كان المطلوب تغطية الأخبار السوداء بأخبار العاصفة البيضاء
عندما يصنع الإعلام حدثًا افتراضيًا فيعيشه الناس بتفاصيله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في تغطية التطورات كالعاصفة ألكسا والضربة التي كانت مرتقبة على سوريا، يبدو الاعلام المحلي والغربي وكأنه يصنع حدثًا افتراضيًا يعيشه الناس بتفاصيله المخيفة والمقلقة.
بيروت: العاصفة الكسا التي شغلت اللبنانيين على مدار الأسبوع الماضي، بكل تفاصيلها المرعبة، ورغم انها حطّت اخيرًا على لبنان، غير انها لم تكن بقدر ما سوّق لها في الاعلام على مختلف مستوياته، وقبل العاصفة ألكسا انشغل الإعلام العربي والغربي بتسويق الضربة على سوريا ورغم ذلك لم تحصل، فهل يمكن القول اليوم ان الإعلام يصنع الحدث الافتراضي فيعيشه الناس بكل تفاصيله التي قد تكون مخيفة ومؤلمة للبعض؟
يقول عميد كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج كلاّس ل"إيلاف" ان الاعلام اليوم يصنع "اللاحدث"، والمهم بالنسبة له وقع الخبر، وما ظهر بخصوص توقعات الطقس في الأيام الاولى يجب ان نضعها في إطارها الطبيعي بأنها تبقى توقعات، وليست اخبار الطقس، وتم نقل الخبر عن خبراء أرصاد ومهندسي أرصدة جوية وما الى هنالك، اما التسويق والتغطية المسبقة فقد شاهدنا السبق الصحافي حولهما، وما لمسناه في وسائل الاعلام والنشرات الاخبارية، انه خُصِّص وقت اضافي عن العاصفة التي وصفوها بعين العاصفة وقلب العاصفة، ما احدث نوعًا من الارباك والخوف عند الناس لا لزوم لهما.
وفي تحليل لكل تلك الظاهرة يرى كلاّس الا شيء بريء وراء اعطاء كل هذه الهالة لموضوع الطقس في لبنان، وجميع الناس في البلد من كل المستويات سيسألون ما المطلوب ان ننسى لانه التذكير فقط اليوم بمشاكل الطقس في لبنان، كان من المطلوب من اللبنانيين ان ينسوا قضايا كثيرة، فهناك ازمات كثيرة سياسية وامنية واقتصادية وحتى الخلافات الاخيرة بين الوزراء، الذين اشهروا على بعضهم البعض وثائق ووثائق مضادة، ولهذا السبب كان المطلوب تغطية هكذا اخبار سوداء باخبار العاصفة البيضاء.
ويلفت كلاّس ان هذا الامر يخالف شروط المهنية الاعلامية، ويبقى ان الاعلام لا يمكن ان يتغاضى عن مسؤولين في مصلحة الارصاد الجوية ومهندسين في احوال الطقس ومتخصصين ان ينقلوا هكذا اخبار وتوقعات وتحذيرات، ويضيف :" تم الحديث عن كارثة "الكسا" ولم يتعدَّ الامر كونها عاصفة عادية، نحن بفصل الشتاء ومن الطبيعي ان نشهد هكذا امورا ومن غير الطبيعي الا تمطر وحتى الا تثلج.
واقع افتراضي
هل الاعلام اليوم بمختلف البلدان وخصوصًا لبنان يصنع واقعًا افتراضيًا من خلال تمثيل الحدث قبل وقوعه؟ يجيب كلاّس :" الاعلام اللبناني يسوِّق التوقعات، هناك سياسيون واقتصاديون وصانعو مشاريع سلام او مؤامرات يفترضون والاعلام ينقل عنهم، واحترافية الاعلام اللبناني انه لا يتبنى بل ينقل الواقع وما يحدث، لانه يُعلم الناس بالامر فقط.
ويلفت كلاّس الى انه رغم ذلك شاهدنا تضخيمًا للحدث وهذا ما شكّل سبقًا بين الوسائل الاعلامية من اجل جذب عدد اكبر من المشاهدين، ومن حق كل شخص ان يسأل ماذا كانت تخفي وراءها هذه التخويفات والرعب المسبق من الاحداث، ماذا كان مطلوب من اللبناني ان ينسى؟ اكيد الواقع الامني والسياسي والتشرذم الموجود في البلد والواقع المعيشي.
اي دور للاعلام في تجييش الرأي العام حول قضية ما وخلق واقع معيوش قبل حدوثه؟ يؤكد كلاّس ان كل اعلام اذا اراد ان يصنع حدثًا افتراضيًا يسوّق له بالاخبار، وهذا ما نسميه بالوظيفة التجييشية للاعلام، ووظيفة ان يصنع رأيًا عامًا حول رأي خاص يريد ان يطلقه، ولا اعتقد ان هذا الوضع صحي في لبنان وغيره من البلدان.