فضاء الرأي

تركيا واللغة العربية

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تُعتبر اللغة العربية عند كثير من غير العرب من المثقفين والباحثين في التاريخ والدراسين لعلاقات أمم الأرض وشعوبها لغةَ الحضارة الإسلامية التي تركت بصمة واضحة وعميق الأثر في ثقافاتٍ وآدابٍ والنسق المعرفي للأمم والشعوب الأخرى التي نشر العرب دينهم الإسلامي على أراضيها وبين سكانها.

لقد تراجعت بعض الدول عن استخدام اللغة العربية في الكتابة والتدوين والتوثيق، مثل تركيا في عهد مصطفى كمال أتاتورك، من أجل أن يقبلها الاتحاد الأوروبي انضمامًا إليه على أساس أنها دولة أوروبية، ولحد الآن يرفض هذا الاتحاد قبول انضمامها إليه، رغم أن في داخله تنظيماتٍ وسياساتٍ تشهد مناوشات وتقاطعات حادة من بعض الدول الأعضاء التي تدعو إلى تفكيك هذا الاتحاد لأنّه يتعارض مع مفهوم الاستقلال العام لشعوب هذه الدول الأعضاء، وخاصة على المستوى الاقتصادي والثقافي والفكري. وكان هذا ولا يزال الهدف الأساس لأحزاب اليمين المتطرف الحاكمة في أوربا مثل فرنسا وألمانيا.

ولو عدنا إلى تركيا في سعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لوجدناها قدّمت تضحيةً كبيرةً ومذهلة على طريق هذا الهدف تمثلت في نسف ماضيها المشرف المرتبط بالحضارة والفتوحات الإسلامية، ووجّهت ضربة عنيفة لتاريخها الذي اكتسب أهميةً إيديولوجية وثقافية وفكرية على مستوى النهوض العلمي والتقدم المعرفي عندما اعتُمدت الشريعة العقائدية الإسلامية كقاعدةٍ خلفية وازنة للانطلاق نحو آفاق التنوير الفكري والتسامي المعرفي.

وأمام هدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو هدف اقتصادي بالدرجة الأولى والحصول على صفة جغرافية بأنّ تركيا دولة أوروبية، باعتبار أن قارة أوروبا صاحبة النهضة العصرية في الحداثة الثقافية والاتساع الفكري والتطور المعرفي في المدى العلمي المتصاعد والتطور التكنولوجي المتسارع، قدمت تركيا تضحيةً تاريخيةً وعقائدية كبيرة قربانًا لهذا الهدف تمثّل في نسفها المتعمّد والمدروس أي مَدَد أو رابط عقائدي يربطها بالدين الإسلامي الحنيف، ولنقل على المستوى السياسي الحاكم اعتنقت بقوةٍ لا مثيل لها حتى بين الأوساط العلمانية الفرنسية منبع ومصدر ووطن الفكر العلماني بمختلف إيديولوجياته وتفرعاته الفكرية والإبستمولوجية.

نعم اعتنقت تركيا العلمانية المادية بكل ما تحمل من رؤى وفلسفات مادية عميقة مشوّهة وعقيمة تفسد عقل الإنسان، وضربت عرض الحائط تاريخها وماضيها المرتبط بوثاقةٍ بالإسلام وبأمّة الإسلام وبحضارة الإسلام التي حرّرت الشعوب من المظالم والقمع والطغيان من قبل حكام الديانات الوثنية وغيرها التي تحتكر حقوق الإنسان وتمتهن كرامته وتستعبده، فأطلقت سراحه وأعطته حريته الكاملة في العيش والكلام والتحرك كما يشاء دون قيود وشروط من العبودية والاستغلال.

واختارت تركيا لنفسها الدخول إلى دهاليز الظلام المعرفي وضيق آفاق التفكير وسطحية الإدراك، وهذه كلها مساوئ مدفونة في أعماق المناهج العلمانية الميثيولوجية التي أطلق عليها كتاب دين الإسلام القرآن الكريم عنوان "أساطير الأولين" على لسان الجاحدين لربهم والمنكرين لرسلات السماء وآخرها رسالة النبي محمد (ص).

فتركيا على المستوى الرسمي من خلال تبنيها للعلمانية الفرنسية وتخليها عن اللغة العربية قد بلغت سعة انشقاقها عن هذه اللغة وزرع الغربة بينها وبين لغة القرآن إلى حد أنها لا تسمح بكتابة كلمةٍ واحدة باللغة العربية في أي أمر أو محضر. وشاهدي على ذلك قبل سنة أو سنتين: شنت دوائر البلديات في تركيا حملة على منع كتابة بعض لافتات المحال التجارية باللغة العربية وقامت بإنزال ما مكتوب منها باللغة العربية من واجهات تلك المحال. ولا توجد دولة تخشى ماضيها المشرف بكل معطياته النبيلة في انتمائه للإسلام مثل تركيا حتى اللغة لم تسلم من هذه الخشية من أجل أهداف في الجغرافيا السياسية وهمية بعيدة عن الواقع.

اللغة العربية التي تمثل عنصر التوثيق والتدوين التاريخي الإسلامي لنبغ مهم وكبير من الحياة في العصور الوسطى لتركيا، واعتمدت بدلًا منها الحرف اللاتيني، فقد اختارت لنسف إيمانها بـــ "أساطير الأولين" الظلامية واعتناقها بدلًا من الإسلام الذي يمثل الصفحة المشرقة في التاريخ القومي التركي وبناء مستقبل زاهر لها يزهو بنور لغة القرآن ولغة أهل الجنة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف