داعش الغربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الغرب صنع داعش، كل الشرور تأتي من هناك حيث المستعمر الذي استوطن على كرهنا، ويخلق مشكلاتنا كافة... تنصل سهل من المسؤولية؛ الآخر هو السبب، أما نحن فالضحايا الذين لا يمتلكون الخيار، وعلى ذاك المستعمر القديم أن يخلصنا من شروره، وسيبقى عدونا، وبقية الاعداء مثل داعش وجه من وجوهه.
فضلا عن سهولة هذه العملية باعتبارها تنصلا عن المسؤولية، هي أيضا تبرئة نرجسية للجماعة التي ننتمي لها من أي تبعات، باعتبارها منزهة عن الجنايات، الا من بعض الاخطاء والضعف أمام جبروت الاخرين. وهناك جناية وحيدة اعتدنا على اتهام بعضنا بها، هي العمالة. إنها أيضاً موجهة الى الاخر، فالجناة الداخليون اشخاص مرتبطون بالاجنبي.
وعندما تعالت الاصوات ضد الاعداء الداخليين، وتحديدا الانظمة الدكتاتورية، كان يمكن أن يُفهم على أنه تغيير الثقافة السائدة المصابة بلوثة الارتياب من الخارج فقط. الا أن الامر لم يكن سوى صحوة مؤقتة، عاد الوضع مجددا الى التعامل مع العدو الداخلي على أنه ممثل للشيطان الكبير في الخارج. نحن لا نستطيع ان نتخيل الشر الداخلي بمعزل عن الشر المطلق الموجود في الخارج.&&
الان داعش، وقبلها قاعدة الزرقاوي وقاعدة ابن لادن وطالبان... لا ينظر لها من قبل الثقافة الاسلامية الريبية كمخلوقات اسلامية ولا عربية، انما زراعة امريكية في جسد ضعيف قابل لأن يتقبل مثل هذا الزرع. اقصى ما يمكن الاعتراف به من مسؤولية؛ الضعف والقابلية على الاستسلام. فهناك خلط بين حالة اللا مبالاة الغربية والامريكية تجاه الاوضاع في الشرق الاوسط، او محاولة المحافظة على الفوضى والتوتر بحدود معينة لضمان المصالح، وبين ان تكون هذه المصالح هي التي تصنع كل كوارث المنطقة.
الغرب منذ عقود يحافظ على مصالحه من خلال دعم واستثمار التخلف وفقدان التنمية في هذه المنطقة، ومؤخرا عبر استثمار ثقافة انتاج الكراهية في البلدان الاسلامية... غير أن الانتاج وليد الذهنية والعقيدة والثقافة السائدة، ولا يحتاج "العدو الخارجي" الى جهد كبير لتنميتها كي تتخذ شكلا عنيفا، بل احيانا لا يستدعي الامر أي دور وجهد. هي حالة تفاعل داخلي وليدة عداءات وأحقاد تاريخية وفقدان البوصلة الاخلاقية لدى الشعوب والنخب الاسلامية، لأن بوصلتها الوحيدة تعود لرؤية مغرورة تنطلق من فكرة الفرقة الناجية المؤثرة في أوساط المتدينين وحتى في اوساط غير المتدينين لأنهم جزء من منهج التفكير السائدة. والمنهج هنا يعتمد امتلاك الحق المطلق مقابل باطل مطلق، والحق مقدس، والباطل يجب أن يستأصل، فيولد خطاب الاقصاء التام الذي يصنع أدوات عنيفة لمحو الاغيار.
"الولايات المتحدة هي التي فجرت برجيها" هذا ما يقوله كثير من المسلمين والعرب، لأنهم غير قادرين على تخيّل كمية الجريمة التي يكون عليها انسان مؤمن بدينه وملتزم به كأسامة بن لادن. النخب الاكثر وعياً طورت الخطاب، لترى ان هذه نتيجة طبيعية لخلق تنظيم القاعدة في افغانستان خلال الحرب السوفيتية. وهم بذلك لا يميزون بين حصول الافغان العرب على الدعم الامريكي والغربي، وبين أن يكونون صناعة امريكية. ما حصل هو أن الغضب الديني المواجه للشيوعية في افغانستان استقطب كل المعارضين لوجود "الشيوعية الكافرة"، وما قامت به الولايات المتحدة هو أنها سهلت المهمة للاستفادة من ذلك في الحرب الباردة.
الزرقاوي ايضا ليس صنعية امريكية، انما هو جزء من نتائج صعود المد الديني الذي ساعد عليه نظام البعث السابق بالحملة الايمانية بدءا من عام 1994، ثم الترويج لخطاب "المقاومة" العربي الذي دفع بالمئات او الالاف من كارهي امريكا الى العراق ليتحولوا الى وقود تنظيم القاعدة المسنود بعقيدة قتل كل مختلف ومخالف. وداعش كذلك لم يوجدها الغرب لإسقاط النظام السوري، انما نتيجة طبيعية لعدة عوامل: مثل صعود السلفية في سوريا منذ بدايات القرن، ثم تنمية هذا المد الممتزج بالعداء القومي والديني ضد الغرب، لتجنيد المئات من "المجاهدين" الذين ارسلوا الى العراق عبر الحدود السورية وذلك بعد ان شعر النظام بأنه الهدف القادم بعد النظام العراقي السابق، ومثل تفجر الصراع الطائفي، وكذلك استثمار تركيا وقطر للاوضاع لدعم وغلبة التيار المتطرف...
في هذه القضايا وامثالها يتم اغفال تلك الاسباب المتعددة الواقفة خلف التشوّه، ويُكتفى بإدانة العدو العالمي الكبير، لأن الامر سهل وغير مكلف. فضلا عن العوامل السياسية الواقفة وراء الترويج للاتهامات. مثلا ان& تصاعد اتهام الدعم الامريكي لداعش في العراق خصوصا خلال الايام القليلة الماضية، تقف خلفه ايران لاعتبارات سياسية تتصل بالصراع في العراق وسوريا.
ان الهروب من مواجهة الاسباب المتعددة لوجود العنف والتطرف الديني وعلى رأسه داعش سيؤدي بالضرورة الى بقاء الارضية والاسباب، حتى وان سقطت خلافة البغدادي. سوف تظل الامور مؤهلة لظهور مزيد من التنظيمات المشوهة والعقائد المجنونة. فمعالجة الامور بشكل جذري لا يمكن أن يعتمد على اتهامات سياسية اقليمية او عقائدية نرجسية للغرب بانه صانع التطرف الديني، بل يحتاج الى مواجهة العوامل الحقيقية، ومنها العوامل العقائدية. والامر لا يقتصر على السلفية كما قد تروج المذاهب الدينية الاخرى في المنطقة، فهناك أرضية لظهور التطرف في أي اتجاه ديني داخل العالم الاسلامي، مهما بدا في الوقت الحاضر معتدلا او مرنا وبشوشا.
&
التعليقات
داعش
karim -ياسيد الكاتب الاسلام والعرب صنعوا الداعش وليس الغرب كماتدعي
اقرا المقال
عراقي -اقرأ المقال جيدا
اثار الصدمة
فقه التبرير -الى الان لم يفق الذين امنوا من الصدمة التي اصابتهم في مقتل فيما كانوا يؤمنون به واظهرت داعش حقيقته ,مجمل ما يسمون بالمثقفين العرب يقومون بتبرير ماتفعله داعش بانه لايمت للاسلام بصلة وهذا التبرير اصبح مكشوفا للجميع بعد ان قامت داعش في عملياتها البربرية من سبي وحرق وقطع الرؤوس بالاستناد الى ايات من القران والاحاديث النبوية الشريفة.
رداً على التعليق السابق
رانيا -يا أخ كريم الرجاء قراءة المقال إلى نهايته ستكتشف أن السيد عمار وجه اللوم إلى العرب و المسلمين في صناعة داعش.
أحسنت يا سيدى الفاضل
فول على طول -أحسنت سيدى الكاتب ..مقال واقعى وموضوعى جدا . داعش هم نتاج هذة الثقافة الاسلامية ..وما يزرعة الانسان اياة يحصد أيضا . الذين امنوا يزرعون العداء والتطرف ويظنون أنهم سوف يجنون رطبا ..غباء . الدواعش هم ماركة اسلامية مسجلة ومن صميم التعاليم الاسلامية ..وهم أبناء واخوة واخوات الذين امنوا ..ولو تم القضاء على دواعش اليوم فغدا سوف ينمو عشرات الدواعش طالما نفس التعاليم موجودة ...الغريب أنهم لا يملون ولا يسأمون ولا حتى يخجلون عن ترديد أن داعش صناعة غربية ..سماجة وتناحة ما بعدهما تناحة . أتوقع انقراض المؤمنين منهم فيهم وبأيديهم وبسبب تعاليمهم ..وهذا ما يفعلة العالم الان بأن يتركهم يقتلون بعضهم فهذا أفضل جدا .
تحية للكاتب
د.عمار الياسري -رائع انت ومبدع يااستاذ عمار وانا اقرء كل كتاباتك لانها تضع اليدعلى الجرح وانا اسأل الذين يتهمون الغرب واقول لهم هل يستطيع الغرب ان يصنع داعش في الصين او في الهند او في روسيا او في البرازيل ؟؟؟ داعش هي من صناعة المجرم بشار الاسد الذي من سنة 2003 وهو يجمع الارهابيين ووفر لهم معسكرات ومراكز تدريب في سورية تحت خدمتهم لارسالهم الى العراق الجديد .
داعش صناعة اسلامية
مواطن -لايشك احد من داعش صناعة اسلامية عربية وهو نتاج صلب تعاليمنا التشريعية ونتاج افكارنا . كما يؤكد صاحب المقال ونضيف ان تعاليمنا تقدم العنف والاضطهاد للاخر ورفضه واستئصاله ان منهاجنا التربوي التعليم مفعم بالكراهية للاخر ويتعقد الامر عندما نربط الدين بالدولة والسياسة الفارغة سياستنا الجوفاء التي تعكس افكارنا المؤمنة بالخرافة الملوثة كطريق للخلاص . على العكس من نصنا الاسلامي اقرأ موعظة الجبل او او يوحنا وانظر الشفافية في التعامل مع الامور القضيا الاخلاقية التي ستصبح او ستؤثر في الفكر التشريعي . ان فصل الدين عن الدولة يجب ان يكون حتمية تاريخية عندنا لكي نتخلص من داعش وامثالها .
إلى من يهمه الأمر
ن ف -لم نعرفْ (نحن بني البشر) بوجود صراعات أدّت إلى هلاك مئات الآلاف من الناس بسبب الدين حتى عرِف الإنسان مفهوم التوحيد.. إذ كان الناس يعيشون بأمن وطمأنينة يوم كانوا يعبدون آلهة متعددة. لقد سيطرت المؤسسة الدينية على أوروبا لألف عام تقريباً 476- 1453 وهذا ما حصل في العصور الوسطى وما صاحب ذلك من قتل لآلاف من الناس ولخيرة علماء أوروبا؟ الحروب التي شُنّت هنا وهناك كانت بسبب الدين وحرب الثلاثين عاماً التي قضت على ٣٠ بالمئة من سكان ألمانيا خير مثال. إن قراءة سريعة لتاريخ الخلافة الأموية والعباسية أيضاً تُعطينا فكرة واضحة عن أنّ دور المؤسسة الدينية كان في خدمة المصالح الشخصية وليس في خدمة الدين. // داعش وظهورها المحيّر بالنسبة لشريحة كبيرة جداً من مجتمعنا حتى أصبحت تُضرب بها الأمثال حين يختلط حابل شيء بنابل شيءٍ آخر ولا يُعرف له أصل فيُقال (صارت مثل داعش)! أقول، داعش هي نتاج تخلفنا وجهلنا وبؤسنا وضعفنا أيضاً.. داعش مُنتج محلّي وحسب.. داعش نتاج ثقافتنا.. نحن مسؤولون عن ظهور داعش وليس سوانا.. وإذا أردنا أن نتخلّص من داعش ونعيش بأمنٍ وسلام فلا بد لنا من فصل الدين المقدّس عن الدولة المُدنّسة؛ ولا بد من تغيير المناهج الدراسية وإدخال مناهج جديدة لينشأ جيل جديد واعٍ لما حوله، جيل يحترم الآخر الذي يختلف عنه في العرق، الدين أو اللون. وهنا أجدني أقترح بعض المناهج الجديدة كمنهج ((الأخلاق)) لأننا بحاجة ماسّة للتحلّي بالأخلاق الحميدة. ولأننا نفتقر إلى حب أوطاننا والإتنماء إليها أقترح إدخال مادة تحث على الحب والانتماء. أمّا المادة التي لا تقل أهمية عن هذه وتلك فهي مادة ((التسامح)) ذلك لأننا شعب عدواني دموي ليس له نظير على وجه المعمورة. ولا بد من مادة تتناول أهمية ((الحرية)) بالنسبة للإنسان. الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية عما ذكرت هو القضاء على الأمّية وإذا فعلنا ذلك فإننا سنقضي على جهلنا المقدس ولن تظهر بين ظهرانينا بعدئذٍ لا داعش ولا غيرها وسنرقى بمجتمعنا إلى مصاف الدول المتحضرة. شكراً للكاتب الرائع عمار على مقالته النيّرة.. ملاحظة: التعليق كتلة متكاملة، إذا حُذِف منه شيئاً فقد معناه، لذا أهيبُ بمحرر التعليقات الرائع أن يُنزله كما هو مع صادق مودتي.