اجتماع الأردن: سوريا أم العراق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في ظل التحولات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة، تزداد أهمية الاجتماعات الإقليمية والدولية، خاصة تلك التي تجمع القوى الكبرى ودول المنطقة. اجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة وتركيا وعدد من الدول العربية في الأردن السبت 14 كانون الأول (ديسمبر) 2024 يعكس هذه الديناميكية، إذ يحمل في طياته رسائل متعددة تتعلق بالقضايا الإقليمية الأكثر إلحاحًا، وعلى رأسها الأزمة السورية ومستقبل العراق. لكن السؤال الأهم هو: هل سيركز الاجتماع على حل الأزمة السورية، أم أن العراق، بموقعه الاستراتيجي وأزماته المعقدة، سيكون محور النقاش؟
سوريا في قلب النقاشات
الأزمة الإنسانية والسياسية
تُعتبر الأزمة السورية واحدة من أعقد الأزمات في الشرق الأوسط. فقد أدت إلى تدفق ملايين اللاجئين إلى دول الجوار، خاصة لبنان والأردن، مما شكّل ضغطًا كبيرًا على الموارد الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول. كما أنَّ الصراع السوري قد أفضى إلى تغييرات جذرية في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، حيث تشارك قوى إقليمية ودولية مثل تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة في معركة النفوذ داخل سوريا. ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية وازدياد الاحتياجات الملحة لإعادة الإعمار، من المحتمل أن يركز الاجتماع على تنسيق الجهود الدولية والإقليمية لتخفيف الأزمة الإنسانية، بالإضافة إلى البحث عن تسوية سياسية لإنهاء الصراع.
النفوذ التركي والأميركي
تركيا تُعتبر لاعبًا رئيسيًا في الملف السوري، حيث تسعى إلى محاربة الجماعات الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) التي تعتبرها تهديدًا لوحدة أراضيها. كما تهدف تركيا إلى الحد من تأثير قوات سوريا الديمقراطية في روجافا كردستان (شمال شرق سوريا). من جانبها، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على وجودها العسكري في المنطقة لمكافحة تنظيم داعش والتصدي لتوسع النفوذ الإيراني والروسي، كما تأمل في دعم الأكراد ضد هذه القوى. ومن المرجح أن يناقش الاجتماع تنسيق الأدوار بين هذه الأطراف في سياق تحقيق استقرار نسبي في سوريا.
الموقف العربي
الدول العربية، وخاصة الأردن، تسعى إلى دور أكثر تأثيرًا في الملف السوري. الأردن، الذي يستضيف ملايين اللاجئين السوريين، يواجه تحديات كبيرة على المستويين الأمني والاقتصادي، حيث يخشى من امتداد النزاع السوري إلى أراضيه. من ناحية أخرى، بينما تحافظ دول مثل السعودية والإمارات على موقف متباين، يمثل هذا الاجتماع فرصة للأردن ودول عربية أخرى لتقديم رؤيتها بشأن استقرار سوريا. بعض الدول العربية، مثل الإمارات، تتجه نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري في محاولة لاحتواء الأزمة من الداخل، مع التأكيد على ضرورة التوازن في مواجهة النفوذ التركي والإيراني.
العراق: محور آخر للنقاشات؟
موقع استراتيجي وأزمات متداخلة
العراق يمثل نقطة محورية في أيّ نقاش حول استقرار المنطقة، نظرًا لموقعه الجغرافي الذي يجعله نقطة التقاء بين إيران وتركيا، وهما قوتان إقليميتان تسعيان للهيمنة على الشأن العراقي. كما أنَّ العراق يعاني من مشكلات أمنية خطيرة، مثل النفوذ الإيراني في الحكومة العراقية، والصراعات الطائفية، وانتشار الجماعات المسلحة مثل داعش.
النفوذ الإيراني
بالنظر إلى النفوذ الإيراني الكبير في العراق، قد يكون الاجتماع فرصة للولايات المتحدة وحلفائها العرب لمناقشة سبل تقليص هذا النفوذ. تركيا، التي تربطها علاقات اقتصادية وأمنية مع العراق، قد تسعى أيضًا لضمان أن يتم تحديد مصير العراق بما لا يتعارض مع مصالحها.
الأمن الإقليمي
تجعل الحدود المشتركة بين سوريا والعراق من الصعب فصل القضايا الأمنية بين البلدين. ورغم تراجع تنظيم داعش، إلا أنه لا يزال يشكل تهديدًا مشتركًا، مما يدفع المجتمعين إلى البحث عن آليات أكثر فاعلية لضمان الأمن على جانبي الحدود.
التداخل بين الملفين السوري والعراقي
من الواضح أن قضايا سوريا والعراق مترابطة بشكل وثيق. على سبيل المثال، عندما تزداد حدة القتال في سوريا، تزداد التهديدات الأمنية على الحدود العراقية، مما يؤثر على استقرار العراق. كما أن تحركات داعش في سوريا تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الأمنية في العراق، حيث يحاول التنظيم استغلال الفوضى في البلدين لإعادة تنشيط خلاياه النائمة. كذلك، يتطلب استقرار سوريا من العراق تعزيز التعاون الإقليمي في مجالات الطاقة والنقل. سياسيًا، فإنَّ دعم الاستقرار في العراق يساهم في إضعاف الميليشيات العابرة للحدود التي تؤثر على أمن سوريا. أما أمنيًا، فإن التنسيق المشترك بين البلدين ضروري لمنع عودة الجماعات الإرهابية أو تمددها.
خاتمة
رغم أن الاجتماع يبدو في ظاهره مخصصًا لسوريا، إلا أن العراق يظل حاضرًا في خلفية النقاشات. التحديات المشتركة في البلدين، سواء من حيث النفوذ الإيراني أو التواجد العسكري التركي في إقليم كردستان (منطقة الحدود التركية العراقية) وروجافا كردستان، أو القضايا الأمنية، أو الحاجة إلى استقرار إقليمي أوسع، تجعل من الصعب الفصل بين الملفين. نجاح هذا الاجتماع يعتمد على قدرة الأطراف المشاركة على تحقيق توازن بين الأهداف السياسية والأمنية لكل من سوريا والعراق، مع مراعاة المصالح الإقليمية والدولية المتشابكة.