المقاتل الفلسطيني الذي يقاتل عدوه الإسرائيلي هو مقاتل شجاع يدافع عن حقه في أرضه، ولكن شجاعته تفقد مصداقيتها عندما يختبئ خلف المدنيين العزل. هنا، يجعل هذا المقاتل المدنيين أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن يقوم المدنيون بإرشاد الجيش الإسرائيلي إلى موقع اختباء المقاتل الفلسطيني، وهذا يعتبر خيانة يستحيل أن يقترفها هذا الشعب العظيم، أو أن يصمتوا ويدفعوا ثمن ذلك، رغم معرفتهم بمكان اختباء المقاتل. هذه تعتبر كارثة، لأنَّ العدو الإسرائيلي سيعامل المدنيين كأعداء متسترين على من يقاتلهم، ومتعاونين مع حاملي السلاح الذين يقاتلونهم، فتعمل قواته على تدمير بيوت المدنيين وتشريدهم من ديارهم، وربما قتلهم.
هذا السيناريو تكرر مرات عدَّة في غزة، واليوم في الضفة الغربية، ويتكرر نفس السيناريو في جنوب لبنان. فمتى يستوعب المقاتل الفلسطيني الدرس ويبتعد عن المدنيين وهو يعلم أنَّ الضحية ستكون جموع المدنيين الأبرياء؟ هل هذا الاختباء حنكة عسكرية أم غباء مستفحل؟ أم شجاعة أم جبن؟
أيها المقاتل البطل، إذا كنت تقاتل من أجل الوطن، فليكن بعلمك أن الوطن ليس مجرد تلك الرمال على الأرض، بل هو حياة وكرامة هؤلاء الأبرياء العزل. إنَّ إهانة كرامتهم وتعريض حياتهم للخطر هو تدنيس للوطن. فامَّا أن تكمل شجاعتك بالخروج إلى عدوك وجهًا لوجه لتمنع وصول الأذى لأهلك وأقربائك وجيرانك وحبيبتك، أو تترك السلاح جانبًا. هناك طرق كثيرة يعرفها العقلاء للتعامل مع من هو أقوى منهم، أما العناد والإصرار على تعريض المدنيين للخطر، فهذا تهور وجهالة.
ألا يكفيكم قتل وجرح أكثر من مئة ألف من أهالي غزة؟ هل تأملون أن يترككم عدوكم وأنتم تختبئون خلف المدنيين؟ عدوكم واضح وصريح، وقد قالها مرارًا وفعلها تكرارًا: إن اختباءكم خلف المدنيين لن يعفي المدنيين من الضرر. فهل فهمتم عدوكم أم ما زلتم بحاجة إلى تجارب أخرى وموت أعداد أخرى من الأبرياء لتعرفوا عدوكم؟
إقرأ أيضاً: الرهائن هم الضحية
أسلوب الاختباء خلف المدنيين هو أسلوب ناجح فقط عندما يكون المدنيون هم أهل وأحباء وأقارب جيش العدو، وليس أهلك أيها المجاهد. لا تخدع نفسك بأنك فعلت حسناً عندما أنقذت روحك بالاختباء وعرضت حياة مئات الآلاف للهلاك. هذه لعبة قذرة لا ينبغي أن يفعلها مقاتل شريف.
يقولون إنهم يفعلون ذلك لتشويه سمعة العدو الإسرائيلي ووحشيته أمام العالم. حسنًا، الآن وقد شوهتم سمعة عدوكم الإسرائيلي، بماذا نفعتكم هذه الفلسفة؟ وبماذا نفعت الشعب الفلسطيني؟ تتوسلون المنظمات الإنسانية لتسعف المرضى والأطفال وكبار السن والنساء الحوامل. ها هي دول العالم تتفرج على مأساتكم، ولم تشجب حتى بالكلام عدوكم، وجميعهم يقفون خلف إسرائيل بالمال والسلاح والإعلام. فهل ستشوهون سمعة العدو أمام أنفسكم فقط؟
إقرأ أيضاً: لماذا الحرب العالمية الثالثة؟
تتذكرون جيدًا مجاميع من المدنيين الإسرائيليين تعرضت للقتل والخطف في يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كانت تكفي لتشوه سمعتكم لعشرات السنين. هذا هو التشويه! هكذا يلعب العقلاء، وهكذا يلعب الأقوياء. فإن لم تكونوا أقوياء، كونوا عقلاء، أو اتركوا الأمر بيد من خاض التجربة سبعين عامًا. فإنَّ قادة منظمة التحرير الفلسطينية قاتلوا عدوكم قبلكم بوطنية وبإخلاص لعقود طويلة حتى رسى بهم المركب إلى شاطئ العمل السياسي العقلاني لاسترداد الحقوق. فهم أدرى منكم بالقضية الفلسطينية وآلامها، ولم يخونوا قضيتهم، ولم يقبلوا وصاية أحد عليهم كما تفعلون الآن.
لم يكن قادة العرب الذين حاربوا إسرائيل في ثلاثة حروب كبرى خونة للقضية الفلسطينية، بل كانوا أهلها والأكثر حرصًا عليها، لكنهم عرفوا قوة وبطش ودهاء عدوهم، فعملوا على حفظ كرامة شعوبهم عندما حولوا القضية الفلسطينية إلى غرف السياسة. ولكن للأسف، أنتم مجرد مراهقين تتلاعب بكم الأيادي الأجنبية، لا تعرفون معنى كرامة الأبرياء العزل. ستتعلمون ذلك بعد فوات الأوان.
التعليقات