فضاء الرأي

تقسيم العراق.. مديات التقسيم واللاعبون الأساسيون

يرى البعض أن الموارد النفطية تشكل عاملاً مساعداً في تقسيم العراق
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تظهر بين الفينة والأخرى الأصوات الداعية إلى ضرورة إنشاء الأقاليم في العراق على أساس المذهب والقومية، وهو الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام حول النوايا والمبتغى من هذا الإعلان. الملاحظ أن المحافظات العراقية، بجميعها، تعيش حالة من الاستقرار السياسي والأمني، وهي في طور تحقيق نقلة نوعية في مجال الاستثمار والإعمار، مع خطوات لا بأس بها في مجال الخدمات. أما فيما يخص التجربة الكردية، التي بدأت وتأسست في سبعينيات القرن الماضي، فهي مختلفة لأنها تعبر عن مكون قومي واحد له خصوصيته التي تشمل عاداته وتقاليده الموروثة.

أدوات التقسيم لا تبدو سياسية فقط، بل يمكن النظر إلى أبعد من ذلك؛ ربما تكون الموارد النفطية عاملاً مساعداً في عملية تقسيم البلاد. العالم يتنافس للسيطرة على القطاع النفطي في العراق، وقد هرولت الشركات الصينية للسيطرة على هذا القطاع الحيوي الذي يعد المصدر الوحيد لمعيشة الفرد العراقي. لقد فازت معظم هذه الشركات بالعقود النفطية، مما يؤكد هيمنة الصين على قطاع النفط والغاز في العراق. هذا دفع واشنطن إلى الإسراع بعقد شراكة مستدامة مع العراق عبر تأمين صفقة مع شركة "توتال إنيرجي" بقيمة 27 مليار دولار لوقف التمدد الصيني في الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق.

في الأيام الماضية، شهد العراق إعلاناً في مجال النفط والغاز من خلال جولة التراخيص، حيث فازت الشركات الصينية بمعظم العقود الـ13 لحقول النفط والمواقع الاستكشافية التي منحتها وزارة النفط في أحدث جولة من التراخيص. هذا يعني أن تطوير هذه الحقول سيضيف حوالي 850 مليون متر مكعب من الغاز إلى إنتاج البلاد، وهو ما يتماشى مع طموحات الصين للسيطرة على العقود القادمة والاستمرار في مسك الأرض العراقية لعقود. هذا سيشكل جزءاً كبيراً من مستقبل الصين السياسي والاقتصادي. في المقابل، سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إيقاف هذا التمدد من خلال إبرام صفقات أخرى للنفط والغاز، وأبرزها الصفقة الرباعية بقيمة 27 مليار دولار مع شركة "توتال إنيرجي" الفرنسية.

إقرأ أيضاً: إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق: العراقيل والحلول

امتدت عقود النفط والغاز الصينية في العراق لتسيطر على ما يقارب ثلث احتياطات النفط والغاز العراقي المؤكدة، بالإضافة إلى ثلثي إنتاجه الحالي. وهي خطة أعدتها بكين منذ فترة طويلة وتعمل عليها بهدوء. بمجرد أن أنهت القوات القتالية للتحالف الدولي في العراق مهمتها عام 2021، سارعت الشركات الصينية لعقد صفقة لاستيراد النفط العراقي بقيمة 2 مليار دولار لمدة خمس سنوات، مما يعكس دقة السياسة الصينية في العراق. يأتي هذا بالتوازي مع العقود التي أبرمتها الشركات الروسية مع إقليم كردستان منذ عام 2017، والتي أعطت موسكو سيطرة فعالة على جميع منشآت النفط والغاز في الإقليم.

بالرغم من أن الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بنفوذ كافٍ للضغط على الحكومة العراقية لتوسيع شروط الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين، إلا أن بغداد منحت بكين الأفضلية في جميع عقود النفط والغاز بأسعار مخفضة. في عام 2021، توسعت الصين في العراق وذهبت إلى أبعد من النفط والغاز بمنح عقود للشركات الصينية لبناء البنى التحتية في جميع أنحاء البلاد. من أبرز الأمثلة على ذلك عقد بناء مطار ذي قار الدولي، الذي حل محل قاعدة الإمام علي العسكرية، حيث سيستخدم جزء من هذا المطار لعمليات النقل الجوي بين العراق والصين.

إقرأ أيضاً: السنوار لا يلعب

الوضع الاقتصادي دخل على خط تقسيم العراق بين القوى الدولية على أساس المصالح الاقتصادية. هذا يفسر التنافس المحتدم للسيطرة على قطاع الطاقة في البلاد. ظاهرة التقسيم لا تعني بالضرورة تقسيماً طائفياً أو قومياً، بل قد تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية تكون أخطر من الأهداف الطائفية، في مسعى جديد لتقسيم مبني على دوافع ظاهرية ترتكز على الاقتصاد، ولكن تحمل في العمق أبعاداً تشبه "سايكس بيكو" جديداً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف