فضاء الرأي

التعايُش مع الاستخفاف الأميركي

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حتى تبدأ إدارةٌ أمريكية جديدة، لا نعرف: هل يكون على رأسها دونلاد ترامب (الرهيب)، أم هيلاري كلينتون المتعثِّرة، مِن المرجَّح أن يبقى هذا التعاطي الأمريكي مع الحرب شبه المَنسيَّة في سورية، أمريكيا، إلا مِن تصريحاتٍ وتحرُّكاتٍ لمَلْء الفراغ، وللتنسيق مع روسيا التي قبلت أن تكون الوجه الأبشع، ظاهريا: عسكريا، باستمرار القصف التدميري لحلب وإدلب وغيرهما، وسياسيا: بالاستمرار في التمسُّك ببشار الأسد، ونظامه الأمني.

يُصوّر الرئيس الأمريكي -المنحدر من أصول إفريقية- الصراعات (الطائفية) في المنطقة العربية والإسلامية على أنها تاريخية، كما يُلقي باللائمة على بعض دول المنطقة، كالسعودية، في زيادتها منسوب التطرُّف في المنطقة، بسبب مناهجها التعليمية، ودعوتها الوهابية إلى العالم الإسلامي وتمويلها؛ ما أدّى إلى إنتاج جماعات إرهابية كالقاعدة، وكداعش، وهو ما صرّح بمثله، حين عزا ازدياد التطرُّف في إندونيسيا إلى الفكر الوهَّابي الذي ترعاه السعودية. ومن هنا يتفرَّع أوباما، بالزخم، والأولوية، من أصل المشكلة، وهو نظام الأسد الذي تسبَّب ضعفُه، مع تمسِّكه، في تنامي قوة "داعش" وجبهة النصرة"، وما شابههما، إلى تلك الجماعات التي تطول معها الحرب، حربا طويلة على الإرهاب. (!)

وأما الداخل الأمريكي، وهو ما يهمُّه أكثر، فأوباما مطمئنٌّ له؛ كون الحسابات الداخلية، ولا سيما الاقتصادية، هي الأكثر تأثيرا، إن لم تكن استحواذا، وما دام أن سورية &- في نظر عموم الأمريكان، لا تبدو في صميم تلك المُحرِّكات، بل ما دامت المنطقة العربية تراجَع تأثيرُها، والاحتياج النفطي إليها، فإن نظرية الانكفاء عن الشرق الأوسط، وأزماته المعقدة، ستَلقى قبولا أكبر، ومِنْ أجدَد المؤشِّرات، وأوضحها على قياس الرأي العام، أو المزاج العام، في أمريكا صعود ترامب الذي لا يُخفي عنصريته وفاشيَّته، والذي يرى بأن الأمريكان لا يمكنهم الاستمرار بالقيام بدور شرطي العالم.

فحتى ما يُسمَّى بالصراع العربي الإسرائيلي، وفي الصُّلْب منه القضيَّةُ الفلسطينية، لم يجد أوباما (وهو الذي أبدى اهتماما لافتا نحوها) لم يجد حرَجا في نفْض يديه منها، والإعلان بأن الظروف، وتحديدا ظروف الفلسطينيين والإسرائيليين، غير ناضجة لأيِّ تحرُّك جديد، لاستئناف المفاوضات المتوقفة بين الطرفين، منذ نحو عامين، بل حتى التوصُّل الأمريكي إلى قناعة بأن حل الدولتين بات أبعد من أيِّ وقتٍ مضى، دون أن تفعل واشنطن شيئا لوقف اضمحلال هذا الحل، ودون أن تتبنَّى حلا بديلا، أو رؤية.

والصحيح أنَّ أوباما غالبا يَسُوق هذه المغالطات في وجه من يذكِّره بصدقيَّته المخرومة، وقد ندَّد مرارا ببشار الأسد، وأعلن افتقاده للشرعية، وطالبه بالرحيل، وفي وجه من يذكّره بخطِّه الأحمر، المتمثِّل في استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية (!)

مفاعيل الحرب الدائرة على سورية أكبر بكثير من مفاعيل التحرُّك لحلِّها، حتى إن تحرُّكات أمريكا و"المجتمع الدولي" أقلّ من التعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

هذا يؤكِّد أن "حقوق الإنسان" لا تُفَعّل، أمريكيا، إلا وقت اللزوم، وأنَّ الأمم المتحدة- هذه الهيئة العالمية التي يُفترض أنها تمثِّل الأمم والدول في سعيها لتحقيق السلام، وحماية المدنيِّين من أهوال الحروب والنزاعات- باتت تُختزَل في أمريكا وروسيا، وهي لا تفعل ما يوقف هذه الجرائم التي ترقى إلى وصف جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية.

أمريكا تفقد مسوِّغات القيادة العالمية، إنسانيا وأخلاقيا، وهي تبدي اضطرابا عميقا، وتتسبَّب في مخاطر قريبة، وطويلة الأمد في هذه المنطقة العربية والإسلامية البالغة التعقيد، بسبب تثوير التناقضات الطائفية والعرقية، بعد سقوط نظام صدام حسين، وتأسيس دستور برعايةٍ وتوجيهٍ أمريكي، قائم على المحاصصة الطائفية، وإسلام العراق، (وبَعْدَه إلى الإقليم) لإيران التي ليست مقبولة لدى شعوب المنطقة، بشكل عام، ولا سيما وهي تتذرَّع بالبُعْد الشيعي، على الرغم من أن جزءا لا بأس به من شيعة العراق لم يعودوا قادرين على السكوت عن هذا العراق (الإيراني) (!)

يستند أوباما إلى عقيدة سياسية واقعية (وهو المعجب بهنري كيسنجر وواقعيَّته) فاقترابُه من إيران، وكذلك تجنّبه للخيارات العسكرية في سورية، بتأثير من تلك العقيدة التي تقترب ممَّا فصّله المفكّر الأمريكي الإستراتيجي، جورج كينان، الذي أسّس لسياسة الاحتواء، وبناها على التفريق الأساسي بين المصالح الحيوية والهامشية. فللحرب ما يبرّرها، عندما تتعرّض المصلحة الحيوية للتهديد، على أن تبقى الحرب دوما إستراتيجية الملاذ الأخير. وأما المصالح الهامشيَّة فيكون السعي لها بطرق أخرى، كالدبلوماسية، والحوافز الاقتصادية والعقوبات، واستخدام المؤسسات المتعددة الأطراف والدولية. ويبدو أن مأساة الشعب السوري التي فاضت إلى دول جوار، وإلى العالم، ليست حتى ضمن الاهتمامات الهامشيَّة. (!)

وأوباما يواقعيَّته تلك، ورغبته في تخفيض النفقات والخسائر، وبإدراكه للمزاج الشعبيّ الأمريكي، إنما يعاكس عقيدة بوش الابن والمحافظين الجدُد، الصِّدامية والقائمة على الحروب الاستباقية، والميل إلى التفرُّد، والتحلُّل من الاتفاقات أو التحالفات الدولية، ولكن أوباما &-بالتأكيد- يسعى إلى الأهداف الأمريكية ذاتها باستبقاء القيادة الأمريكية للعالم، ومنه منطقة الشرق الأوسط، ولكن بحروب بالوكالة، وعلى حساب القوى الإقليمية.

أما أنّ أمريكا تمارس دورا خطيرا على المدى القريب والطويل، فكونها تترك المنطقة تجنح نحو التقسيم، على أسس طائفية، (سنة وشيعة) وعرقية (كرد وعرب) أو (كرد وأتراك)،

علما بأن ظروف المنطقة، حاليا، وقدرة أمريكا، على الإمساك بخيوط هذه التشكُّلات، أو التحلّلات، مغايرة للظروف والمعطيات التي كانت عشيَّة اتفاقية سايكس بيكو؛ فالأزمات في

المنطقة شديدة التداخل، مع ثورة الاتصالات، ومع تخلخُل بنى الدول المركزية، دون مؤشِّرات على نضج كيانات بديلة، قادرة التبلور، أو قادرة على الصمود والحياة.

وهنا والآن، معطى جديد، وهو صعود (الحركات الجهادية) العابرة للحدود، وغير المعترِفة بالتقسيمات الحالية، فضلا عن اعترافها، أو احتوائها بالحدود المفترضة، على أسس طائفية، أو عرقية.

فإلى أيِّ مدى يمكن لسورية، والإقليم، التعايش مع هذا الاستخفاف الأمريكي؟! وإلى أيِّ مدى يمكن لأمريكا أن تبقى مصرّة على أنها الأجدر بزعامة العالم؟!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لماذا امريكا تحارب ..؟
فول على طول -

لماذا أمريكا تحارب خارج أراضيها ,..؟ ولأجل من ..؟ سؤالان بسيطان واجابتهم أبسط من البساطة نفسها . لا يوجد سبب واحد يجعل امريكا تزج بأبنائها للحرب خارج أراضيها ...انتهى هذا الزمن . امريكا والغرب عموما أدرك تماما أنة مكروة من الذين امنوا فى جميع الحالات سواء تدخل أم لم يتدخل فى شئون الذين امنوا ..ونعود للسؤال الهام : لماذا لا تحلون مشاكلكم بأنفسكم ؟ لماذا لا تلجأون الى منظمة الأمة الاسلامية ...؟ أو جامعة الدول العربية ...؟ أو الأزهر الشريف ..أو أى وسيط مؤمن ..؟ لماذا لا تتوقفون عن قتال بعضكم البعض بعد أن فرغتم من قتل وتشريد الأقليات وبموافقتكم جميعا على ذلك ؟ وها أنت تقسم الأرض - شيعة وسنة وعرب وأكراد - وتناسيت أصحاب الأرض الأصليين من أشوريين وكلدان ؟ وسؤال أخير هل ما قالة اوباما - صديقكم المؤمن - عن الارهاب والطائفية بعيد عن الواقع ...؟ يا أخى متى تعقلون الأمور ..؟ ومتى تتوقفون عن اتهام الأخرين ولا تنظرون الى أنفسكم ولو مرة واحدة ..؟ ومتى تتعالجون من مرض المؤامرة الذى قتلكم وأنتم أحياء ..؟

التعايُش مع الاستخفاف
Rizgar -

التعايُش مع الاستخفاف العربي من التعريب والاغتصاب والانفال والقيم اللا اخلاقية المنحطة مستحيل .مصير الدول المبنية على اسس عنصرية عربية خبيثة مزبلة التاريخ حتى لو طّبل ورقص وزّين كل الكتاب العرب لهذه التقاسيم . اللهم دمر عاصمة الانفال كما دمروا قرانا ٨٠ سنة . اللهم افرط بهم كما فرطوا باطفالنا و نسائنا. اللهم احرق قراهم كما حرقوا قرانا .

الاستخفاف بالعرب !!
علي البصري -

لايوجد مجرمين وبشيعين في سوريا الا الاسد وروسيا (المعزوفة المشروخة وبداية شعر المعلقات للتعزل بالحبيبة )وسواهم حملان وديعة من الدواعش والنصرة و 185 فصيلا كل قادتهم لهم اشرطة لقطع الرؤوس ووضع المعارضين في اقفاص وقصف وحرق وتقطيع وووو وغيرها من الفعائل التي لم ترى الانسانية لها شبيها وخاصة حلب الخاضعة للنصرة التي يتباكى عليها العرب واوردغان ادعو المتباكين لرؤية اخر افعال المعارضة في قصف الاحياء الخاضعة للنظام في حلب التي يعتبرها هؤلاء من باب الغفور الرحيم وتصريحات كيري ان المعارضة هي من تقصف الاحياء السكنية ويعول هؤلاء على هذه الشراذم ان تقود سورية ،ثم يطلب المقال ان تقف امريكا الانسانية مع من ؟؟ لا ادري وهي التي لايهمها العرب وتصدر تصريحات الاستخفاف للعرب وبداوتهم وقيمهم البالية الصحراوية التكفيرية( التي يمتعض الكاتب من نقدها من قبل الامريكان !!) وحتى من ديانتهم اسمعوا تصريحات ترامب والموقف الامريكي الواضح من العرب في كل القضايا المصيرية وهذا هو الموقف الصحيح والحمد لله الذي يستحقه العرب من الاستخفاف والاهمال والا لقال هؤلاء تعالوا نقدس الامريكان والصهاينة .

رهانات اوباما الخائبة
mustafa kamal -

عدم اكتراث الامريكيين تجاه الحرائق المنتشرة في اكثر من بلد عربي والتي ستزداد اشتعالا بفعل انسحابهم من الفعل المؤثر في الشرق الاوسط ستكون عواقبه في الارجح ثقيلة الوطاة عليهم انفسهم . بداية اسرعت روسيا بوتين المعادية للولايات المتحدة لملء الفراغ الناجم عن ابتعاد الامريكيين عن الشرق الاوسط . ثانيا لقد فشل رهان اوباما على ترويض ايران - المعادية بدورها لامريكا - من طريق انجاز الاتفاق النووي ورفع العقوبات بدليل عودة الخطاب الرسمي الايراني المناوئ للشيطان الاكبر وتعاظم وتيرة انخراط ايران في تخريب الامن العربي في اليمن والعراق وسوريا . احراج وازعاج تركيا الاطلسية من التحالف المريب المستجد بين القوات الامريكية الخاصة وبين بعض الاحزاب الكردية المسؤولة عن التفجيرات الارهابية في انقرة واسطنبول .

تخربوها وتستنجدون الامريكان
صوت الحق -

تخربوها وتستنجدون الامريكانسيدخل اوباما التاريخ لانه اصدق من كشف حقيقتكم ووثائق ويكيلكس عرتكم امام العالم كارهابيين تشعلون الحروب حولكم وتتوسلون العالم ان ينقذكم من شر اعمالكم وان تكون جيوش امريكا ودماء شبابها تدفعون ثمنها كجيوش مرتزقة وحتى اذا انتصروا ادعيتم النصر لانفسكم كعادة الجبناء . امريكا بلد ديمقراطي وحكامه شعبها لا كحكامكم الطغاة الجهلة والشعب الامريكي يعلم علم اليقين انكم منبع الارهاب الذي اصابهم وبقية دول العالم بل ان زوال حكامكم وانظمتهم الجاهلية خير للبشرية ولن يرتضي الامريكي ان ينزف ويقتل اولاده في صحاريكم واولادكم يشحطون في الفراري في شوارع لندن وان تشعلوا الحروب باموالكم في سوريا والعراق واليمن وغيرها ولا تستقبلون لاجئا واحداً من ضحاياكم وتدعون الحرية وتقتلون كل من خالفكم ذبحاً كالدواعش . الايام القادمة ستكون اسوأ ايامكم واوباما سيكون اخر من يجاملكم من الحكام

رهانات اوباما الخائبة 2
mustafa kamal -

تسببت الولايات المتحدة الامريكية في اشعال اكبر حريق في العراق من طريق حلّ الجيش العراقي سنة 2003 وتعبيد الطريق امام الاحزاب الشيعية الذيلية بالنسبة لايران للقبض على السلطة بزعامة نوري الماكي المتسبب الرئيس بانفلاش هائل لداعش الارهابية في العراق وسوريا ناهيك عن تبديد المذكور وحلفاؤه مئات مليارات الدولارات من المال العام ما اثار انتقادات حادة من مرجعية السيستاني وانتفاضة شيعة العراق انفسهم على سياسة الاحزاب الشيعية الحاكمة . وفي سوريا تلكأ الامريكيون في اخماد الحريق السوري في بدايته سنة 2011 لسبب وحيد هو كون نظام الاسد ضامن موثوق لامن اسرائيل بالنظر الى استكانة جبهة الجولان التامة طيلة اكثر من اربعين سنة من الاحتلال . وكان بوسع الامريكيين اخماد الحريق السوري قبل ان ينقلب الى اكبر ماساة انسانية في التاريخ من طريق تعطيل عمل الطيران العسكري السوري وبراميله القاتلة من طريق ايجاد حظر جوي في سماء سوريا مشابهة لتلك التي فرضت على عراق صدام في الشمال والجنوب او من طريق تدمير مطارات الاسد العسكرية ومقاتلاته ومخازن اسلحته الثقيلة مثلما فعل القادة الامريكيون الديمقراطيون في صربيا في تسعينات القرن العشرين