شكّلت المباحثات بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق حول خروج قوات التحالف الدولي، وتحديداً الأميركية منها، هاجساً كبيراً لدى القيادات العراقية السياسية والأمنية. اختلفت القوى السياسية حول هذا الخروج، فبعضها يعتقد أنَّ العراق ما زال بحاجة لوجود هذه القوات بسبب التهديدات المباشرة من قبل الجماعات الإرهابية، بينما يرى البعض الآخر أن إنهاء وجودها قد يشكل تهديداً للوجود السياسي للعراق. ومع ذلك، فإن الغالبية اتفقت على ضرورة خروج القوات من العراق نهائياً، والاعتماد على القوى الأمنية بكافة صنوفها إلى جانب الحشد الشعبي الذي أثبت جدارة ومهارة عسكرية في حفظ البلاد من الانهيار.

تبحث الولايات المتحدة الأميركية عن ذريعة للبقاء في العراق من خلال خلق الأزمات مع الجانب العراقي. لذلك، سعت حكومة محمد شياع السوداني إلى الجلوس مع الجانب الأميركي لوضع ركائز العلاقة بين الجانبين وفق المصالح الاقتصادية المشتركة، وللإسراع بحل أي إشكالات فنية قد تؤخر عمليات الانسحاب. وقد اتفق الجانبان على إنهاء وجود القوات خلال سنة واحدة بالنسبة إلى القواعد الموجودة في الأنبار وغيرها، وخلال سنتين بالنسبة إلى المعسكرات في إقليم كردستان، وذلك من أجل إنهاء الملف العسكري والتحول إلى ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة عام 2008، والتي أصبحت بدورها حبراً على ورق.

إقرأ أيضاً: ماذا بعد مقتل هنية؟

حرصت الحكومة العراقية على أن تكون من الداعمين الرئيسيين للعمل بشكل وثيق مع جميع الجهات الفاعلة الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، التي تمثل الشريك الرئيسي للعراق. استطاع العراق أن يكون لاعباً إقليمياً بنّاءً وعاملاً في استقرار المنطقة، ونجح إلى حد كبير في التوسط لإنهاء صراعات معقدة مثل الخلاف بين طهران والرياض، وتقريب وجهات النظر بين دمشق والرياض، وإعادتهما إلى حاضنة الجامعة العربية بعد قطيعة طويلة. ما جعل العراق يكتسب علاقات متميزة مع المجتمع الدولي.

إقرأ أيضاً: النفط: سلاح المعركة القادم!

اقتربت العلاقات الأميركية العراقية كثيراً من خارطة العلاقة في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب 2020، حيث رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواء من الجانب الأميركي أو أي طرف آخر، وأكدت أنَّ العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة. وبالرغم من التصريحات القوية من العراق، أرسل رئيس الوزراء رسائل تهدئة إلى واشنطن من خلال الإشارة إلى أن إنهاء الوجود الأميركي قد يعني بداية علاقة جديدة بين البلدين، تمتد مع حجم المصالح المتبادلة وتفعيل "الاتفاقية الاستراتيجية" بين الجانبين، والانتقال إلى علاقات ثنائية متينة.

إقرأ أيضاً: السنوار لا يلعب

في ظل الوضع الراهن، سوف يحتاج العراق إلى عمل مضنٍ لإرضاء الجميع والخروج منتصراً. لا يزال أمام الحكومة العراقية أن تعمل بمصداقية، وضع مصالح العراق في المقام الأول، وحماية البلاد من المنافسات العابرة. يجب على العراق أن يتفاوض على إجراء العديد من الصفقات التي من شأنها درء الخطر المحدق وتفويت الفرصة على من يريد بالبلاد الخراب والتراجع، وذلك من خلال علاقات مبنية على الوثيقة الموقعة مع التحالف دون أي جداول زمنية أو مواعيد نهائية قسرية. كما ينبغي على الحكومة العراقية أن تنخرط في حوار شامل، يشمل جميع شركاء التحالف، ويغطي القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية. وأي نهج آخر سيكون محفوفاً بالمخاطر وقد يؤدي إلى نتائج خاسرة لجميع أصحاب المصلحة.