قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان كتب الكثير عن الحرب العالمية الثانية من مؤرخي الأطراف المنتصرة. فعادة، يسجل التاريخ الطرف الفائز، بينما ينتهي الطرف المنهزم بلعنه التاريخ يمنة ويسرى. وكما نلاحظ اليوم كيف يكتب التردد الغربي تاريخ الشرق الاوسط الملتهب. وقد زار الكاتب السينمائي والمخرج ألأمريكي، أوليفر ستون، مع زميله المؤرخ الأمريكي، بيتر كوزنيك، اليابان في شهر أغسطس الماضي، ليشاركا في احتفالات ذكرى إلقاء القنبلتين النوويتين على مدينتي هوريشيما وناجازاكي في بدايات شهر أغسطس من عام 1945. كما قدما الكاتبان محاضرة بنادي الصحافة الأجنبية في طوكيو، حيث تحدثا عن كتابهما، القصة التي لم تقال عن الولايات المتحدة، والذي ناقش التاريخ الأمريكي بزلاته المتكررة.ويناقش الكتاب في أحد بنوده الحرب العالمية الثانية بالقول: "ينظر معظم الأمريكيين للحرب العالمية الثانية بانفعال بأنها حرب جيدة، والتي انتصرت فيها الولايات المتحدة مع حلفائها، ضد النازية الألمانية، والفاشية الايطالية، والعسكرية اليابانية، بينما يعتبرها باقي العالم بأنها أكثر الحروب دموية في التاريخ البشري. فحينما انتهت هذه الحرب قتل فيها أكثر من 60 مليون من البشر، بينهم 27 مليون روسي، وعدد يتراوح بين 10 إلى 20 مليون صيني، وما يقارب 6 مليون يهودي، مع 5.5 مليون الماني، و 3.5 مليون بولندي غير يهودي، و 2.5 مليون ياباني، بالإضافة إلى مجموع 1.5 مليون، من اليوغسلاف، والنمساويين، والبريطانيين، والفرنسيين، والايطاليين، والهنجاريين، والرومانيين، والأمريكيين، أي بمتوسط 250 ألف قتيل من كل دولة من هذه الدول الاخيرة." ويعني ذلك بأن كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة قتل من شعبها 250 ألف. تصور عزيزي القارئ بأن الروس فقدوا 27 مليون، وفقد الصينيون ما بين 10 إلى 20 مليون، وحينما نقرأ تاريخ المنتصر نتصور بأن الحرب العالمية الثانية هي حرب الرئيس الأمريكي روزفلت، وحرب رئيس الوزراء البريطاني تشرشل، ومع أن معاناة الحرب كانت روسية صينية يابانية مع معاناة بولندية والمانية، طبعا بالإضافة للمحرقة اليهودية التي انتهت بقتل 6 مليون يهودي أوربي. فتلاحظ عزيزي القارئ كيف تغسل العقول بإعلام المنتصر. ويستمر الكاتبان ستون وكوزنيك في نقاشهما بالقول: "وخلافا للحرب العالمية الأولى، بدأت الحرب العالمية الثانية ببطيء تدريجي وأخذت في التصاعد. فالطلقة الأولي بدأت في عام 1931، حينما قهر الجيش الياباني القوات الصينية في منشوريا. وبينما كانت القوى الغربية توسع امبراطورياتها الاستعمارية في نهايات القرن التاسع عشر، أخذت تبحث اليابان المعاصرة والصناعية عن مواقعها بين قيادات الأمم في العالم. وقد برزت قوة اليابان العسكرية الجديدة، بهزيمتها للصين في الحرب الصينية اليابانية في الفترة بين عام 1894 وحتى عام 1895. وبعدها سجلت اليابان انتصارا مدهشا ضد الروس في الحرب الروسية اليابانية بعد عقد كامل.وقد سبب هذا الانتصار الياباني صدمة عالمية كبيرة، حيث ولأول مرة في التاريخ، بعد سبعة قرون من غزو جنكيز خان، يهزم معسكر شرقي القوى الغربية. كما صدمت الهزيمة النظام الروسي بأكمله، مما أدى لانتفاضة عام 1905، والتي صعدت النقمة ضد ظلم القياصرة، بالإضافة للهزيمة الساحقة لألمانيا في الحرب العالمية الأولي، ليؤدي كل ذلك لثورة عام 1917 الروسية. وبينما كانت تزحف ألمانيا على دول الغرب لتنتقم لهزيمتها الساحقة في الحرب العالمية الأولى، وخاصة بعد نظام التعويضات المالية الذي فرض عليها مما ادى لإفلاس الحكومة، مع سيطرة القيادات المتطرفة عليها، وليشكل هتلر وموسوليني حلف عام 1936، وبدءوا مساعدة جنرال فرانكو للانقلاب على الجمهورية الاسبانية. وقد أدى "تردد" وضعف رد الديمقراطيات الغربية على العدوان الفاشي في أثيوبيا واسبانيا، لإيمان هتلر بأنه يستطيع أن يحقق طموحاته في السيطرة على باقي أوروبا. وقد أقتنع ستالين بتردد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وبأنه ليس لهم رغبة حقيقة في عمل مشترك لوقف الزحف النازي.وفي عام 1937، بدأت الحرب في الصين، فزحفت اليابان على المدن الصينية الواحدة تلو الاخرى، لتسيطر على الساحل الصيني الشرقي بسكانه 200 مليون نسمة. وساء الوضع في عام 1938، حينما سيطرت ألمانيا على النمسا، واستسلم الحلفاء لهتلر في ميونخ، ليهبوا له سويتينلاند كجزء من تشيكوسلوفاكيا. ولم ينتهي شهر مارس من عام 1939 حتى احتل هتلر باقي شيكوسلوفاكيا، حينما فشل ستالين في تحقيق حلف بريطاني فرنسي روسي مشترك، للدفاع عن باقي أوربا. وفي شهر سبتمبر من نفس العام احتل هتلر بولندا، ولكن بعدها أعلن الحلفاء الحرب ضد هتلر، بينما قام ستالين باحتلال بولندا، وامتد على استونيا، ولاتفيا، ولثوينيا، وفنلندا.واستمرت جيوش هتلر في الزحف على القارة الاوربية، ففي أبريل من عام 1940، احتلت الدنمارك، والنرويج، وهولندا، وبلجيكا، ومع اطلالة شهر يونيو احتل هتلر أيضا فرنسا، كما استمر جيشه في شهر سبتمبر تدمير المدن البريطانية بالطائرات الحربية. وقد حاول الرئيس الأمريكي روزفلت في هذه المرحلة التدخل، ولكن رفض الكونجرس رغبته، ولكنه حاول تجاوز الكونجرس، بعقد اتفاقية مع بريطانيا بأن يوفر لها 50 سفينة حربية، مقابل أن تؤجره بريطانيا قواعد بحرية وجوية في ثمانية مواقع بريطانية في دول الغرب ولمدة 99 سنة.وفي نفس هذه الفترة شجب العالم الغزو الياباني للصين، وفي شهر يوليو من عام 1939، الغت الولايات المتحدة اتفاقيتها الاقتصادية مع اليابان، مما أدى لتوقف تصدير المواد الخام والبضائع الأمريكية لليابان، في الوقت الذي كانت المعارك الحدودية مستمرة بين الجيش الروسي والياباني في منشوريا. وفي سبتمبر من عام 1940، شكلت المانيا وايطاليا واليابان الحلف الثلاثي، لتنضم لهما المجر ورومانيا وسولفاكيا وبلغاريا. وفي نوفمبر من عام 1940، فاز الرئيس روزفلت مع نائبه والاس في انتخابات الرئاسة للمرة الثالثة، لكي يحاول دعم بريطانيا في حربها ضد هتلر. وقد أدت سخرية القدر أن ينهي هتلر عزل بريطانيا، بعد أن خالف معاهدة عام 1939 مع روسيا، بأن قام في يونيو من عام 1941، بغزو الاتحاد السوفيتي بجيش بلغ 3.2 مليون، وعلى حدود تمتد الفين ميل، ليدمر الطيران الحربي السوفيتي، وليمتد إلى مدينتي لنينجراد وكيف.وأخيرا خلق تقدم هتلر رعب في لندن وواشنطن، ولكن لم يرف جفن للكونجرس الامريكي بل أكد الكونجرس بعدم رغبته في التدخل، بل صرح السناتور هاري ترومان (الذي أصبح رئيسا للولايات المتحدة بالصدفة بعد موت روزفلت الفجائي) بقوله: "لو وجدنا الالمان يحققون انتصارا، علينا مساعدة الروس، وإن وجدنا الروس يحققون انتصار، علينا دعم الالمان، وبذلك نجعلهم يقتلون بعضهم بعضا، وبأكثر عدد ممكن." ولم تختلف هذه النظرية عما يجري اليوم في سوريا العربية. وقد تجاهل روزفلت رأي ترومان وطلب من السوفيت عرض قائمة بما يحتاجون. وقد عهد روزفلت بإرسال أكثر من 500 طائرة حربية، كما قرر منح قرضه بمليار دولار، وبدون فوائد، تدفع على مدى خمس سنوات بعد إنتهاء الحرب. وفي الحقيقة بأن الكثير من هذه المساعدات لم تصل إلى روسيا بينما استمرت الخسائر في الجانب السوفيتي.وقد اعتقد الرئيس روزفلت بأن هتلر يريد السيطرة على العالم لذلك آمن بأهمية دعم السوفيت. ولكنه حينما طلب الرئيس تشرشل في عام 1941 من الرئيس روزفلت بالمشاركة في الحرب، رفض طلبه، ولكنه اخبر روزفلت حكومته الأمريكية بأنه سيشارك في الحرب بدون أن يعلن الحرب على الالمان. وفي السابع من ديسمبر عام 1941، هاجمت اليابان الاسطول الامريكي في بيرل هاربر، وبعدها بيوم اعلنت الولايات المتحدة وبريطاني الحرب على اليابان، وبعد ثلاثة ايام اعلنت المانيا وايطاليا الحرب على الولايات المتحدة. كما وقفت الولايات المتحدة ضد التوسع الياباني في المستعمرات الهولندية والفرنسية في اسيا، بعد أن احتلت اليابان الهند الصينية الفرنسية في يوليو من عام 1941، باحثة عن الموارد الطبيعية لتقوية مواقعها في اسيا، وقد ردت الولايات المتحدة بشدة وذلك بحضر شحن البترول لليابان. وقد حاول اليابانيون الرد على ذلك بتوفير الوقود من المستعمرات الهولندية في الهند الغربية، ولكنهم كانوا قلقين من أن يمنع الاسطول الامريكي في بيرل هاربر تحقيق ذلك.وبينما كانت الولايات المتحدة مشغولة بالحرب في اوروبا، استمرت اليابان في التوسع في تايلاند، ومالي، وجافا، وبرونو، والفلبين، وهونج كونج، واندونسيا، وبورما، وسنغافورة، وقد رحب مواطنو هذه الدول بالجيش الياباني، كجيش حررهم من الاستعمار الغربي. وقد قامت الولايات المتحدة بالرد، بقيادة الجنرال ماك ارثر، وقد استطاع الجيش الامريكي في يونيو من عام 1942 هزيمة البحرية اليابانية في مدوي، لتبدأ نشوة الشعب الأمريكي بالإنتصار، والدعوة الامريكية لقيادة العالم، حيث كتب مليونير الاعلام الأمريكي هنري لوس: "بأنه في القرن الأمريكي، علينا القبول بواجباتنا وفرصتنا، كأقوى دولة في العالم، بأن نفرض قوتنا على الاسباب التي نجدها مناسبة، وبالأساليب التي نجدها مناسبة." بينما رفض نائب الرئيس، هنري ويلس، الفكر الامبريالي لهنري لوس، بل طرح وجهة مخالفة فقال: "لقد تحدث البعض عن القرن الامريكي، واقول بان القرن الناتج من هذه الحرب، يجب ان يكون قرن الرجل العادي ... فليس من حق أية أمة في هذا القرن استغلال أمة لأمة اخرى ... بل لا يجب ان تكون هناك امبريالية عسكرية او اقتصادية ... فنضال شعوب العالم للحرية خلال 150 سنة الماضية ... بالثورات العظيمة للشعوب: الثورة الامريكية في عام 1775، والثورة الفرنسية في عام 1792، والثورة الامريكية اللاتينية في العصر البوليفي، والثورة الالمانية في عام 1848، والثورة الروسية في عام 1917، فكلها تحدثت باسم الرجل العادي ... وقد تكون قد افرطت بعضها ... ولكن سلكت الشعوب طريقها للنور ... فقد جعلت العلوم المعاصرة، والتي هي نتيجة لهذه الثورات الانسانية، ذلك ممكن ... فمن الممكن أن نعمل لكي يحصل جميع شعوب العالم على ما يكفي من غذاء ... ولن نرتاح إلا حتى نخلص شعوب العالم من النازية ... والثورة الانسانية في طريقها للامام."ويعلق أوليفر ستون بقوله: "وبعد أن انتهت هذه الحرب الملعونة، وبعد ثلاث سنوات، كان على الامريكيين الاختيار، بين نظرة هنري لوس للقرن الامبريالي الامريكي، ونظرة هنري والاس لقرن الرجل العادي." فما حدث بعد ذلك؟ فهل تغير تاريخ العالم بوفاة الرئيس روزفلت الفجائي وتعين هاري ترومان رئيسا؟ وما تأثير كل ذلك على تاريخ الشرق الأوسط؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان