث خلية أزمة لمكافحة الإرهاب تتكون من أمنيين وعسكريين وديوانة (جمارك)، وقضاة تستأنس بكل من له خبرة في هذا المجال من قيادات أمنية متقاعدة من ذوي الاختصاص، تعمل مباشرة تحت إشراف وزير الداخلية"، إضافة إلى "توفير الحماية للقضاة وعائلاتهم وخاصة المباشرين لقضايا الإرهاب".
ضرب العمل الامني
لكن وزارة الداخلية رفضت بشدّة "الدعوة إلى تكوين خليّة أزمة خارج أطر هياكل الوزارة" مشيرة في بلاغ ردّت فيه على بيان نقابة الامن إلى انّها لاحظت "خلال الفترة الأخيرة تواتر التصرفات والتصريحات اللامسؤولة الصادرة عن بعض العناصر الأمنية تحت غطاء العمل النقابي، والتي أساءت إلى المؤسسة الأمنيّة وجعلت منها طرفا في التجاذبات السياسية".
ونظّم أمنيّون بداية الأسبوع الماضي مسيرة لتشييع جنازة رمزيّة لزملائهم الذين قُتلوا على يد إرهابيّين بدعوة من نقابتهم في تحدّ واضح لوزارة الدّاخليّة التي عبّرت عن رفضها لتظاهر الأمنيّين.
وقتل مسلحون في 17 تشرين الأول/أكتوبر الحالي عنصرين من جهاز الحرس الوطني التونسي بقبلاط من محافظة باجة، كما قتلوا في 23 من الشهر نفسه خمسة من عناصر الحرس الوطني في سيدي علي بن عون من محافظة سيدي بوزيد، وشرطياً في منزل بورقيبة من محافظة بنزرت.
وتحصّل أمنيون على ترخيص قانوني لإنشاء أول نقابة لهم في يونيو 2011، لتكون بذلك أول نقابة للمنتمين إلى سلك الأمن في تونس والمنطقة العربية.