ماهي خطط الولايات المتحدة الاستراتيجية المقبلة في الشرق الأوسط؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أميركا على مفترق طرق خطير يمس هيبتها ومكانتها وتأثيرها في مجريات الأمور في العالم. فهناك تحديات تواجهها وأزمات تحتاج لحسمها في الداخل والخارج، لأنها تشكل خطراً على الأمن والاستقرار الدوليين. فهناك حرب أوكرانيا وتداعياتها الخطيرة الاقتصادية والعسكرية، وهناك حرب غزة ونتائجها المأساوية، وهناك تمادي إيران وسلوكها الإقليمي وما تقوم به من تحد واستفزاز من خلال سلوكيات أذرعها المسلحة كحزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين ونشاط الحرس الثوري في سوريا المجاورة لإسرائيل وبالقرب من حدود هذه الأخيرة. إنها بمثابة حرب متعددة الجبهات يتعين على الولايات المتحدة الأميركية مواجهتها باستراتيجية جديدة وجريئة. فهل إدارة بايدن الضعيفة قادرة على مواجهة خطورة وتعقيد هذا الأمر الخطير على حد تعبير توماس فريدمان في "النيويورك تايمز"؟ الأمر يتطلب مبدأ أميركياً جديداً قد يسمى مبدأ بايدن، على غرار من سبقه من رؤوساء. فإذا لم نشهد مثل هذا المبدأ الواسع والجريء، فإنَّ الأزمة في المنطقة سوف تنتشر على نحو يؤدي إلى تعزيز قوة إيران، وعزل إسرائيل، وجعل قدرة أميركا على التأثير على الأحداث نحو الأفضل في حالة يرثى لها.
حدد فريدمان هذا المبدأ الذي تمناه وطالب الرئيس الأميركي جو بايدن أن يعلنه، بثلاثة مسارات: يتمثل أحد المسارات في اتخاذ موقف قوي وحازم تجاه إيران، بما في ذلك الانتقام العسكري القوي ضد وكلاء إيران وعملائها في المنطقة، ردًا على مقتل ثلاثة جنود أميركيين وجرح العشرات، وبعضهم أصيب بإصابات بليغة وخطيرة، بطائرة مسيرة بدون طيار على قاعدة أميركية في الأردن أطلقها على ما يبدو حزب موال لإيران من إحدى تشكيلات الميليشيات في العراق.
أمَّا المسار الثاني، فيتمثل في مبادرة دبلوماسية أميركية غير مسبوقة لتعزيز الدولة الفلسطينية &- بأسرع وقت. وقد يتضمن ذلك شكلاً من أشكال الاعتراف الأميركي بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي لن تظهر إلى الوجود إلا بعد أن يطور الفلسطينيون مجموعة من المؤسسات والقدرات الأمنية المحددة والموثوقة، لضمان أن هذه الدولة قابلة للحياة. ولا يمكن أبداً أن تهدد إسرائيل. وقد تشاور مسؤولو إدارة بايدن مع خبراء داخل وخارج الحكومة الأميركية حول الأشكال المختلفة التي يمكن أن يتخذها الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
أما المسار الثالث، فيتمثل في إقامة تحالف أمني موسع بشكل كبير بين الولايات المتحدة ودول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تصالحت مع إيران مؤخراً، وهو ما قد يتضمن أيضاً تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل ــ إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتبني عملية دبلوماسية تؤدي إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح بقيادة السلطة الفلسطينية الجديدة والبديلة لسلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية وحماس في غزة.
إذا تمكنت الإدارة من تحقيق هذا النجاح &- وهو أمر ضخم للغاية وأشك في قدرتها على تحقيقه &- فقد تصبح عقيدة بايدن أكبر عملية إعادة اصطفاف استراتيجي في المنطقة منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1979. الحزب الجمهوري يضغط ويريد خطف الرئاسة من بايدن والديموقراطيين في الانتخابات القادمة، والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يعد العدة للعودة إلى البيت الأبيض مع ما يصاحب ذلك من توترات خطيرة في الداخل الأميركي، والحزب الديموقراطي في حالة حرج مما يواجه أميركا من تحديات، وعلى رأسها تحالف البريكس المكون من روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا بالتعاون مع إيران. لذا يجب ربط المسارات الثلاثة معًا تمامًا حتى تنجح عقيدة بايدن. وأعتقد أن المسؤولين الأميركيين يفهمون ذلك، كما يقول فريدمان.
فالسابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي شكّل نقطة مفصلية إثر هجوم تنظيم حماس على إسرائيل وقتل العديد من الإسرائيليين وأخذ مئات الرهائن منهم، مما أجبر الإدارة الأميركية على إعادة التفكير بشكل جذري في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الرد الانتقامي الإسرائيلي الهمجي الواسع النطاق والذي أدى إلى مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة؛ وزيادة الهجمات على الأفراد الإسرائيليين والأميركيين في المنطقة؛ وفشل الحكومة اليمينية في إسرائيل في صياغة خطة لحكم غزة في أعقاب انتهاء الحرب مع شريك فلسطيني من خارج حماس. يناقش الاستراتيجيون الأميركيون هذا الواقع المتفجر في العالم، ويدركون أن ليس بإمكانهم الاكتفاء بالفرجة عن بعد على مايجري، والسماح لإيران بمحاولة طرد الأميركيين من المنطقة، وتعريض إسرائيل إلى الانقراض، وترهيب حلفاء أميركا العرب لحملهم على اتخاذ إجراءات. من خلال الوكلاء الإيرانيين - حماس، وحزب الله، والحوثيون، والميليشيات الشيعية في اليمن والعراق &- بينما تجلس طهران بهدوء تفرك الأيدي فرحة ولا تدفع أي ثمن. كما أن الوضع يشير إلى إدراك أن الولايات المتحدة لن تحظى أبدا بالشرعية العالمية، وحلفاء الناتو، لا سيما الحلفاء العرب والمسلمين الذين تحتاجهم لمواجهة إيران بشكل أكثر عدوانية، قد بدأوا يفقدون الثقة في نوايا وقدرات الولايات المتحدة. فما لم تتوقف عن السماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاستمرار في سياساته العدوانية وجعل أميركا رهينة لسياساته، سيتوجب على أميركا أن تبدأ في بناء سلطة فلسطينية ذات مصداقية وشرعية قادرة في يوم من الأيام على حكم غزة والضفة الغربية بشكل فعال، وباعتبارهما جارة جيدة لإسرائيل على طول الحدود النهائية، وأن يتفاوضا معًا لإيجاد مخرج لهذه العقدة المزمنة، حتى لو رفضت حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة هذا السيناريو.
إقرأ أيضاً: صححوا معلوماتكم عن الكورد
يصف نادر موسوي زاده، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات الجيوسياسية Macro Advisory Partners والمستشار الأول للأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان، عقيدة بايدن الجديدة هذه بأنها "استراتيجية العد المزدوج". لقد حان الوقت للولايات المتحدة لكشف خدعة إيران ونتنياهو في نفس الوقت.
يقول موسوي زاده: "إنكم تخدعون إيران استراتيجياً، وفي الوقت ذاته، تشرعون في مبادرة غير مسبوقة لوضع الأساس لدولة فلسطينية منزوعة السلاح بطريقة لم تفعلها الولايات المتحدة من قبل". يضيف: "كل مسار يحتاج إلى الآخر لينجح. وكل مسار يعزز الآخر ويبرره. التصدي الجدي والحاسم لإيران ووكلائها بشكل معزز ومستدام يعزز أمن إسرائيل وأمن حلفائنا العرب. إن إقران ذلك بالتزام أميركي حقيقي وجريء بالدولة الفلسطينية يمنحنا الشرعية لاتخاذ إجراءات ضد إيران وحلفائها، وهو ما نحتاج إليه لنكون أكثر فعالية. كما أنها تعزل إيران عسكرياً وسياسياً".
نتنياهو هو السبب الذي جعلني أتوصل إلى هذه القاعدة الخاصة بتقارير الشرق الأوسط: "كل ما يقوله لك الناس باللغة الإنجليزية على انفراد لا يهم. كل ما يهم هو ما يقولونه علانية بلغتهم الخاصة".
وقد همس نتنياهو لبايدن سراً بأنه قد يكون في يوم من الأيام على استعداد &- ربما فقط &- للنظر في نوع من الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، بينما قال بالعبرية علناً العكس تماماً.
تجربة بايدن الطويلة مع نتنياهو كفيلة بتوضيح الأمور في ذهنه، وليعرف أن نتنياهو كذاب ومخادع ويحاول ببساطة جره إلى الفخ. لقد حان الوقت لإنهاء لعبة نتنياهو وآيات الله في الوقت ذاته. إن مبدأ بايدن هو الطريقة الصحيحة للقيام بذلك.
إقرأ أيضاً: مغادرة القوات الأميركية في الميزان
يذكر موسوي زاده على لسان بايدن: "لقد تسامحنا مع قيام إيران بتدمير كل مبادرة بناءة حاولنا تنفيذها في الشرق الأوسط &- طالما ظلت طهران تحت عتبة الهجوم المباشر ضدنا. وفي الوقت نفسه، تسامحنا مع حكومة نتنياهو التي تسعى إلى منع أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية بشكل دائم، حتى إلى درجة دعم حماس ضد السلطة الفلسطينية لسنوات عديدة لضمان عدم وجود شريك فلسطيني موحد". وأعقب موسوي زاده قوله: "كشف 7 تشرين الأول (أكتوبر) أنَّ سياستنا تجاه إيران كانت مفلسة وأن سياستنا الإسرائيلية الفلسطينية كانت مفلسة. سمحت هذه السياسات لحماس بزعزعة إسرائيل. وسمحت للحوثيين بشل حركة الشحن العالمية، وسمحت للميليشيات الشيعية الموالية لإيران لمحاولة إخراج القوات الأميركية من المنطقة &- القوات المنتشرة هناك لمنع داعش من العودة والمساعدة في الحفاظ على استقرار المنطقة بشكل معقول". ويضيف أن كل هذا حدث دون أن يحمّل أحد النظام في طهران المسؤولية عن كيفية "نشر عناصره السامة والمدمرة من الدول الأخرى في جميع أنحاء المنطقة ضد الأهداف البناءة لحلفائنا" في المنطقة. إن إسرائيل تخسر الآن على ثلاث جبهات. لقد خسرت حرب الإعلام وخسرت كسب تأييد الرأي العام العالمي لها في هجومها البربري على غزة: فبالرغم من أن حماس قتلت واغتصبت إسرائيليين، فإن إسرائيل هي التي مثلت أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب الخسائر في صفوف المدنيين التي تسببت بها في غزة أثناء محاولتها استئصال مقاتلي حماس الذين تم دمجهم في صفوف المدنيين. وهي تخسر على جبهة الاستقرار الإقليمي: فإسرائيل الآن هدف لهجوم إيراني رباعي المحاور - من حماس وحزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق - لكنها لا تستطيع إيجاد حلفاء عرب أو في حلف شمال الأطلسي الذي تحتاجه لكسب هذه الحرب، لأنها ترفض القيام بأي شيء من أجل إنشاء شريك فلسطيني شرعي وذو مصداقية. ويخلص موسوي زاده إلى أنه، إذا ظهرت عقيدة بايدن، "فستكون جيوسياسية جيدة في الخارج وسياسة جيدة في الداخل".
إقرأ أيضاً: طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟
وهذا من شأنه أن يردع إيران عسكرياً وسياسياً، ويسحب الورقة الفلسطينية من طهران. وهذا من شأنه أيضاً أن يعزز قيام دولة فلسطينية بشروط تتفق مع الأمن الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، يخلق الظروف اللازمة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بشروط يمكن للفلسطينيين قبولها.
وهي استراتيجية يمكن أن تنجح مع الأميركيين العرب في بحيرة ميشيغان ومع الحلفاء العرب في الخليج العربي. إنها استراتيجية يمكن أن تفرض المساءلة داخل السياسات الإيرانية والفلسطينية والإسرائيلية. من الواضح إن أميركا لا ترغب في خوض مواجهة كبيرة ومباشرة مع إيران، لكنها قد تضطر للسماح لإسرائيل بتوجيه ضربات جوية موجعة لإيران دون خوف من التعرض لإدانة دولية.