كتَّاب إيلاف

الجزائر وسياسة الهرب إلى أمام...

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


من أطرف ما شهدته منطقة شمال افريقيا في الأسابيع القليلة الماضية، إتهام الجزائر للمغرب بالضلوع في أحداث غرداية ذات الطابع المذهبي من جهة والعرقي من جهة أخرى.
استطاعت السلطات الجزائرية تطويق الأحداث التي عصفت بالمدينة الواقعة في جنوب البلد، ولكن بعد سقوط ما يزيد على عشرين قتيلا وبعد دمار كبير لحق ببعض أحياء غرداية.
في غرداية سنّة وأباضيون. الأباضيون، وهم امازيغ، معروفون أيضا بالمزابيين، وهم من أنشط التجار في الجزائر ومن أكثر المواطنين إجتهادا. عاش العرب والأمازيغ سنوات طويلة في ظل وئام تام. لم يطرح في أيّ يوم موضوع الخلافات المذهبية والعرقية. الموضوع مستجد وبدأ يأخذ ابعادا خطيرة منذ اندلعت فجأة الصدامات في غرداية في العام 2008.
تجدّدت الإشتباكات بين العرب والأمازيع وهم أباضيون مرّات عدّة في السنوات الماضية. كانت السلطات الجزائرية تعمل في كلّ مرّة على إحتواء الوضع في المدينة، كما في غيرها من المناطق حيث توتر بين العرب والأمازيغ وبين السنّة والأباضيين.
من السهل توجيه الإتهامات للمغرب ولجهات أخرى، خصوصا أن السلطات الجزائرية ترفض مواجهة الواقع والإعتراف به. من أجل التعامي عن الواقع، ليس من طريق أقصر من طريق الهرب إلى أمام...إي إلى الإستعانة بدور وهمي للمغرب الذي يظلّ إلى إشعار آخر عقدة جزائرية. لم يكن للمغرب يوما سوى دور بناء في الجزائر، وهو سعى إلى تعاون معها في كلّ المجالات. هل من يتذكّر أنه أوّل من ساعد شعب الجزائر على تجاوز محنته في العام& 1988، فكان أوّل من قدّم للجزائر مساعدات عينية؟
ثمّة حاجة دائمة لدى النظام الجزائري إلى الهرب من الواقع. هناك& عبارة واحدة تلخّص هذا الواقع الذي له اسم. إنّه الجزائر المريضة. كيف يمكن تجاهل ذلك ما دام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يحكم البلد منذ بضع سنوات من كرسيّ نقّال، وهو يستطيع الكلام بالكاد. يحتاج دائما إلى من يخطب مكانه ومن يعبّر عمّا يقصده. لم يعد معروفا هل الجزائر هي المريض أم بوتفليقة وحده المريض. كيف يمكن لبلد أن يُبقي رئيسا عاجزا في موقعه، بل أن ينتخب هذا الرئيس لولاية جديدة، خصوصا في ظلّ حاجة الجزائر إلى رأس للدولة يتابع كلّ صغيرة وكبيرة ويعمل ما لا يقلّ عن إثنتي عشر ساعة يوميا.
هل يمكن لبلد أن يعمل بشكل طبيعي، بينما رأس الدولة يعاني مما يعاني منه عبد العزيز بوتفليقة؟
كان يمكن التغاضي عن مرض بوتفليقة لولا أن النظام في الجزائر نظام شبه رئاسي. رئيس الجمهورية يمتلك صلاحيات كبيرة جدا في كلّ مجال، خصوصا عندما يتطلّب الأمر إتخاذ قرارات خطيرة من نوع كيف التصدي لمشكلة معقدة، باتت مشكلة مزمنة لها أكثر من بعد، كمشكلة غرداية...
مشاكل الجزائر لا تحصى ولا تعدّ. غرداية جزء صغير من هذه المشاكل. لكنّ هذا الجزء من المشاكل الجزائرية يمكن أن يتطور نحو الأسوأ في سرعة رهيبة وأن يتّخذ طابعا وطنيا في غياب البحث عن حلول جذرية تقوم أول ما تقوم على المساواة بين الجزائريين واعتماد خطط للتنمية.
هل يعقل أن تكون هناك مناطق جزائرية، بعضها ملاصق للمدن الكبرى، تعاني من فقر مدقع لا وجود لمثيل له حتّى في بنغلادش أو في دول تقع في مجاهل إفريقيا؟
الأكيد أن البحث عن حلّ يبدأ بالإعتراف بوجود أزمة عميقة في غرداية. الحل لا يكون عبر توجيه إتهامات مبطنة وغير مبطنة إلى المغرب. الحل بالتساؤل أوّلا لماذا تتكرّر الأحداث في غرداية.
من دون العودة إلى العام 2008، ما الذي تغيّر بين العامين 2014 و 2015؟&
في العام الماضي، إنفجر الوضع في غرداية. وقع قتلى وجرحى. لا يزال الأمازيغ يشكون حتّى اليوم من الظلم اللاحق بهم من إخوانهم العرب. هل الجميع مواطنون في بلد واحد؟
بكل بساطة، تبدو أحداث الأسبوع الماضي قابلة لأن تتكرّر في غياب الجهد الجدّي للغوص في أعماق الأزمة. إنّها قبل كلّ شيء أزمة ثقة بين المواطن ودولته ومؤسساتها التي لا تزال تعمل بالطريقة المتخلّفة نفسها منذ وصول هواري بومدين إلى السلطة في العام 1965 من القرن الماضي. لا تزال مجموعة من كبار الضبّاط، من ذوي الإمتيازات،& تسيطر على مقدرات البلد. دخلت على البلد مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز. شهد عهد بوتفليقة، الذي بدأ في 1999، إرتفاعا هائلا في اسعار النفط والغاز جعل الجزائر دولة غنيّة مجدّدا. صارت الجزائر تمتلك إحتياطا ماليا كبيرا فاق المئة وخمسين مليار دولار.
بدل صرف هذه الأموال في التنمية وفي تحقيق العدالة الإجتماعية، إستُخدم جزء منها لرشوة المواطنين وتخديرهم واسكاتهم بدل تعويدهم على العمل المنتج عن طريق مشاريع كبيرة تصبّ في مكافحة البطالة. فالبطالة مشكلة اساسية في الجزائر وتلعب دورا كبيرا في تشجيع التطرّف في بلد يفتقد المدارس والبرامج التعليمية التي تساعد في منع خلق أجيال من الجهلة والمتطرفين الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام الحقيقي وثقافة التسامح والإعتراف بالآخر.
لم يتغيّر شيء في الجزائر على الرغم من سقوط الحزب الواحد بعد الثورة الشعبية في خريف العام 1988 والتي تسبب فيها هبوط اسعار النفط والغاز في تلك المرحلة. لم تجد الجزائر وسيلة للتخلص من إعتمادها على اسعار النفط والغاز، على العكس من المغرب الذي طوّر نفسه ومواطنيه ومناطقه كافة، من دون تمييز، من أجل بناء إقتصاد متطور ليس رهينة لدى أحد.
بقيت الجزائر تعاني من الفساد والجمود ومن سياسة قائمة على خلق المشاكل في محيطها، لعلّ ذلك يخفّف من مشاكلها الداخلية ويبعد الأنظار عن تلك المشاكل. إبعاد الأنظار عن المشاكل شيء والإعتراف بها شيء آخر. الإعتراف بالمشاكل يتطلب جرأة ورجال دولة.
بدل أن تلعب الجزائر دورا إيجابيا في الإستقرار الإقليمي أكان ذلك في ليبيا أو تونس، نجدها في بحث دائم عن دور ما تعتقد أنّ آخرين ينافسونها عليه. هناك بحث مستمر عن دور بدل الإنصراف إلى الوضع الداخلي والتعاون مع دول المنطقة في مكافحة الإرهاب.
هذا ما فهمه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد متأخّرا. إلى أن تبيّن له، في مطلع تسعينات القرن الماضي، أن النظام أقوى منه. إنّه نظام أسير معادلة معيّنة غير قادرة على التطلع إلى أهل غرداية بعيونهم. يؤمن النظام بأنّ النفط والغاز كفيلان بحل مشاكله وأنّه يكفي توجيه الإتهام إلى هذا الجار أو ذاك، كي لا تعود مشكلة في الجزائر.
عاجلا أم آجلا، سيتوجب على الجزائر التصالح مع نفسها. هذا يعني في طبيعة الحال مواجهة مشاكل البلد كما هي من دون لفّ أو دوران. في مقدّم المطلوب مواجهته أنّ الشعب الجزائري شعب عظيم ولديه رجال سياسة من النوع الإستثائي. هؤلاء قادرون على التصدي لمشاكل البلد بعيدا عن المزايدات والشعارات والعناد والمزايدات. كلّ المطلوب مواجهة الواقع بدل الهرب منه عبر الإحتماء خلف رئيس، أسير عقده الشخصيّة قبل أي شيء آخر.
لا شكّ أنّ بوتفليقة كان حاجة للبلد في مرحلة ما، لكنّه لم يعد قادرا على ممارسة مسؤولياته بأي شكل من الأشكال...ولو في الحدّ الأدنى منها. هل لدى الجزائر القدرة على الإعتراف بهذه الحقيقة بدل الإلتفاف عليها؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كفى تحيزا ومتاجرة...
حسين العربي- الجزائر -

بهدوء..لننظر إلى المسألة من زاوية مغايرة يا سيد خير الله ؛ فلا ريب في أنك نجم لامع في سماء الصحافة اللبنانية منذ عقدين على الأقل، ولا ريب أيضا في أن لكم علاقات ذات شأن مع بعض دول المغرب العربي، ولكن إسمح لي أن أصارحك بأن هذا أمر لا يهمنا نحن الجزائريين في شيء؛ فأن تكون زائرا أو مقيما في المغرب فهذا شأنك، وأن تكون في ضيافة مسؤوليه فهذا شأنك أيضا، وأن ترهن قلمك لصالح سياسات هذا البلد فهو شأن يخصك وحدك؛ ولكن أن تمس مقام الرئيس الجزائري أو شهداء بلادي في غرداية، أو العزف على وتر الطائفية فيها، فذلك يستوجب الحذر من فاتورة هذا التكليف بالمهمة؛ فإن لحم الجزائري مرّ، وذاكرته حية على الدوام؛ سيحفظ عليك- لا لك- هذا التحامل والعداء اللامبرر..فكفّ عن ذلك، وتعفف عنه؛ لأنه سيعود عليك بالويل والثبور وعظائم الأمور..في سياق تسريبات ويكيليكس جديدة؛ وما أحسب ذلك ببعيد..

المزايدة بالتحالف
خ/خففخىىخا -

..ياخيرالله كل عام وانتم بخير،قدمت لكم اسلام جيلي انا في شكله الحقيقي حتى عام3037هجري وها قد بلغت انه لايحتاج معرفة انما علاقة خاصة بالحافظ.الانتقاء الطبيعي اوقلادة ماسينيسا.

كانوا حصان طروادة ...؟
حمدي آغا القلعة -

توفق الكاتب الكبير في تحليل المأزق و الإشكال السياسي في الجزائر،فبعد حكم الحزب الوحيد (جبهة التحرير الوطني)،الذي ساس البلاد باسم "الشرعية الطورية" عفوا "الثورية"...إلى حدود نهاية أعوام ثمانينيات القرن الماضي،تمكنت مجموعة من الضباط الجزائريين الذين تكونوا و تدربوا و خدموا في صفوف جيش الإحتلال الفرنسي (1954-1960)و الذين إلتحقوا بصفوف الثورة التحريرية متأخرين من الإمساك بمقاليد الأمور بعد أن صفوا بمنهجية و أحالوا على التقاعد كل من تبقى من ضباط جيش التحرير الوطني القدامى ...كانت أولى علامات هذه "الردة" جلية و واضحة منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي و تمثلت أساسا في الإنقلاب على شرعية صناديق الإنتخاب التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية باسم محاربة "الإرعاب الإسلامي"و بداية الحرب الأهلية التي خلفت حسب بعض المصادر250 ألف ضحية و سجن آلاف أخرى بالمعتقلات الصحراوية و ما تبعها من هجرة قسرية لآلاف أخرى من خيرة العقول و الوطنيين الجزائريين نحو المنافي البعيدة هروبا من بطش جنرالات العسكر الإنقلابيين. الآن و بمرور الوقت و إنجلاء غبار هذه الأحداث ، ظهر للعيان أن الجنرالات الإنقلابيين الجزائريين كانوا حصان طروادة للفرنسيين (أو الطابور الخامس)ضمن صفوف ثورة التحرير الوطني الجزائرية و في غفلة منها،و كانوا يتحينون الفرصة المواتية فقط للقفز إلى السلطة لخدمة أمهم فرنسا،و إعادة ربط الجزائر بالمستعمر القديم من جديد،إنها الثورة المضادة التي انتصرت أخيرا على تضحيات مليون و نصف من الشهداء الجزائريين. و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

بائع الاوهام
salaheddine rezzig -

مقالة السيد خير الله تؤكد انه لم يزر الجزائر يوما ولايعرف وضعها اطلاقا .المقالة هي فقط اجراء معتاد يقوم به كل مازار المغرب في اطار سياسة التلميع التي تحولت الى مهنة مربحة لكثير من الصحفيين العرب وخاصة اللبنانيين ومن اراد ان يتأكد عليه باطلالة على مقالات السيد خير الله ليعرف كم هم العرب مأزومون في اعلامييهم ومثقفيهم الذين تحولوا الى مجرد صدى لانظمة شمولية يريدون ان يجعلوا منها مثالا يُحتذى بها وهي في الحقيقة غارقة في تخلفها وفساد ملوكها .هذا لايعني ان حكام الجزائر لايشبهون نظرائهم في فسادهم وتخلفهم

;قلم مدفوع الثمن;
***سلطان*** -

خير الله الثاني، ما ان يذكر اسم الجزائر حتى تنفجر عروقه، ...ما ان يسمع عن فتنة او حادثة، فيخرج السكاكين والسواطير لينهش من لحم الشعب الجزائري...لو كان نظام الحكم في الجزائر ملكيا، تحت سلطة الملوك والسلاطين، والقواعد العسكريه الغربية مفتوحة لكل من هب ودب، ويشارك الجيش الجزائري في ضرب اليمن وسوريه والعراق وغزة وليبيا، ويركع الشعب للملوك والأمراء، لسمعنا لحنا مغايرا من الكاتب...اصلا لا يوجد كتاب او صحفيين في العالم العربي الا قلة في طريق الاندثار، فجلهم اقلام مدفوعه الثمن، يتغذون من النعرات العرقية والدينية والمذهبية، ويدافعون عن أولياء نعمتهم، وان كان الثمن حرق العالم العربي والاسلامي...أنت آخر شخص يحق له الكلام عن الجزائر، يا من بعت نفسك للنظام المخزني الفاسد، عامل فيها خبير بالجزائر وبلدك لبنان غارق في الفتن الدينية والمذهبية والسياسية، كل ما يهمك هو تشويه صوره الجزائر اعلاميا، وتلميع صورة الهك محمد السادس، والتهليل للملكيات والأمراء والسلاطين، لكن لعلمك الجزائر عاصية على أمثالك ...قد يكون النظام فاسدا، لكننا لا نرضى الركوع للبشر، التغيير قادم لا محالة، لكننا لن نبيع الشهداء في سوق النخاسة.