الفيسبوك نموذجاًً
الإعلام الجديد و الصراعات السياسية في كُردستان العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مقدمة
مع تطور تكنلوجيا الإتصالات الحديثة و إنتشارها على مستوى العالم و إحداثها ثورة كبيرة في مختلف المجالات التي بحاجة الى السرعة و التطوير و التقدم، شهد مجال الإعلام، هو الآخر، قفزة نوعية غير مسبوقة على صعيد الوسائل و الإجهزة و التقنيات الحديثة. و قد شَكَّلَ هذا التطور ظاهرة جديدة في عالم الإعلام بات يُطلق عليها اليوم أسماً ملفتاً هو " الإعلام الجديد/ New Media" و ذلك كإشارة صريحة، أو ضمنية، الى تجاوز هيمنة الإعلام التقليدي، مثل الصحافة و الإذاعة و التلفزيون، والإنتقال الى طور جديد في مسار وسائل الإتصال و النشر و التفاعل، مثل المواقع على شبكة الإنترنت، أي الصحف الإلكترونية و المنتديات و المدوَّنات و مواقع التواصل الإجتماعي و غيرها.
و مثل بقية دول العالم و منطقتنا "منطقة الشرق الأوسط"، طال هذا التحول التكنلوجي في ميادين الإعلام و الإتصال، بلد كالعراق و تحديداً أقليم كُردستان، و ساهم في تطوير وسائل الإعلام فيها، بل غير نسبياً مشهدها الإعلامي، إن كان من حيث الملكية و السيطرة، أو الوظيفة و الدور، أو التواصل و التفاعل، أو النشر و التعبير، فضلاً عن إن هذا التحول نفسه أنهى أيضاً عصر إحتكار الجهات الرسمية و الأحزاب الحاكمة و مؤسساتهم الإعلامية لمنابر النشر و التعبير، أو الإعلام و الإتصال، وأرغمهم على تجديد أساليب التعاطي مع هذه الظاهرة الخارقة لجغرافيا الدولة و الوطن.
و يعتبر هذا التغيير الذي يشهده الإعلام، إن كان في ساحة كُردستان العراق أو أي مكان آخر، بمثابة عهد جديد لهذا النشاط الإنساني. أنه، كما يقول الباحث و الإكاديمي "د.علي رمال"، عهدنا نحن بإمتياز و زمن إعلام المواطن(1).
كما و أصبح الإعلام الجديد و وسائله المختلفة، التي تُساهم اليوم حتى في تحقيق نقلة نوعية في طبيعة عمل الإعلام التقليدي، محلاً لإهتمام الأحزاب السياسية في كُردستان العراق و لجوئهم منذ بداية إنتشار هذه الوسائل، الى كل السبل الممكنة من أجل إستغلال ما يتيحه هذا الأخير من فرص و إمكانيات، للمزيد من التواصل مع الجمهور و التأثير عليه و كسب ولائه و بالتالي تأجيج الصراعات السياسية مع القوى المنافسة تبعاً للإهداف السياسية و الإنتخابية، أو حتى الفئوية و الشخصية!
في هذه الورقة، نسعى الى تسليط الضوء أولاً على ماهية الإعلام الجديد و خصائصه و وسائله، و بالتالي التركيز على دور أحد أبرز هذه الوسائل التي تتمثل في "الفيسبوك/Face book "، و بعد ذلك نقف على واقع الإعلام في كُردستان العراق لنفهم المُستجد الذي يدخله هذا المتغير، ثم الشروع في حيثيات توظيف الأحزاب السياسية في كُردستان لوسائل الإعلام الجديد و الفيسبوك تحديداً، و ذلك بذكر النماذج الحية التي تؤكد هذا التوظيف و نتائجها السياسية و المجتمعية.
&
ماهو الإعلام الجديد؟
لا مراء من ليس هناك أي إجماع أو إتفاق على تحديد تعريف جامع و شامل لظاهرة الإعلام الجديد، و ربما مرد ذلك كثرة الإبعاد و العناصر التي تتضمنها الظاهرة، فهو، كما نعلم، له مسميات عديدة، منها على سبيل المثال: الإعلام الرقمي، الإعلام التفاعلي، إعلام المعلومات، إعلام الوسائط المتعددة، الإعلام الشبكي الحي على خطوط الاتصال، الإعلام السيبروني، والإعلام التشعيبي.
&
تعريف الإعلام الجديد:
و مع ذلك سنذكر هنا عدة تعاريف لتوضيح معالم مفهوم هذه الظاهرة:
1- بحسب تعريف قاموس التكنولوجيا الرقمية": هو إندماج الكمبيوتر وشبكات الكمبيوتر والوسائط المتعددة".
2- و بتعريف " ليستر:" هو مجموعة تكنولوجيات الاتصال التي تولدت من التزاوج بين الكمبيوتر و الوسائل التقليدية للإعلام، والطباعلة والتصوير الفوتوغرافي والصوت والفيديو(1).
3- هو العملية الاتصالية الناتجة من إندماج ثلاثة عناصر هي الكمبيوتر والشبكات والوسائل المتعدددة (2).
&
خصائص الإعلام الجديد:
يتميز الإعلام الجديد بالعديد من الخصائص، منها، على سبيل المثل، التفاعلية، التي يعني أن القائم بالاتصال والمتلقي يتبادلون الأدوار، وتكون ممارسة الاتصال ثنائية الاتجاه وليست في اتجاه أحادي. و اللاتزامنية التي تعني إمكانية التفاعل مع العملية الاتصالية في الوقت المناسب للفرد، سواءاً كان مستقبلاً أو مرسلاً، و المشاركة و الإنتشار، التي تتيح لكل شخص أن يكون ناشراً يرسل رسالته إلى الآخرين، و كذلك الحركة والمرونة، مثل الحاسب المتنقل، وحاسب الانترنت، والهاتف الجوال، والأجهزة الكفية، بالاستفادة من الشبكات اللاسلكية، ثم خاصية الكونية التي تعني إن بيئة الاتصال أصبحت تتخطى حواجز الزمان والمكان والرقابة، و كذلك خاصية إندماج الوسائط، المتمثلة في إستخدام كل وسائل الاتصال، مثل النصوص، والصوت، والصورة الثابتة، والصورة المتحركة، والرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد، هذا فضلاً عن خصائص أخرى عديدة مثل الإنتبــاه و التركيز، أو التخــزين و الحفظ و غيرها.. (3).
&
وسائل الإعلام الجديد:
تعددت وسائل الإعلام الجديد وأدواته، وهي تزداد تنوعاً ونمواً وتداخلاً مع مرور الوقت، ومن هذه الوسائل: المحطات التلفزيونية التفاعلية، والكابل الرقمي، والصحافة الإلكترونية، ومنتديات الحوار، والمدونات، والمواقع الشخصية والمؤسساتية والتجارية، ومواقع الشبكات الاجتماعية، ومقاطع الفيديو، والإذاعات الرقمية، وشبكات المجتمع الافتراضية، والمجموعات البريدية، وغيرها.
بالإضافة إلى الهواتف الجوالة التي تنقل الإذاعات الرقمية، والبث التلفزيوني التفاعلي، ومواقع الانترنت، والموسيقى، ومقاطع الفيديو، والمتاجرة بالأسهم، والأحوال الجوية، وحركة الطيران، والخرائط الرقمية، ومجموعات الرسائل النصية والوسائط المتعددة، و مع ذلك كله، نجد دوماً أن أهم الوسائل التي تتصدر الواجهة و تخطر كثيراً في أذهنانا مع كل إشارة الى الإعلام الجديد،هو تلك الوسائل المرتبطة بمواقع التواصل الإجتماعي، مثل:
1- تويتر: الذي هو موقع التدوين المصغر و يختص بتدوين الروابط.
2- يوتوب: الذي يمثل الموقع الخاص بالتدوين المرئي.
3- بلوجر: الذي يختص بالتدوين النصي.
4- بودوكاست: الذي خصص للتدوين الصوتي.
5- الفليكر: الخاص لتدوين الصور
6- الفيسبوك: المُكرس للتواصل و الحوار(1)..
و هنا يهمنا الوقوف تحديداً على هذا الأخير، أي الفيسبوك، الذي هو من أكثر المواقع شعبيةً حتى الآن في الكثير من دول المنطقة و العالم(2)، من بينها العراق و أقليمه الشمالي "كُردستان العراق".
&
الفيسبوك، الوسيلة الأبرز للإعلام الجديد
بداية يجب أن نشير الى أن الفيسبوك هو شبكة إجتماعية أستأثرت بقبول و تجاوب كبير من الناس خصوصاً من الشباب في جميع أنحاء العالم، و هي لا تتعدى حدود مدونة شخصية في بداية نشأتها في شباط عام(2004) في جامعة (هارفارد) الأمريكية، إلا ن هذه الشبكة تحتل حالياً، من حيث الشهرة و الإقبال، المركز الثالث بعد موقعي(غوغل و مايمكروسوفت) و بلغ عدد المشتركين فيها أكثر من 800 مليون شخص و أصبح مؤسس الفيسبوك (مارك زوكربيرج) أصغر ملياردير في العالم و هو في السادس و العشرين من عمره، و تقدر قيمة الفيسبوك أكثر من ( خمسة عشر) مليار دولار، و هناك تقرير تشير الى أن قيمته أرتفعت الآن الى (خمسة وستين) مليار دولار أمريكي، وذلك بفعل الأحداث العالم الأخيرة و خصوصاً ثورات (الربيع العربي)(3).
&
ثلاثة وظائف للفيسبوك:
و للفيس بوك ثلاثة وظائف رئيسية، أبرزها، هي:
أولا: أنه وسيلة لزيادة مساحة إنتشار المادة الإعلامية المنقولة اليه من وسائل أخرى، و هذا السياق تُعيد وسائل إعلامية نشر موادها على صفحاتها على الفيسبوك، بالإضافة الى قيام بعض كتاب الرأي بإعادة نشر مقالاتهم على صفحاتهم الخاصة و كذلك الأمر بالنسبة الى القائمين على برامج تلفزيونية و إذاعية و حصولهم على رجع صدى إضافي.
ثانياً: توفير الفرص للصحفيين للحصول على أحدث المعلومات عن الجهات العامة و الخاصة و الشخصيات العامة، اللذين لديهم صفحات على الفيسبوك، و كذلك الوصول اليهم و التعرف على نشاطاتهم الجديدة فضلاً عن إمكانية التواصل معهم.
ثالثاً: يتيح الفيسبوك المجال لإنشاء صفحات تجمع المهتمين بأي شان مشترك، بما يجعله بمثابة نقطة التقاء أفتراضية تتجاوز حدود الإدارة المؤسسية محلياً و دولياً. و قد يكتفي هؤلاء بالتعبير عن حجم التأييد أو المعارضة، و قد يمضون الى سلوك ميداني، و في الحالتين تمثل هذه الصفحات مقدمة لتغطية إعلامية، كل هذا فضلاً عن أن الفيسبوك يوفر لكل مشترك فيه الفرصة لتغطية الأحداث بوسائط متعددة و بالتالي إمكان إذاعتها لجمهور واسع من دون الحاجة الى الإلتزام بمعايير وسائل الإعلام التقليدية أو الصحافة الألكترونية. و الواقع أن بعض هذه التغطيات تنتقل الى وسائل الإعلام التقليدية و الصحافة الإلكترونية (1).
&
الدور السياسي للفيس بوك
و على ضوء الوظائف التي ذكرناها، بالذات، ثمة دراسات عديدة اليوم تفيد بأن الفيسبوك و المواقع الأخرى للتواصل الإجتماعي كجزء من الإعلام الجديد، لعبت دوراً كبيراً في حشد وصوغ الرأي العام و توسيع دائرة التواصل الإجتماعي الهادف و الإلتقاء الإفتراضي بين النشطاء و إستقطاب الفئات الإجتماعية حول الكثير من القضايا السياسية، وذلك من خلال المساهمات الفعالة على صفحات الفيسبوك و ما تقوم به أصحاب هذه الصفحات من نشرهم للصور و الرسوم، أو التعليقات و الفيديوهات، أو المعلومات و الوثائق، التي تكشف وجوه الفساد في الدولة و مؤسساتها، أو تفضح الخروقات الكبيرة لحقوق الإنسان، أو مظاهر الإستبداد و الممارسات القمعية للسلطات، أو أشكال النهب و السلب لثروات و خيرات الوطن، أو فساد المسؤولين و الحكام..الخ.
و يحدث كل ذلك دون شك، من دون سيطرة الدولة و سلطاتها على هذه الظاهرة الإعلامية الجديدة و التحكم بها حسب ما تشاء، و الفضل في ذلك يعود الى الثورة التكنلوجية و ظاهرة العولمة و فتح الفضاءآت و تجاوز الجغرافيا المحلية، و ربما لهذا السبب تحديداً سمي الإعلام الجديد و وسائله، من قبيل الفيسبوك و تويتر و يوتوب، بـ"إعلام المواطن" و إعلام التغيير، أو إعلام الحريات المطلقة و زعزعة الأنظمة السياسية، أو إعلام تحريض و تعرية المحظور و كشف المستور(2).
و قد ذهبت العديد من الدراسات العلمية، من بينها دراسة جامعة واشنطن(2011) حول "دور الإعلام الإجتماعي في تفعيل الثورات العربية"، بأن ثورات (الربيع العربي)، هي، في جزء كبير منها، نتاج هذه الوسائل الفعالة للإعلام الجديد(3). و هذا ما دفع الكثير من الدول و الإنظمة، أو التيارات و الأحزاب السياسية في منطقة الشرق الأوسط الى المزيد من الإهتمام بهذه الظاهرة الإعلامية الجديدة و محاولة السيطرة عليها، أو الحد من تأثيراتها السياسية و الأمنية، أو توظيفها و إستغلالها لإهداف خاصة بها.
&
الإعلام في كُردستان العراق
قبل أن نتطرق الى ظاهرة الإعلام الجديد في كُردستان العراق و إستغلال الأحزاب له و توجيه وسائله في تأجيج الصراعات السياسية، نذكر بعجالة واقع الإعلام في كُردستان.
كل من له خلفية عن واقع الإعلام في هذا الإقليم يعلم بأن معظم المؤسسات و المنابر الإعلامية كالفضائيات والصحف و المجلات و الإذاعات و المواقع الإلكترونية، هي، من حيث الملكية و التمويل، تابعة للأحزاب السياسية، و خصوصاً الأحزاب الحاكمة و على رأسهم الحزب الديمقراطي الكُردستاني بزعامة البرزاني (الرئيس الحالي لأقليم كُردستان) و حزب الإتحاد الوطني الكُردستاني بزعامة الطالباني (الرئيس العراقي السابق)، و أحزاب أخرى فاعلة على الساحة السياسية، مثل حركة التغيير(گۆڕان(، و الإتحاد الإسلامي و الجماعة الإسلامية. وتعود ملكية عدد قليل من المؤسسات الإعلامية الأخرى الى القطاع الخاص، رغم التشكيك في إستقلالية العديد من هذه المؤسسات.
&
واقع الإعلام الحزبي
من المعلوم أن أغلب الأحزاب في كُردستان العراق، هي أحزاب مُشارِكة في العملية السياسية إن كان ذلك من خلال وجودهم في الحكومة أو البرلمان أو الهيئات السياسية العليا الوطنية، أما وجود أحزاب أخرى معارضة تتبنى خطاب إعلامي مُعارض و مؤثر على الرأي العام في الإقليم، فهو معدوم تماماً، خصوصاً مع دخول ثلاثة من أكبر أحزاب المعارضة الى الحكومة بعد الإنتخابات التي أجريت في 21 سبتمبر2013على مستوى الأقليم، و هُم إجمالاً يشكلون نسبة (30%) من مقاعد البرلمان، الأمر الذي أنعكس سلباً على الوظائف الديمقراطية للإعلام، التي تتمثل في كشف حالات الفساد والإهتمام بمشاكل المواطنين، فضلاً عن حرية النقد والرقابة على المؤسسات الحكومية و المسؤولين، وذلك كله بذريعة وجود حكومة ذات قاعدة عريضة في الأقليم تُمثل الجميع، هذا في الوقت الذي كان يتمتع فيها الأقليم سابقاً بنوعين من الإعلام، الأول كان إعلام السلطة، التابع للحكومة و الأحزاب الحاكمة، و الثاني إعلام المُعارضة. و قد كان بإمكان المواطن آنذاك الحصول على معلومات أكثر عما يحدث في الأقليم، إلا أن تحول المعارضة الى أحزاب مُشارِكة في الحكومة غيّر المسار و تسبب في تراجع تلك الوظائف الإعلامية الحيوية.
وقد أدى ذلك دون شك الى إضعاف مصداقية الإعلام الحزبي في الأقليم عموماً، ولكن دون أن يعني هذا إطلاقاً نهاية المنافسة و الصراع السياسي بين الأحزاب، و إنما على العكس تماماً، أثقل هذا الواقع- إعلامياً- كاهل هذا الصراع أكثر فأكثر!، و أجبره على أن يتجسد في خطاب إعلامي مُحرج و مزدوج في آن واحد، يظهر لنا أحياناً بمظهر إعلام مُعارض للحكومة و السلطة و أحياناً أخرى كلسان حال السلطة و الحكومة!.
&
مشاكل الإعلام الحر
و في مقابل ذلك الواقع الذي أفرزته تجربة الإعلام الحزبي في كُردستان العراق و تداعياته السلبية، لم يستطيع الإعلام الحر/الخاص/الأهلي، أن يسد فراغ الوظائف الديمقراطية للإعلام و يمثل تطلعات عامة المواطنين بشكل مطلوب، ذلك لأن هذا النمط من الإعلام كان يعاني أساساً و لايزال من عدة مشاكل و إشكاليات، أو عوائق و تحديات، أبرزها، هي:
1- قلة التجربة و الخبرة في مجال الإعلام الحر و المستقل(1).
2- إنعدام المعلومات الكافية، التي يمكن الحصول عليها لمتابعة الملفات و القضايا التي تهم حياة المواطنين.
3- ضعف الكفاءآت و القدرات المهنية المطلوبة و الكوادر اللازمة.
4- تبعية بعض القنوات الإهلية للإحزاب و فقدانها لعنصر الحياد و الموضوعية، أو الأهداف الموضوعة(1).
5- ضغوطات الأحزاب الحاكمة على الإعلام الحر و تعرض عدد من الصحفيين و الإعلاميين في هذا القطاع لحالات الضرب و الإعتقال، أو السجن و الإغتيال(2).
&
إعلام ضخم و لكن!
وبالرغم من أن ثمة معلومات مؤكد تفيد بأن وصل عدد القنوات الإعلامية في كُردستان العراق اليوم الى ما يقارب من (959) قناة، (712) منها تُشكل الإعلام المكتوب/المطبوع، و(183) منها الإعلام المسموع، و (109) منها الإعلام المرئي، بحيث يتضمن هذا الأخير لوحده أكثر من (36) فضائية(3)، إلا إن كل هذه الكمية الهائلة من القنوات و المؤسسات الإعلامية لم تسفر في النهاية عن الحد من سعي الأحزاب السياسية الكردية للسيطرة على عالم الإعلام، و إنما وصل الأمر الى التغلغل في الإعلام الجديد و وسائله أيضاً، وذلك بعد أن ظهرت - مع هذا الأخير- عدة تطورات، دفعت بهذه الأحزاب الى التوجه نحو هذا الإعلام، و أبرز هذه التطورات،هي:
1- إرتفاع نسبة مستخدمي الإنترنت في كُردستان العراق الى (70%)، خاصة بعد أن وصل عدد الشركات الخاصة بالإنترنت في الإقليم عام 2015 الى حدود (27) شركة(4).
2- إنخفاض نسبة إشتراك المواطنين للصحف و المجلات و المنشورات الحزبية.
3- إرتفاع نسبة مشاركة المواطنين في شبكات التواصل الإجتماعي و تزايد أعداد أصحاب الصفحات على موقع الفيسبوك.
4- بروز دور موقع الفيسبوك في تعبئة الجماهير وإثارة الشارع و الرأي العام الكردي حول العديد من القضايا السياسية و المجتمعية(5).
5- حاجة الإعلام التقليدي للأحزاب السياسية الى الإعلام الجديد و وسائله للخروج من نطاق إرسال الرسائل الى المتلقي عبر تقنيات الإعلام التقليدية في البث و النشر و زيادة الإهتمام بالمواقع الإلكترونية و شبكات التواصل الإجتماعي.
6- إتاحة وسائل الإعلام الجديد و موقع الفيسبوك تحديداً، فرص ثمينة للإحزاب السياسية لإستغلال هذه الظاهرة و فتح مئات بل آلاف الصفحات و الحسابات المزيفة في الفيسبوك من أجل إدارة الصراع مع الأحزاب المنافسة.
&
آاليات التوظيف و الإستغلال!
و منذ أن تعاظم دور الإعلام الجديد في كُردستان العراق و أنتشر وسائله المختلفة و الأكثر تأثيراً مثل الفيسبوك، دأبت الأحزاب السياسية في كُردستان العراق على توظيف هذا الإعلام بصورة واضحة، وذلك لتحقيق أهداف مختلفة، منها سياسية و إنتخابية، أو دعائية و تضليلية، أو فئوية و شخصية!. وقد أستطاعت هذه الأحزاب التوغل في عمق الإعلام الجديد و شبكات التواصل الإجتماعي و الفيسبوك بآليات و طرق عديدة، أبرزها هي:
1- إعادة نشر كافة رسائلها الإعلامية المنشورة في القنوات المرئية و المسموعة و المكتوبة، على المواقع الإلكترونية و على صفحات الفيسبوك الخاصة بتلك القنوات.
2- إنشاء المئات و الآلاف من الصفحات و الحسابات المزيفة في الفيسبوك لغرض التشهير و التهجم على الأحزاب المنافسة و تسويق الدعاية السياسية و الحرب النفسية ضد الخصوم، فضلاً عن فتح حسابات مزيفة أخرى مهمتها الإساسية هي إنتحال الشخصيات الحزبية و كبار المسؤولين أو الكوادر المتقدمة في الأحزاب المنافسة والتحدث بلسانهم على الفيسبوك لأغراض دعائية و تضليلية و سياسية.
3- تشكيل شبكات و جماعات حزبية و تنظيمية شابة و ذات خبرات عالية في مجال تكنولوجيا المعلومات (IT) بهدف سرقة حساب المسؤولين و الحزبيين على الفيسبوك أو الصفحات الحزبية الرسمية للأحزاب المنافسة و قرصنة المعلومات الشخصية و السياسية و السرية.
4- إنشاء صفحات خاصة بالمراكز و المؤسسات الحزبية على موقع الفيسبوك و تكريسها لأغراض دعائية و سياسية للحزب و الرد على الدعاية المضادة، فضلاً عن المشاركة في الحملات الإعلامية و التعبوية في المناسبات الحزبية أو الإحداث السياسية التي تتطلب بيان الموقف الحزبي تجاهها.
5- توريط الإعضاء و المؤدين للحزب، الذين لديهم صفحات على الفيسبوك، في الصراعات السياسية مع الأحزاب الأخرى المنافسة، و ذلك من خلال إثارة مواقف و قضايا سياسية تُحرك النزعة الحزبية لديهم وتجبرهم على المشاركة في الدفاع عن سياسات الحزب الذي ينتمون اليه.
&
ماذا نستنتج؟
بعد تشخيص جوانب عديدة لمفهوم الإعلام الجديد و خصائصه و وسائله و الدور الذي يقوم به كمتغير جديد في عالم الإعلام و التواصل، أو البث و النشر و التأثيرات التي تركتها على الساحة السياسية في أقليم كُردستان العراق، لاسيما الدور الذي لعبه الفيسبوك في تأجيج الصراعات السياسية في الأقليم و حيثيات توظيفها سياسياً من قبل الأحزاب الكردية، نستنتج هنا جملة من الأمور يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
1- إن الإعلام الجديد، غيَّر المشهد الإعلامي في كُردستان العراق الى حد ما، و قد أصبح للمواطن الكردي أيضاً منابر إعلامية خاصة بها بعيدة عن إحتكار السلطات و تدخلاتها، كما أرغم هذا الإعلام الأحزاب السياسية على الإقرار بدوره في مجال السياسة.
2- إن الفيسبوك، هو الموقع الأكثر شعبية من بين مواقع التواصل الإجتماعي في كُردستان العراق، و هو من كان وراء تنظيم الكثير من الإحتجاجات و المظاهرات التي حصلت في الإعوام الأخيرة على غرار ما حدث في الربيع العربي، وهذا ما يفسر لنا أيضاً سعي الأحزاب الكردية للتغلغل في روح هذا العالم الإفتراضي من خلال الآليات و الطرق الخاصة بها.
3- يتيح الإعلام الجديد، لكل من يتعاطى معه، فرص التعبير عن نفسه و نشر كل ما يرغب في نشره بدون قيود أو أي مقص رقيب، و هذا ما أغرّت الأحزاب السياسية في كُردستان العراق أيضاً على أن تستغل هذه الظاهرة الإعلامية و توظفها سياسياً لأهداف خاصة بها.
4- الإعلام الجديد، هو الآخر، لا تمثل في النهاية، سوى وسائل أخرى جديدة و متطورة للإعلام و النشر، أو التواصل و التحاور، و عليه قد نُسيء أو نُحسن إستخدامها، و الأمر برمته مرهون بنا نحن بني البشر، و هذا ما حصل و يحصل في تجربة أقليم كُردستان العراق و مسار الصراعات السياسية بين الأحزاب.
5- ساهم الإعلام الجديد في كُردستان العراق أيضاً في تجديد الإعلام التقليدي و جعله مضطراً لأن يواكب متطلبات هذا العصر، لاسيما من حيث السرعة و تعدد وسائل البث و النشر، و هذا ما هو حاصل مع مؤسسات الأحزاب السياسية في الأقليم أيضاً.
&
المصادر:
الكتب:
1- البيض، سالم، 2012، الإعلام الجديد...لمحة وتعريف، بدون ذكر مكان النشر و جهة الناشر.
2- حسونة، نسرين، ب.ت، الإعلام الجديد: المفهوم و الوسائل و الخصائص و الوظائف، شبكة الألوكة، بدون ذكر المكان.
3- المحارب، سعد بن محارب، 2011، الإعلام الجديد في السعودية، بيروت، جداول للنشر و التوزيع.
مجلات و صحف:
4- بهپێیی ئامارێكی گوڵان 52% بهكارهێنهرانی ئهنتهرنێت له كوردستان كچان و ژنانن، تقرير خبري، مجلة (گوڵان)، أسبوعية سياسية ثقافية، أربيل، العدد (923).
5- الرفاعي، محمد خليل، دور الإعلام في العصر الرقمي في تشكيل قيم الأسرة العربية، مجلة جامعة دمشق، العدد الأول+الثاني، 2011.
6-عبدالله، عدالت، ئایا كورد میدیای ههیه؟، جريدة (كُردستاني نوي)، الناطقة باللغة الكردية، العدد:(6681)، يوم 17/5/2015.
محاضرات و بحوث:
7- رمال، علي، محاضرة لمادة "سمينار" عن الإعلام الجديد، قسم الدراسات العليا، كلية الإعلام، جامعة الجنان، يوم 16/5/2015.
8- المنصور، محمد، 2012، تأثير شبكات التواصل الإجتماعي على جمهور المتلقين، دراسة مقارنة للمواقع الإجتماعية و المواقع الإلكترونية، رسالة ماجستير في الإعلام و الإتصال قُدمت مجلس كلية الآداب و التربية/ الأكاديمية العربية في الدانمارك.
مواقع ألكترونية:
9-. علي،عماد، افتعال الازمات بين السلطة و الاعلام الاهلي في كوردستان، لمصلحة من؟، موقع الحوار المتمدن، العدد:(3127)، يوم 17/9/2010، تاريخ البحث عن الموضوع 28/5/2015، الرابط: =http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=229328&nm
10- على الرغم من تباطؤ النمو.. فيس بوك الشبكة الاجتماعية الأكثر شعبية، تاريخ البحث عن الموضوع 28/5/2015، أنظر الى هذا الرابط: wd.com/wd/2015/01/15-http://www.tech
التعليقات
الاستاذ عدالت
شيركو -بحث جيد في موضوع الاعلام او بصريح العبارة( الدعاية ) والتي اوجدها النظام النازي الهتلري واعلنها باسمها وغايهتا الصريحة وهي الدعاية وليس الاعلام لان النظام النازي كان نظام شمولي وبينما الان لو دققنا الامر والذي لا يحتاج الى جهد عملي بل الجهد هو التذكر فقط نجد ان في الدول الديمقراطية والحضارية لا توجد وزارة او هيئة تسمى الاعلام بنما نجد لدينا كل دائرة او مؤسسة صغيرة او كبيرة يوجد فية شعبة خاصة بالاعلام وناطق رسمي لها فلو سالت سياسيا غربيا عن سبب عدم وجود وزارة للاعلام لديهم فمن الممكن ان يستهزىْ بالسؤال ويقول لك نحن ( لا نضحك على الذقون ) ومن باب الامانة يجب ان نذكر ان الرئيس المصري عبد الناصر هو اول من اوجد او استحدث في منطقتنا والشرق الاوسط وزارة باسم الاعلام و اضاف الى جانبها كلمة ( الثقافة ) لتمويه المواطن وتدجين السياسيين والمثقفين والكتاب وفيما بعد حذت الدول العربية الاخرى حذوها اما للتطبيل لها او لممواجهتها ..ولو عرفنا مدى الاموال التي تصرف لاجهزة الاعلام في نشاطاتها وفعاليتها وتفعيل ممارساتها للاشخاص او المؤسسات في كل مناطقنا لوجدنا المبلغ يشيب لها الولدان فهو يوازي مخصصات دوائر المخابرات التي تصرف لفعالياتها وعملياتها ..مع تحياتي .