فضاء الرأي

حزب الله.. قبول ما لا يمكن قبوله!

صدام حسين بين قواته في الكويت بعد الغزو عام 1990
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

واحدة من كوارث حزب الله على لبنان أنه أجهض، عبر سنوات طويلة وتحت عناوين مختلفة، مشروع الدولة اللبنانية. وللمفارقة، فإن هذه الصيغة الدستورية هي ما تريده إسرائيل وإيران بالضبط!

تدرك إسرائيل أن شغور منصب رئاسة الدولة هو أفضل حالة يمكن أن تُقدم لها، فلبنان عملياً غائب عن كل ما يحدث، ومن يقرر السلم والحرب فيه حزب سياسي لا يمثل كل لبنان ولا حتى كل الطائفة، وهي حالة مثالية لإسرائيل دون أدنى شك.

لذلك، وخلال التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد لبنان، استخدمت إسرائيل قوة ردع مميتة لم يعهدها الحزب ولا لبنان في كل حروبه السابقة مع إسرائيل.

كان الهدف من هذا التصعيد النوعي هو خلق ظروف نوعية مستقبلية تفرض واقعاً تفاوضياً جديداً، وهذا ما حصل فعلياً.

ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين إسرائيل وحزب الله، فإن إسرائيل تكون قد حققت أحد أهم الأهداف التي كانت تسعى لها منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وهو فك الارتباط فيما سُمّي بـ"وحدة الساحات".

لقد تلقى حزب الله ضربات هائلة تفوق قدرته على التحمل والتحدي. ومع عمليات القتل الدقيقة والمباشرة للصف الأول والثاني وربما الثالث من قياداته، إضافة إلى مقتل معظم كوادره الفاعلة والمؤثرة وفقدانه لمعظم قوته العسكرية، بات بقاء الحزب كقوة سياسية وعسكرية فاعلة في لبنان موضع شك حقيقي.

رأينا سابقاً كيف تعاملت إسرائيل عسكرياً وسياسياً مع منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، حتى انهيارها وأخيراً خروجها النهائي من لبنان سنة 1982. إسرائيل عازمة هذه المرة على سيناريو مماثل تماماً.

إسرائيل ماضية في إنهاء الحزب كما فعلت مع منظمة التحرير الفلسطينية، أو على الأقل تحييده عن ساحة الصراع. وعملياً، فقد وافق الحزب على معظم الشروط الإسرائيلية التي فُرضت عليه.

لقد وافق الحزب على وقف إطلاق النار، وقبول ما لا يمكن قبوله، والدفع به إلى ما وراء الليطاني. ومُنحت إسرائيل حق التدخل في لبنان عند الحاجة، وفُرضت إرادة إسرائيلية جديدة في مراقبة الحدود، وهناك حديث عن تفكيك الحزب عسكرياً تحت إشراف جهات دولية فاعلة.

بقي أن نشير إلى أن تصريحات حزب الله الأخيرة والمتكررة، ومعه نعيم قاسم، هي وبلا شك خارج نطاق الزمان والمكان الذي يعيش فيه الرجل. فهي حالة انفصال حقيقي عن الواقع.

إقرأ أيضاً: حرب قتل القيادات

نعيم قاسم يقول: "نحن نربح حين لا نخسر"!.

حالة الإنكار هذه ليست جديدة، بل هي حالات مألوفة في الأنظمة المأزومة والكيانات المهزومة عموماً.

في الحرب العالمية الثانية، عندما كان الجيش الألماني السادس يحتضر في ستالينغراد، قال وزير الماكنة الدعائية النازية جوزيف غوبلز: "نحن ننتصر، نحن لا نخسر"، وبشّر الألمان بفتوحات أكثر تطرفاً وشمولاً!

وحين كانت إسرائيل تدك مطارات مصر ومعها مقدرات الأمة في حرب حزيران (يونيو) 67، كان أحمد سعيد، عبر صوت العرب من القاهرة، يقول: "نحن ننتصر، نحن لا نخسر"!

إقرأ أيضاً: لماذا فاز ترامب؟

وحين غزا صدام حسين الكويت، وتم دحره بتحالف دولي قادته الولايات المتحدة، وخسر نصف جيشه الذي ألقاه في الكويت، قال أيضاً: "نحن ننتصر، نحن لا نخسر"، وسمى خسارته الفادحة بمعركة أم المعارك!

نعيم قاسم لم يذهب بعيداً عنهم، إلا أنه أكثر أيديولوجية منهم. لذلك فهو دائماً منتصر، والآخر دائماً مهزوم مهما كانت الحقائق والمعطيات على الأرض.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف