عام يرث الدم والظلام والخراب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تبادل التهاني بالعام الجديد تقليد جيد لتعزيز الصداقة بين الخلان والتعايش بين الجيران، ولبث الأمل، إن كانت ثمة فسحة للأمل.
عشية العام الجديد بساعات اتصلت بجارتي الفرنسية في العمارة المقابلة، من هذا المجمع الواسع التابع للبلدية، وهنأتها وزوجها بالعام الجديد. ردت بتمنيات مماثلة، وأضافت بنبرة حزن" عام 2013 عام شؤم ومأساة، والرقم 13 معروف بشؤمه: فقدنا فيه حارسنا الطيب الجنتلمان وهو بعد في الخمسين. ومنذ شهرين، ولحد أمس، فقدت جارات ثلاث في العمارات المجاورة قططهن بمرض السرطان، وهن يستقبلن العام الجديد بالدموع."
لا جارتي ولا زوجها يتحدثان في السياسة، على الأقل معي، وإلا لخضت معهما في التطورات المأساوية في العالم، وخصوصا في منطقتنا، من دماء وتدمير وانتشار للكراهية الطائفية وانفلات العنف والتطرف. قلت، مجاريا للسيدة، إن صديقين لي في لندن فقد أحدهما كلب العائلة "هارفي" بعد عشرة 17 سنة، والثاني فقد هرة العائلة "بكسي" ذات التسعة عشر عاما، وهو عمر يقترب من تسعين العمر البشري. ومع هذه الأعمار، يغدو الحيوان فردا من العائلة وروح السكن. وتذكرت مع نفسي رسالة الشاعر العراقي الستيني الراحل، الأب يوسف سعيد، وهو يسري عني بفقدان هري ريمي عام 1997 ، حيث كتب أن العادة جرت بأن تكون التعزية لرحيل البشر وحدهم في حين أن الحيوانات هي مثلنا إحساسا وشعورا، ولنا جميعا مصير واحد: إلى التراب.
عدت للشاشات والتعليقات السياسية حول العامين، المدبر والمقبل، واستعرضت معها تطورات المنطقة، التي شهدت استمرار مجازر الأسد والثناء الأميركي على الجزار بسبب صفقة الكيمائي وكأنها كانت بطاقة مرور له لاقتراف سلسلة جديدة من الجرائم المرعبة بالبراميل والتجويع، وبرعايته لكتائب القاعدة لقلب القضية من ثورة شعب على الطاغية إلى بطولة الطاغية في وجه الإرهاب، الذي كان هو راعيه ومشجعه، مع نظام الفقيه. واستمعت من جديد لمعلقين غربيين يشيدون بالاتفاق النووي مع إيران مع أنه ترك لها حرية التخريب والتدمير ونشر الطائفية على نطاق المنطقة وخارجها: ومنها المشاركة في قتل السوريين، ودعم المالكي في حربه على اللاجئين، وحربه الطائفية باسم الحرب على الإرهاب، وتفجير لبنان، والسلاح الإيراني المرسل عبر العراق إلى إرهابيين في البحرين، والسلاح الإيراني الذي استخدمته القاعدة في اليمن لاقتراف مجزرة المستشفى. وتذكرت تصريحا سابقا لرئيس أركان القوات الإيرانية عن أن " هذه المنطقة كانت دوما ملك إيران"، قاصدا الخليج. والقاعدة بدورها ازدادت انتشارا في المنطقة وأفريقيا، فيما تزداد قوى الاعتدال والتسامح تراجعا وتهميشا. وقد فقد العالم رمزا مضيئا للتسامح والتعايش،أعني نيلسن مانديلا.
إن نقطة الضوء النادرة كانت إزاحة الإخوان في مصر، ولكن الشوط لا يزال طويلا، والعقبات كبرى، ونأمل أن تراعي القيادة الانتقالية خارطة الطريق، وأن تنجح في التنفيذ.
وثمة أخبار الاتصالات الفلسطينية - الإسرائيلية للتوصل إلى" اتفاق إطار"، وتضارب الأخبار وتصادم الممارسات والتصريحات. وتخرج الجامعة علينا بفتواها التقليدية عن دولة فلسطينية عاصمتها القدس، أي مطلب الحد الأقصى الذي يجب التفاوض عليه بمرونة وتنازلات مقابلة. ولكن الدول العربية، وكالعادة، تواصل المزايدات باسم فلسطين، وكم أتمنى، وكما كتبت مرة، أن تكف الجامعة عن التدخل بين الجانبين لأن وقف المفاوضات خلال سنوات أدى لمزيد من المستوطنات. وإن الارتكاز إلى قرارات منظمات دولية كاليونسكو عن دولة فلسطينية عضو لا يسترجع شبرا واحدا من الأراضي المحتلة. كما لا يخدم أيضا وصف متهمين بالقتل والتفجير بالأبطال! ولنتذكر حماس المعادية للتسوية السلمية، وكذلك أقصى اليمين الإسرائيلي، ناهيكم عن المزايدات الإيرانية باسم فلسطين واستخدام حزب الله بعنوان "الممانعة" وهو الذي يشترك في المذابح الأسدية.
سورية دخلت نفقا لا ندري كيف الخروج منه. ولبنان يكاد يحترق. والعراق لا هم لحاكمه غير التمهيد لولايته الثالثة. فقد اقترفت قواته في العام المنصرم مجزرة الحويجة ومجزرة لاجئ معسكر أشرف، ثم الحملة في الأنبار التي لا تكاد تميز بين معتصم ومتظاهر مسالم وبين إرهابي، مع وجوب رفض كل أساليب العنف في التحركات المطالبة بمطالب عادلة. فالعنف يضر بالقضية ويزود أعداء العدالة بالذرائع لتبرير القمع الدموي. وكانت الأنبار هي من حاربت القاعدة بالصحوات، التي نظر المالكي لقيامها نظرة عدم الرضا، وتنكر لمعظم تعهداته لأفرادها، وانشأ، بالمقابل، مجالس عشائرية ل"إسناد" شخصه وتحت شعار " وصلنا ولن نسلمها لأحد." إن مطاردة القاعدة واجب وطني من الدرجة الأولى، ولكن الخلط بين القاعدة وسكان المناطق الغربية مجازفة طائفية، وكذلك الحديث عن " أنصار الحسين وأنصار يزيد". وعلى المالكي أن يتذكر من ساند القاعدة بعد سقوط النظام السابق، ومن أين كان الإرهابيون يتسللون، وأين كان يأوي أركان من القاعدة بحماية حراس الثورة، ومن خطط لتفجيرات سامراء. وفي شهر آب 2009 نشرت الصحف خلاصة تقرير سري من جهاز المخابرات العراقية عن وجود 3 تنظيمات باسم القاعدة في العراق، الأول مرتبط بفيلق القدس، وقام بتجنيد أفراد من محافظات بغداد والأنبار والموصل، وجرى تدريب قياداته في إيران. وكانوا يدخلون من سورية للعراق. والمجموعة الثانية هي "دولة العراق الإسلامية"[ صارت داهش]، ولها صلة بالقاعدة وتتعاون مع إيران . والثالثة مجموعة أنصار الإسلام في إقليم كردستان ومرتبطة بإيران مباشرة. ويجب أن نؤكد مجددا بأن المليشيات المسلحة الشيعية هي أيضا تنظيمات إرهابية، ولكنها تعمل بإشراف مكتب المالكي، وآخر جرائمها الهجمة الصاروخية الرابعة منذ أيام على سجن ليبرتي، الذي يأوي اللاجئين الإيرانيين المعارضين لنظام الفقيه.
أينما ننظر في المنطقة، تطبق علينا سحب الكآبة والمرارة والأسى. فمبدأ المواطنة قد توارى، والتعايش الاجتماعي القديم تنخره الطائفية والكراهية الدينية، والعام الجديد يرث كل كوارث وظلمات العام المنصرم، ولا من مؤشر على نحسن الأوضاع، إن لم تزد سوءا على سوءا!
الدماء تفيض، والمجتمع الدولي ينظر بلا حركة، وأوباما يعدد انتصاراته المزعومة وهي ليست غير مآسي شعوبنا وغير مهرجانات الطغيان والعدوان والكراهية العمياء!
تذكيرا
1- نشرت المجلة الفرنسية "ليه فالير أكتويل" في سبتمبر 2011 نتائج استبيان أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي - - PCPo بين فلسطيني القدس الشرقية. وتبين النتائج، التي عتم عليها الإعلامان الفلسطيني والعربي، أن 70 بالمائة منهم يفضلون البقاء مع إسرائيل في حالة قيام دولة فلسطينية. وأسبابهم هي الحفاظ على الحرية الشخصية وعلى مستوى المعيشة رغم الاعتراف بوجود ممارسات تمييزية تجاههم .
2- يكرر المالكي وجهاز دعايته الحديث عن مظلومية الشيعة، والعلاج عنده، وفي ممارساته العملية، هو التطهير المذهبي واحتكار السلطة. ويقول انسي الحاج: "يبدأ المحروم في المطالبة بالمساواة، ولا يلبث أن يعمل للسيطرة، ثم ينتهي بسحق الجميع". وفي العراق، لا تحكم أكثرية الشيعة، فقد كانت محرومة، ولا تزال، وإنما السيطرة لأحزاب وزعامات ذات ولاء لإيران.
3- وفي العام الجديد، تحضرني كلمات لا أتذكر قائلها، وهي: "تمسكوا بأحبتكم جيدا، وعبروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم، ففد ترحلون يوما وفي القلب لهم حديث وشوق، فالرحيل لا يستأذن أبدا."]