كتَّاب إيلاف

واقع استراتيجي جديد في الخليج العربي

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


لم يكن التوصل إلى الاتفاق النهائي حول البرنامج النووي الايراني بين طهران ومجموعة"5+1"، والذي تم الاعلان عنه اليوم الثلاثاء، أمراً مفاجئاً بالنسبة لمتابعي هذا الملف الحيوي، لذا فإن الخبر الأهم في هذا السياق هو فحوى هذا الاتفاق وتفاصيله وليس في الاتفاق ذاته، فهناك خارطة طريق وقعها رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو مع الوفد الإيراني المفاوض حول عدد من القضايا الجوهرية، وهناك اتفاق حول شروط رفع العقوبات والحظر الأممي على تصدير الأسلحة إلى إيران وغير ذلك من تفاصيل بالغة الأهمية.
تجاوزت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المرحلة الأولى في الاتفاق مع إيران بالتوصل إلى اتفاق فيينا، ويتبقى أمامها اختبار الكونجرس، الذي يراهن عليه البعض لإفشال هذا الاتفاق، خصوصا بعد أن فقدت إدارة اوباما الأمل في كسب تأييد الجمهوريين لهذه الخطوة، وتحولت الأنظار إلى الكونجرس، الذي منح نفسه في وقت سابق من هذا العام صلاحية مراجعة الاتفاق. عملياً، لن يكون من السهل على الكونجرس الأمريكي عرقلة هذا الاتفاق، حيث يحتاج المعارضون إلى ثلثي أصوات الأعضاء لمنع الاتفاق، ما يتطلب تخلي عدد كبير من الديمقراطيين عن الرئيس، وهذه مسألة إجرائية وسياسية غير متوقعة لاسيما بعد الجهود التي بذلها البيت الابيض مع النواب الديمقراطيين في الكونجرس، بل إن من الوارد أن يحجم الكونجرس عن إجراء تصويت بشأن هذا الاتفاق.
لم يكن من المرجح أن يكون الاتفاق النووي مع إيران موضع قبول أمريكي واسع النطاق، وهذا ماحدث بالفعل حيث وصفته صحيفة "واشنطن بوست" منذ أيام بأنه "أسوأ اتفاق في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية" ولكن ينبغي أيضا التعامل مع هذه الأمور بدقة وحذر بالغين لأن الاعلام الأمريكي يجيد لعبة توزيع الأدوار ويستخدم في معظم الأحيان كورقة ضغط على أطراف الخارج لا الداخل، وبالتالي ربما يكون جزءا ولو ضئيلا من حملة الانتقادات الموجهة ضد هذا الاتفاق قبل توقيعه وسيلة ضغط على الإيرانيين للقبول بحلول وسط وتفهم موقف إدارة اوباما التي تسوق الهجوم الاعلامي الداخلي ضدها باعتباره رفضا حقيقيا للاتفاق!.
المهم في المسألة أن هذا الاتفاق هو اختبار تاريخي لأحلام الرئيس أوباما الهادفة إلى تحويل إيران إلى "قوة إقليمية ناجحة وطبيعة ومقبولة" وتلك مسألة يصعب التيقن من تحققها ولو على المدى البعيد لسبب بسيط أنها تتنافر تماما مع الفكر الأيديولوجي للنظام الذي يمتلك نظرة توسعية مذهبية ترتكز عليها شرعيته السياسية وصدقيته وسط اتباع وأنصاره في الداخل والخارج.
هذا الاتفاق ، ببنوده المعلنة حتى الآن، ينطوي على مكاسب ظاهرية عدة لإيران، فقد كان من المفترض أن تُجرى عمليات التفتيش في أي مكان وزمان ودون عوائق وفقا لما ينص عليه البروتوكول الاضافي لمعاهدة حظر الانتشار النووي، ولكن الاتفاق النهائي قد توصل فيما يبدو إلى صيغة دخول مقيدة برغبة القوى الكبرى مع منح حق الاعتراض على التفتيش لإيران، مايعني نزع فاعلية "المفاجأة" عن هذه الصيغة، وتحويل التفتيش إلى إجراء روتيني يمكن لإيران التهرب من استحقاقاته ومعاييره المشددة. نجحت إيران أيضا في الافلات من فكرة الافصاح عن "جميع" الأنشطة النووية السابقة، حيث كانت واشنطن تصر على ان الماضي يفتح مجال لفهم نوايا المستقبل، ولكن طهران تهربت من ذلك بل إن الجانب الأمريكي قد دافع عن التخلي عن شرط السماح للمفتشين بمقابلة العلماء النوويين الإيرانيينوالاطلاع على الخطط ومنشآت الأسلحة بقوله أنه لا حاجة لذلك، وأن التركيز ينبغي أن يكون على المستقبل وليس الماضي، والتأكيد على أن واشنطن "على معرفة تامة ومطلقة" بتفاصيل البرنامج النووي الإيراني.
الجانب الأمريكي يرى أن المحاسبة الجادة للإيرانيين ومحاكمة نواياهم ستكون بعد توقيع الاتفاق النهائي، ولكن هناك من يقول أن من تهرب من استحقاقات الماضي لن يكون من الصعب عليه أن يفلت من التزامات المستقبل، وهذا أمر معقول برأيي من الناحية الواقعية، فإيران التي استطاعت خوض مفاوضات ماراثونية طيلة العامين الأخيرين أنهكت خلالها الطاقات الدبلوماسية للمجموعة الدولية انتزعت مكاسب هائلة من خلال هذا الاتفاق منها رفع حظر التسلح ولو بعد خمسة اعوام، ورفع الحظر عن شركات الطيران الايرانية والبنك المركزي الايراني وشركات النفط الإيرانية، فضلا عن تجاوز فكرة رفع العقوبات التدريجي، واتفق على أن تحصل فوراً على 150 مليار دولار، وهو مبلغ كاف للغاية لتكثيف التدخل الإيراني من اليمن إلى لبنان والبحرين، وتغذية خطط التوسع الإيراني الإقليمي على حساب المصالح العربية.
يقول البعض أن هذا الاتفاق لن يجعل إيران والولايات المتحدة صديقين حميمين الفترة المقبلة، وهذا صحيح إلى حد ما ولكنه ليس بشكل مطلق، فلا ينبغي تجاهل تأثير عامل المصالح المشتركة التي دفعت كل من وزيري الخارجية جون كيري وجواد ظريف لاقامة حوار فعال ومثمر رغم تباين لغة الخطاب ووجهات النظر وحتى السمات الشخصية، فالعلاقات الأمريكية ـ الإيرانية لن تصبح "دافئة" بين عشية وضحاها في ظل موروث العداء المتواصل من أكثر أربعة عقود، فضلا عن تباين وجهات النظر حيال الكثير من قضايا المنطقة والعالم، وبالتالي فالاتفاق قد لا يعني& بالتبعية الصداقة الحتمية خلال المدى المنظور، ولكن من كان يصدق أن تصبح الصين والولايات المتحدة شركاء استراتيجيين قبل عقدين أو ثلاثة عقود من الآن؟ وكما ذكرت تريتا بارسي, رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي في تصريحات صحفية أنه& من الممكن بناء الثقة بين البلدين كما بنيت بين وزيري الخارجية كيري وظريف وبقية وفدي البلدين اللذين تنقلا عبر محطات تفاوضية شتى منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى السلطة. ومن ثم، فإنني اعتقد أن التقارب الايراني ـ الأمريكي بات في حكم المتوقع خلال عقد أو أقل من الآن، وهذا الأمر ينطوي على تحولات استراتيجية جذرية في معادلات الامن والاستقرار الاقليمي القائمة منذ نحو عقدين واكثر في منطقة الخليج العربي، وهذا الأمر يتطلب قدراً عالياً من التنسيق والتشاور بين دول مجلس التعاون من أجل الحفاظ على مصالحها في بيئة تعيش مخاض تحولات جذرية في أنماط التحالفات الاستراتيجية بين القوى الاقليمية والدولية.
وأخيرا، قد لا أجد ـ كمراقب ـ وصف أفضل لهذا الاتفاق مما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" التي ذكرت& منذ أيام أنه "يضمن للرئيس اوباما الإرث العظيم الذي يرغب في تركه ورائه، وسيعزز فرص فوز وزير الخارجية جون كيري بجائزة نوبل للسلام الذي يامل الحصول عليها، ويضمن بناء إيران للقنبلة النووية". لذا، فإن الاتفاق النهائي بمحتواه المعلن إعلاميا ـ حتى الآن ـ يعني ميلاد واقع استراتيجي جديد في منطقة الخليج العربي.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هل يقرأ العرب هذا الاتفاق
أبو حسين -

هذا الاتفاق كارثة جديدة على رأس العرب واعتراف دولي امريكي بإيران قوة نووية سلمية قادرة على التحول في غضون شهور الى قوة عسكرية نووية إن لم تكن قد امتلكت بالفعل قنبلة نووية نجحت في اخفائها عن عيوب الرقابة الغربية !!! المشكلة الان أن الوقت اصبح متأخرا بالنسبة للعرب كي يبحثوا عن موقع جديد وسط هذا الانجراف الغربي نحو ايران، ويبدو ان القرن الجديد هو قرن ايران حيث بات الغرب يعمل بكل قوته على تفتيت المنطقة العربية وتفكيك دولها الكبرى في حين يتقارب مع ايران فهل يقرأ العرب نصوص هذا الاتفاق جيدا لبناء موقف يحفظ لهم ماتبقى من مصالح !!!! أشك

هل أخذ الحقوق حرام
العرب وإيران -

عزيزي الكاتب، التوصيف في المقال وكأن ايران أعطيت اكثر من حقها ؟ المال مالها، وتشتري وتبيع ما تشاء والحصار ليس عملا عاديا بل عدائيا والنووي عملوا به علميا لأربعين عام كما باقي الدول المتحضرة ولم يسرقوه اذن لما التعجب؟ وعلاقات ايران والعالم كأي دولة لما التعجب،،؟ يريد العرب ان يستفيقوا يوما ويروا ايران زالت عن الخارطة ، لماذا؟ آلانهم شيعة؟ هل تدخلوا بأمن الكويت او السعودية او الإمارات؟

اهلا بصديق العرب بيبي
صوت المستضعفين -

ستقام مجالس العزاء بهذا المصاب الاليم في تل ابيب للرجال وستقام مجالس العزاء للنساء في عواصم العرب . وبعد كل هذا ياتيك من يقول ان ايران هي الخاسرة !!!!! الحمير الي عندنه حميييير

قراءة رائعه
فهد عبدالله -

قراءة استراتيجيه رائعه وكل ماذكر حقائق يستوجب التنبه لها المشكلة الإساسية ان الشعب الايراني أصبح مغلوب على أمره بالقمع ولا يسمح له بالتعبير عن أراءه .إقتصاد متضخم وفقر مدقع والملالي يلهثون وراء مصالحهم مع الشيطان الأكبر !!! ونسوا بانهم هم محور الشر برأي امريكا !!كيف سيستطيع حكم الملالي اقناع الشعب الايراني بعقد اتفاق مع الشيطان الأكبر !وهل يوجد مسلم يعقد اتفاقا مع شيطان.. وأكبر ؟!!!

المبالغة.
زبير عبدلله -

لننظر اولا التركيبة الاجتماعية لايران, الشعوب غير الفارسية, في ايران مجتمعة اكثر من الفرس, اثنيا, وطائفيا, اذا تحدثنا بلغة المرحلة, هذا التركيب غير المتناسق, في البنية الايرانية تجعلها معرضة للهزات الاجتماعية,مختلف الشدة وخاصة اذا كان هناكمن يهمه استغلال النقص هذا حاليا ومستقبلا...الجبهة العريضة في الحرب القائمة, والتي تخوضها ايران علنا (لبنان, سوريا, العراق, اليمن) ,سرا (داعش, طالبان, شيشاني...)سيؤدي عاجلا اما اجالا الى استجفاف,الجسم الايراني, ناهيك عن المفاجئات, ,وهي كثيرة.-المنطقة فيهها شعوب اخرى, تركيا, الكورد, اسرائيل..ولكل اجنداته...لن تسمح اسرائيل, بايران نووي ,واذا كان هناك قنوات سرية بينهم, فمن يضمن, هذه القنوات مستقبلا...وايران على قناعة, بانها ستتحول الى رماد, اذا تعرضت لاسرائيل..تركيا, اين ستكون, واين هي الان..وهل ستبقى متفرجة..وتخلي الساحة لايران...هذا غير وارد, ولن يكون...الكورد في تركيا وايران...فقط بحاجة الى دعم صادق..لتحقيق ما يريدون وما يراد منهم...ثم السباق النووي, بين العرب وايران, وقد بدات..وهل هذا حماية لاوربا, ام هي مضاعفة التهديد...كل مايخطط له محاولة للخلط المدروس. والخروج بسيناريو اكثر قبولا على المسرح..

قوة الشيعة
كريم الكعبي -

يقول الكاتب ان احلام اوباما بتحويل ايران الى قوة اقليمية . ايران فرضت نفسها على اوباما والامريكان جميعا وصارت دولة نووية مخيفة رغما عن انوف الجميع والاجمل مافيها الوحيد الرابح من هذا الاتفاق والخاسر الوحيد عرب الخليج وخاصة السعودية وقطر والامارات و وصديقتهم اسرائيل فأيران فرضت نفسها على المجتمع الدولي ولاأشك بأن 150 مليار سوف تدفعها دول الخليج رغما عن انوفهم لايران نتيجة هذاالاتفاق سبحان الله تغير كل شيء بصورة متسارعة لصالح الشيعة الايرانيين وبالنتيجة هو قوة اضافية للشيعة العرب وللشيعة في البلاد الاسلامية . سيموت كمدا عبدالله االاردني صاحب نظرية قتل الشيعة يبقى امام عربان الدولار الا دعم الارهاب الدولي الداعشي هو المتنفس الوحيد المعبر عن حقدهم الطائفي ومر ض الزهايمر الذي يعتريهم

متى يصحو العرب
علي محمد رجاي النداوي -

لماذا كل هذا الحسد والبغض الايران لمجرد تحقيقها انجاز مهم والحصول علىحقوقها المشروعة في استخدام الطاقة النووية لغراض سلمية كبقية بلدان العالم . ثم ان ماحققته ايران يعتبر انجاز اسلامي وستصبح ايران ثاني دولة اسلامية لديها طاقة نووية د.