فضاء الرأي

العراق والموقف من الحرب..

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الآن ما تهتم به الكثير من الدول، لاسيما المعنيون بالحرب الدائر بين إسرائيل وحماس، هو طبيعة المواقف الدولية والإقليمية تجاه هذه الحرب وإتجاهاتها. ولاتتفهم معظم هذه الدول في الوقت الحاضر خصوصية المواقف ومنطلقاتها الموضوعية بقدر ما تولي الأهمية برصد تأثيرها المعنوي والمادي على مجريات هذه الحرب لصالح طرف ما ضد آخر.

والحق نقول أن ما جعل أن تكون معادلة المواقف تسير على هذا المنحى الحاسم هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي أجهرت وبكل صراحة تأييدها المبكر لإسرائيل بذريعة دفاع هذه الأخيرة عن نفسها، في الوقت الذي كان من الأجدر أن يكون لها دوراً فاعلاً في أحتواء الحرب وإيقافها تماشياً مع دورها المحوري في رعاية عملية السلام والإتفاقيات الأسرائيلية-الفلسطينية، التي وإن لم تحقق أي منها ما يطلع اليها طرفي النزاع إلا أنها -على أقل تقدير- أبعدت بلادهما وعبادهما لفترات تاريخية لا بأس بها عن شبح حروب أخرى دموية لا تنتج سوى المزيد من روح الكراهية والعدوانية بين الأسرائيليين والفلسطينيين.

والموقف تجاه الحرب، هو في كل الأحوال، ضرورة بل حاجة سياسية وإنسانية إن كان متمثلاً بمبدأ الموقف من الحرب نفسها كشر حقيقي لا يمكن تأييدها في ظل أي ظروف كانت وتحت أي ذريعة، أو إن كان طامحاً الى الحد منها من خلال إطلاق مبادرات سلمية ودعوة الأطراف المتنازعة الى الهدنة والتفاوض واللجوء الى لغة الحوار والتفاهم السياسي.

أما حصر الموقف وإختزاله قسراً في تأييد طرف ما ومعاداة آخر، فهذا أمر منافي تماماً لقيم الموقف الإخلاقي تجاه الحرب حتى وإن تذرع بمصلحة ما تمس الطرف المتبناة له. وقد لا نحتاج اليوم ونحن نعيش في القرن الحادي العشرين الى تذكُّر ما يقوله الفلاسفة بخصوص الحرب على غرار ما قاله الفيسلوف الألماني (كانط) مثلاً الذي كان يعتبر الحرب أكبر الشرور وأن السلام الدائم هو الخيار الحضاري الأمثل، ولا حاجة الى التذكير بما آلت اليها الحروب أيضاً من دمار وخسائر بشرية ومادية، وإنما كل ما ينبغي أن نفقهه تحديداً ودون أي تردد هو إن إرادة الحرب هي إرادة بربرية ووحشية، تتناقض تماماً مع ما توصلت اليها البشرية وتتباها بها من طفرات حضارية وعلمية يمكن إستثمارها اليوم لتفادي الحروب وبناء التواصل السياسي المثمر والإبقاء على الثروة البشرية والحياة الآمنة.

أقول هذه المقدمات لأستحضر موقف العراق من الحرب الدائر بين اسرائيل وحماس. الكل هنا، في العراق، لا يروم الحرب دون أدنى شك، وثمة رأياً عاماً شعبياً بهذا الإتجاه ويتبلور تدريجياً رغم أن الفضائيات المذهبية والحزبية تحجبه وتنقل لنا نقيضه!.

هذا الإتجاه المسالم، لا علاقة له لا بالموقف الأخلاقي من الحرب ولا بالموقف السياسي والآيديولوجي الحربوي منها، أنه بعبارة مختصرة خصوصية الموقف. أي أن العراق بغنى عن توريطه في المزيد من الحروب بينما هو مازال ينزف من حروب سابقة أشعلها نظام صدام والتطهيرات المذهبية التي تورطت فيها الأحزاب والقوى السياسية في عهد ما بعد صدام، وهذه الخصوصية بحاجة الى التفهم والإجماع الوطني قبل التفهم والقبول بها على الصعيد العربي والإسلامي.

قد تكون آخر مواجهة بين نتنياهو وحماسشعب الله والاخوان معركة كل العصور

صحيح أن الدعم المعنوي والإنساني للشعب الفلسطيني المنكوب هو من بداهات الأمور ومسلمات الواجب، إلا أن الإعتبار لحساسية التوقيت المحلي والدولي والحساب للحالة العراقية الخاصة ومقتضيات الحفاظ على البلد ومصالحه الحيوية ومراعاة الطاقة البشرية المستَنزَفة دوماً في حروب وصراعات عبثية وإنعدام وحدة الموقف أساساً وخصوصيات أخرى متعددة، تستوجب على بغداد أن لا تغامر إطلاقاً بمصير العراقيين، وأن لا تبادر في أي موقف ما بناءاً على إملاءأت إقليمية، وإنما عليها التمسك بإستقلالية القرار السياسي أولاً، وتبني الموقف الذي تبلوره الجامعة العربية والدول الإسلامية ثانياً ليس إلا.

بمعنى آخر، ان العراق هو أساساً بحاجة الى دعم كافة الدول لبناء البلد وإعادة إعماره، خصوصاً في المناطق العراقية المنكوبة التي دمرتها الحروب الداعشية وما تزال أهاليها مشردين في داخل البلد وخارجه، وبحاجة الى الوئام السياسي الداخلي واللحمة الوطنية المرجوة، وعليه فتبدو من الحماقة أن يتم توريطه مجدداً في صراعات إقليمية جديدة يدفع المواطن العراقي ثمنها في النهاية دون أن يعي تماماً لماذا ولصالح من؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف