فلسطينيو أوروبا بين بناء المجتمع ومناصرة القضية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يعيش الفلسطينيون في أوروبا كجزء من نسيج المجتمع، فبعد حصول كثير منهم على جنسيات كالبريطانية والفرنسية والإيطالية وغيرها، أصبح دورهم تجاه قضية بلادهم قويًا وممتدًا ومؤثرًا، فأصبحوا يحملون هم القضية الفلسطينية أينما كانوا.
ومؤخرًا، نظمت الجاليات الفلسطينية في مختلف الدول الأوروبية مسيرات وتظاهرات تندد بالحرب الإسرائيلية على غزة وحرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني كل يوم على مدار عام كامل. ساهم هذا الحراك الفلسطيني في الضغط على سلطات الدول الأوروبية من أجل إعلان موقف رسمي مضاد لإسرائيل والتنديد بمجازر الاحتلال ضد الفلسطينيين، حتى امتد الأمر إلى مطالبة الاحتلال برفع يده عن الشعب الفلسطيني ووقف مسلسل الانتقام منه بعد أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
أدرك الفلسطينيون في أوروبا أهمية المناصرة السياسية كأداة للدفاع عن حقوقهم الوطنية، ونجح العديد من الناشطين الفلسطينيين في الوصول إلى مواقع مؤثرة في البرلمانات المحلية والمؤسسات الأوروبية. ساهم ذلك في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية في الساحة السياسية الأوروبية وتعزيز التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ومع توسع الجاليات الفلسطينية في أوروبا، يشارك العديد منهم بنشاط في جهود المناصرة لرفع مستوى الوعي حول القضية الفلسطينية. يتيح هذا الحضور المتزايد لهم التأثير على الرأي العام وتعزيز التضامن مع وطنهم منذ هجرتهم من فلسطين عام 1948 بفعل الاحتلال الإسرائيلي.
لكن بالتأكيد، تقف تحديات ومخاوف أمام العمل الفلسطيني في أوروبا. من بين الأسباب، الحراك الذي أصبح قويًا وفعالًا ومؤثرًا في القارة الأوروبية، بالإضافة إلى تحرك سياسي يحقق نجاحات متعددة ومناصرة للقضية الفلسطينية.
ولعبت المؤسسات الفلسطينية في أوروبا العاملة في المجال الخيري والإغاثي دورًا مهمًا في تخفيف الواقع الإنساني الصعب الذي يعيشه أهالي غزة مؤخرًا. جمعت هذه المؤسسات تبرعات من أجل مناصرة أشقائهم الذين هجّرتهم إسرائيل من بيوتهم وقتلت عددًا كبيرًا منهم وطرحت بهم إلى دور الإيواء والخلاء دون طعام أو مياه نظيفة أو حتى رعاية صحية.
يبدو أن مسيرة دعم فلسطينيي أوروبا لصمود الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل لن تنتهي، خاصة بعد أن أطلقوا قوافل كسر الحصار وتقديم الدعم الإغاثي لقطاع غزة. ساهم ذلك في حراك دولي يطالب بإنهاء الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، إضافة إلى حشد الدعم والتضامن الغربي مع أهالي القطاع المحاصرين على يد إسرائيل.
إقرأ أيضاً: صفقة تبادل الأسرى ومصالح الغزيين
وأطلق الفلسطينيون في أوروبا حملات إغاثية دورية إلى غزة، مثل حملة “معًا لشتاء دافئ”. تعد هذه الحملة رسالة وفاء من الفلسطينيين في أوروبا إلى الشعب الفلسطيني. قدمت هذه الحملات مساعدات إغاثية لآلاف العائلات الفلسطينية في مخيمات لبنان والشمال السوري والعائلات النازحة إلى المدن التركية، وكذلك في قطاع غزة المحاصر. تنوعت المساعدات بين مالية ومواد تدفئة وحليب للأطفال، مما يمثل رسالة حب وتضامن من كل فلسطيني يعيش في أوروبا إلى أهله داخل فلسطين.
كما كانت الساحات والميادين الأوروبية شاهدة على قصة النضال من أجل الفلسطينيين. أكد هذا على أن فلسطينيي الخارج يواكبون دائمًا المحن التي تعصف بالفلسطينيين في الداخل، فيقفون في الساحات ويرفعون أصواتهم نصرة للشعب الذي تعذبه إسرائيل كل يوم ولا يجد من يدافع عنه.
ما أثار الانتباه هو إعلان المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام "إيبال" عن قيام ما يزيد على 22 ألف مظاهرة وفعالية في أكثر من 600 مدينة تتوزع على نحو 20 دولة أوروبية. جاء ذلك بعد مرور أكثر من 10 أشهر على بدء عملية “طوفان الأقصى”، وما تبعها من الحرب الإسرائيلية على غزة التي قتلت أكثر من 44 ألف شهيد و106 آلاف مصاب منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر). يتضح من هذا أن الحراك الفلسطيني في أوروبا قائم ومستمر ولن يتوقف حتى تحين لحظة العودة إلى أرض الوطن.
إقرأ أيضاً: إغلاق معبر الجلمة.. حصار اقتصادي جديد على أهالي الضفة
وأكثر ما عزز الموقف الفلسطيني هو انضمام غير العرب والمسلمين إلى المظاهرات والحراك لدعم القضية. أثبت ذلك بالدليل القاطع وجود دعم دولي للقضية الفلسطينية، كما دلّ على قوة دور فلسطينيي أوروبا في دعم ومساندة بلادهم وأداء دورهم الوطني لصالح القضية.
بعيدًا عن الساحات والميادين الأوروبية، كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور هام في التعبير عن القضية الفلسطينية بكل لغات العالم غير العربية. أكد ذلك على أهمية دور فلسطينيي الخارج في التنديد بممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وكسب التعاطف الدولي تجاه غزة وفلسطين، ليس فقط على أرض الواقع بل أيضًا على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للجميع.
وأكثر ما أثار الدهشة هو ظهور أوروبيين في مقاطع فيديو يعبرون فيها عن غضبهم من إسرائيل بسبب الحرب في غزة ويدينون جرائم الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني. يشير هذا إلى قوة دور الجاليات الفلسطينية والعربية أيضًا في أوروبا في التعبير عن مأساة الشعب الفلسطيني ورفع مستوى الوعي حول القضية وتعزيز التضامن مع وطنهم.
إقرأ أيضاً: مروان البرغوثي.. من السجن إلى الرئاسة؟!
رغم مرور عقود على الوجود الفلسطيني في أوروبا، تظل الهوية الفلسطينية قوية. يعود ذلك إلى التمسك بالتراث الثقافي والوطني والعمل المستمر على إبراز الرواية الفلسطينية. لقد تحولت الجاليات الفلسطينية إلى نموذج يُحتذى به في القدرة على التكيف مع المجتمعات المضيفة مع الحفاظ على القيم الوطنية.
كل هذه المعطيات الإيجابية تبشر بأن الدول الأوروبية ستعيد التفكير في دعمها لإسرائيل واللوبي الصهيوني، وستنظر بعين الرحمة والتضامن مع الشعب الفلسطيني، خاصة أهالي غزة. يؤكد ذلك على أهمية انخراط واندماج فلسطينيي أوروبا في نسيج المجتمع الأوروبي، مما يصب في صالح القضية الفلسطينية.