فضاء الرأي

نظام الملالي في إيران... الصندوق الأسود

وقفة احتجاجية في باريس في 14 أيار (مايو) 2023 للمطالبة بالإفراج عن مغني الراب توماج صالحي الذي اعتقل لأسباب تتعلق بمناصرته الثورة ضد النظام
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يُثير سعي نظام الملالي للقضاء على منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية العديد من التساؤلات، خصوصاً عندما تتناقض تصريحاته مع أفعاله، إذ يزعم هذا النظام أن منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لا يحظيان بأي قاعدة جماهيرية؛ فإذا كان الأمر كذلك، لماذا يُصرّ النظام الإيراني على ملاحقة أعضاء المنظمة وأنصارها داخل إيران وخارجها؟ أليس ذلك دليل وجودٍ وحضورٍ كبير لهما؟ ألا تشير هذه التحركات إلى خوفه من تأثيرهما على الشعب الإيراني؟ ألا يقدم استهداف هذا النظام للمنظمة والمقاومة في الخارج، والضغط على مراكز صناعة القرار، والتأثير على ملاحقة أعضائها وأنصارها في الدول الغربية حتى لو لم يكونوا إيرانيين، دليلاً على أنه يطارد بديله الشرعي ساعياً للقضاء عليه؟ والحقيقة هي أنَّ الملالي يدركون تمام الإدراك أنه لا بقاء لهم، طالما هناك وجود لمجاهدي خلق يقودون حراك الثورة ونهضة المرأة في إيران لتحرير الأرض والإنسان.

يستعين نظام الملالي بالمال الأسود لشراء ذمم الفاسدين وضمان دعمهم سياساته القمعية الإجرامية في الداخل، والفوضوية الإرهابية في الخارج، والتركيز على تشويه صورة الحركة والمقاومة والسعي للقضاء عليهما. وفي مسارٍ متوازٍ يقوم الملالي بتمويل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم لنشر الفوضى وزعزعة استقرار الدول، مستفيداً من ذلك في عنصري الابتزاز والمساومة المصاحبين لتحركاته المشبوهة، هذا بالإضافة إلى عمليات غسيل الأموال لإخفاء مصادر الأموال السوداء المستخدمة في شراء الذمم وجرائم الإغتيال والإعلام المأجور وغيرها من الأعمال غير القانونية، والحقيقة المؤكدة هي أنَّ فساد نظام الملالي لن يؤدي في النهاية إلى هلاكه فحسب، بل إلى ضرب عنصر الثقة في الحكومات التي تتعامل معه وترضخ لمطالبه، وهنا الحديث يطول.

المواجهة حامية الوطيس بين نظام الملالي ومنظمة مجاهدي خلق
عارضت منظمة مجاهدي خلق نظام الشاه الدكتاتوري منذ ستينيات القرن الميلادي الماضي ساعية للإطاحة به وإحلال نظام ديمقراطي حر تعددي وعادل يحترم حقوق الإنسان ويلتزم بمبادئ الحريات مكانه، وشاركت بقوة في ثورة عام 1979 الوطنية بهذا الدافع ومن أجل تلك الأهداف، وللأسباب والأهداف ذاتها تصدت لخميني ونظامه ومشروعه الذي يسير خلفاً منضبطاً لمسيرة الشاه المخلوع، وزادت حدة الصراع بين المنظمة ونظام ولاية الفقيه عندما بدأ الملالي بحملات قمعية دامية ضد المنظمة، مما أدى إلى مقتل وإعدام الآلاف من أعضائها وأنصارها.

إقرأ أيضاً: هل يمكن للذكاء الاصطناعي توقع الموت... حقاً؟

واستمرت هذه المواجهة على مدى أكثر من أربعة عقود، وضحت المنظمة والمقاومة الإيرانية خلال هذه المدة بأكثر من 120 ألف شهيد من نخبة الشعب، وتُعدّ المواجهة بين نظام الملالي ومنظمة مجاهدي خلق واحدة من أطول وأعنف الصراعات في التاريخ المعاصر، ولن ينتهي هذا الصراع إلا بنهاية أحد الأطراف، وهو طرف السلطة الذي يرقُب هذه النهاية بقلق بالغ، مما يدفع به كنظام ميكيافيلي إلى اتخاذ مسارات غير مشروعة، غير مكترثٍ ولا آبهٍ بعدم مشروعيتها، وقد حاول الملالي مراراً وتكراراً ضرب مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية بيد متطرفين عراقيين موالين لهم، ولم يُفلِحوا، بالرغم من رجاحة كفة الملالي ميدانياً وإعلامياً ومالياً، وعلى ما يبدو كانت لديهم القدرة على استمالة الكثير من الشخصيات في هذا العالم بطرق غير محترمة كالرشوة والابتزاز والمساومة والخداع، وقد ساعد على ذلك صمت المجتمع الدولي أمام جرائم وانتهاكات الملالي، كذلك سعى الملالي إلى ضرب منظمة مجاهدي خلق والمقاومة بأيدي الأميركان والأوروبيين عسكرياً وسياسياً، كما حدث خلال أحداث احتلال العراق 2003، وقد قدم ذلك خدمة كبيرة للملالي، وسرعان ما تمكنت المنظمة والمقاومة من قلب الطاولة على رؤوس الملالي من خلال القضاء الأوروبي والقضاء الأميركي، الأمر الذي أظهر كلا الجانبين بمظهرٍ حرِج وبَينَ حجم الخديعة التي وقع الأوروبيون والأميركان فيها على يد نظام الملالي، ولا تزال المعارك القانونية قائمة بين المقاومة والملالي في أوروبا وقد ربحت المقاومة جميع تلك المعارك.

إنَّ مستقبل حال تيار المهادنة وسياسة الاسترضاء الغربية الداعمة لنظام ولاية الفقيه وجرائمه داخل إيران وخارجها لن يدوم، ولم تدم الأمور لمن قبلهم، ولو دامت ما وصلت إليهم والعدل أساس المُلك، ومن يُراجع سيرى أن تيار المهادنة والاسترضاء الغربي نفسه لم يستطع إنقاذ دكتاتورية الشاه العاملة لأجلهم، ومهما طال الزمن فلن يُفلِحوا في إخراج الملالي من غرفة الإنعاش.

إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني؟

وما يُثار من تساؤلات حول تيار المهادنة والاسترضاء الغربي اليوم أكثر مما يُثار حول الملالي أنفسهم، ذلك لأنَّ الأمر لم يتوقف على دعم هذا التيار للملالي فحسب، بل وصل حد ضرب قرارات سلطاته التشريعية الرصينة بعرض الحائط، والصمت حيال جرائم إرهابية مفضوحة للملالي... جرائم مست بالأمن الداخلي وتعرضت لأرواح شخصيات أوروبية رفيعة المستوى، كما أنَّ دعم هذا التيار لنظام ديكتاتوري يُمارس القمع ضد شعبه ويدعم الإرهاب في المنطقة هو أيضاً يعدّ انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية ومساساً بالقيم القانونية والأخلاقية التي أقرها الغرب، وبالتالي فإنَّ هذه الصورة من الدعم إنما هي معول هدم لتلك القيم والقوانين، وانتهاك صارخ ومُشين لها، ومهما كانت المبررات فهي غير صحيحة، وغير قادرة على الصمود أمام الحقائق.

أمَّا اليوم، فعلى العالم أن يقف في وجه نظام الملالي الفاشي حتى لا تتكرر آلام الشعب الإيراني وشعوب الشرق الأوسط من جديد، أو تقع في مناطق أخرى من العالم المُتفرج، وتبقى إيران الصندوق الأسود للعديد من دول العالم، وهو أمام خيارين إما اتلاف الصندوق أو أن يفتح بيوم من الأيام ليعلم العالم الحر أجمع من وما هو النظام في إيران. (يتبع)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف