فضاء الرأي

ترحيل الغزاويين بين الواقعية السياسية والإنسانية

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبجواره وزير الدفاع يسرائيل كاتس
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في عالم السياسة الدولية، حيث المصالح تتقدم غالبًا على المبادئ والقيم المدنية والإنسانية، تظهر بين الحين والآخر قرارات سياسية تعسفية تثير الجدل وتفتح أبواب النقاش الحاد حول أولويات الدول العظمى وقوى الاستكبار ومدى انسجامها مع القيم الإنسانية والقوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة؛ ولعل من أحدث هذه القرارات السياسية الغاشمة قرار أو توجيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني بضرورة قبول لاجئي غزة الفلسطينيين في أراضيهم، وتقديم كافة التسهيلات لهم، وإخلاء غزة ثم فلسطين فيما بعد من كافة الفلسطينيين؛ وقد صرح ترامب بهذا التصريح السياسي المستفز أمام وسائل الإعلام العامة، بل إنه تحدى السيسي وملك الأردن وأكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن أمره سوف ينفذ بالرغم من أنف الرئيس السيسي والملك عبد الله...!!

هذه الغطرسة الأميركية المعهودة والعنجهية الترامبية الثقيلة، تثير لدى العالم أجمع تساؤلات عميقة حول مستقبل القضية الفلسطينية وإسرائيل وخريطة الشرق الأوسط ومدى عدالة توزيع الأعباء الإنسانية في المنطقة المثقلة بالأزمات والصراعات والاضطرابات.

ترامب المعروف بسياساته الاستغلالية وتصريحاته المثيرة للجدل، يبدو أنه يعيد إنتاج سيناريو قديم يتمثل في محاولة إيجاد حلول سريعة لقضايا معقدة عبر تحميل الدول المجاورة المسؤولية، وتبرئة ساحة الصهاينة من كل التبعات الإنسانية والقانونية؛ لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن للقضية الفلسطينية أن تُختزل في مسألة لاجئين يتم إعادة توطينهم هنا أو هناك؟ وهل ملايين اللاجئين الفلسطينيين السابقين وخلال العقود الماضية خففوا من المشكلة الفلسطينية أو أوجدوا حلاً لها؟!

أم أن هذه القرارات الاستكبارية الغاشمة تتجاهل جذور الصراع في المنطقة وتغفل حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتزيد التوترات في العالم والمنطقة، وتنقل الصراعات إلى الدول المجاورة والإقليمية لتشعل المنطقة كلها بنيران لن تنطفئ.

ومن وجهة نظر إنسانية، فإن معاناة سكان غزة لا يمكن إنكارها؛ والحصار المستمر، والحروب المتكررة، والظروف الاقتصادية الصعبة تجعل من غزة مكانًا لا يُحتمل للعيش؛ ولكن الحل لا يكمن في نقل هذه المعاناة إلى دول مجاورة هي الأخرى تعاني من شتى الأزمات والمشاكل، بل في العمل على إنهاء الحصار وتحقيق سلام عادل يضمن حقوق الفلسطينيين واليهود في العيش بكرامة على أرضهم، والبدء بإنشاء الدولتين؛ فالقضية الفلسطينية ليست مجرد أزمة لاجئين يمكن حلها بإعادة التوطين، بل هي قضية حقوق وطنية تتطلب حلولًا سياسية عادلة.

مصر والأردن اللتان تحملان بالفعل أعباء كبيرة نتيجة استضافتهما ملايين اللاجئين الفلسطينيين على مدى عقود، تواجهان تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية داخلية تجعل من الصعب عليهما تحمل المزيد من أعباء القضية الفلسطينية، ومطالبة هاتين الدولتين بقبول المزيد من اللاجئين دون معالجة جذرية للصراع، يبدو وكأنه تهرب من المسؤولية الدولية تجاه القضية الفلسطينية، فضلًا عن الانحياز للإرهاب الصهيوني والمصالح الإسرائيلية؛ علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الأوامر الاستكبارية الغاشمة تثير تساؤلات حول دور الولايات المتحدة في المنطقة؛ وهل واشنطن تعمل كوسيط نزيه يسعى لتحقيق السلام، أم أنها تفرض أجندات سياسية مشبوهة تخدم مصالحها دون اعتبار لتطلعات الشعوب ومصالح دول المنطقة.

في النهاية، فإن توجيهات وأوامر ترامب الباطلة تهدف إلى تبرئة إسرائيل من كافة التبعات الإنسانية والقانونية وتعمل على تمدد إسرائيل وتخفيف الأعباء عنها، من خلال ترحيل الفلسطينيين وتمدد الإسرائيليين على حسابهم وحساب العرب؛ إلا أن هذه السياسة الأميركية تخلو من القيم الإنسانية والحيادية وتفتقر إلى الرؤية الشاملة التي تأخذ في الاعتبار جذور الصراع وحقوق الشعب الفلسطيني وأمن دول المنطقة؛ ومن السفاهة أن يعتقد ترامب أن هذه القضية التاريخية المعقدة ممكن حلها من خلال إصدار توجيهات وأوامر لهذا الرئيس أو ذاك الملك لإيواء اللاجئين وتوطين الفلسطينيين، بل هي قضية إنسانية ذات بعد عالمي وإسلامي وعربي وتتعلق بالملايين من الفلسطينيين ويتابعها مئات الملايين من المسلمين، وتحتاج إلى أكثر من قرارات سريعة وتوجيهات ارتجالية وأوامر تعسفية؛ نعم إنها تحتاج إلى إرادة دولية حقيقية لتحقيق سلام عادل ودائم، حيث يعيش الفلسطينيون واليهود جنبًا إلى جنب في أمن وسلام ووئام، كما عاش اليهود بين المسلمين لقرون من الزمن سابقًا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف