فضاء الرأي

انتفاضة قامشلو 2004:

حين أشعل الكرد شرارة الغضب في وجه النظام السوري البائد

شهدت القامشلي في 2004 مظاهرات شعبية تطالب بحقوق الأكراد في سوريا
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في عام 2004، شهدت مدينة قامشلو الكردية في شمال سوريا انتفاضة شعبية انطلقت من المدينة وسرعان ما انتشرت لتشمل جميع المدن الكردية في سوريا، متحولة إلى حركة جماهيرية واحتجاجات شعبية واسعة ضد النظام السوري. كان لتلك الانتفاضة صدى كبير في جميع أنحاء سوريا، لا سيما في المناطق التي يقطنها الكرد مثل الحسكة، القامشلي، كوباني وعفرين، وحتى في مدينة حلب وصولاً إلى العاصمة دمشق. خرج الشعب الكردي في تلك المدن ليطالب بالحقوق التي ظلت مغيبة عنهم لعقود طويلة، لكنهم واجهوا قمعاً غير مسبوق من قبل الحكومة السورية.

البدايات: كرة القدم تتحول إلى شرارة للاحتجاج
بدأت الانتفاضة بمشاجرة بين مشجعي فريق الجهاد وفريق الفتوة في مباراة كرة قدم في دير الزور، حيث قام مشجعو فريق الفتوة بشتم الكرد واستخدام شعارات عنصرية ضدهم، لكن الأحداث سرعان ما خرجت عن نطاق السيطرة لتتحول إلى مظاهرات شعبية تطالب بحقوق الأكراد في سوريا، وذلك نتيجة لتدخل قوات الأمن السوري لصالح فريق الفتوة واستخدام العنف ضد الجماهير الكردية المشجعة لفريق الجهاد. لم تتوانَ الحكومة السورية عن مواجهة هذا الحراك السلمي، حيث استخدمت قوات الأمن القمع والعنف للحد من الاحتجاجات وتوسيع دائرة الصراع بين الأكراد والنظام.

الأمن والقمع: استراتيجية النظام في مواجهة الحراك
ما إن بدأت الاحتجاجات تتسع وتعم مدناً كردية أخرى، حتى قررت الحكومة السورية اتباع استراتيجية أمنية متشددة. تم استخدام العنف المفرط لفض الاحتجاجات من قبل عناصر الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد آنذاك، وتم اعتقال المئات من المتظاهرين. كانت عناصر الأمن والشبيحة التابعون للنظام يشاركون بشكل مباشر في عمليات القمع، بل كان هناك تجنيد واضح لعناصر البعثيين الذين استلموا الأسلحة للتعامل مع الاحتجاجات، ما جعل من تلك الانتفاضة اختباراً حقيقياً لمدى قدرة الحكومة على السيطرة على الحراك الشعبي الكردي.

التماثيل التي سقطت
لكن الحدث الأكثر رمزية في هذه الانتفاضة كان سقوط تمثال حافظ الأسد في العديد من المدن الكردية. هذا الحدث لم يكن له سابقة في تاريخ حكم آل الأسد، ومثّل تحدياً غير مسبوق لرمز النظام السوري. كان هذا الفعل بمثابة إعلان ثورة ضد الهيمنة السياسية التي فرضتها الأسرة الحاكمة على الشعب السوري بكل مكوناته، حيث إنه للمرة الأولى في تاريخ حكم الأسد كان هناك تحدٍّ علني لرمز النظام. وفي هذا السياق، كانت للكرد رسالة قوية بأنهم يرفضون القمع والاستبداد. وكان سقوط التمثال يُعتبر أيضاً بمثابة إعلان عن رفض غير مشروط للنظام السوري وحزب البعث.

الفصل والتهميش: طلاب الكرد في دائرة الخطر
لم تقتصر الانتفاضة على الشوارع والميادين، بل طالت أيضاً المؤسسات التعليمية. فقد تم فصل المئات من الطلاب الكرد من الجامعات السورية تحت ذريعة مشاركتهم في الاحتجاجات أو تشجيعهم على الانضمام إليها. هذه الإجراءات التعسفية دفعت الشباب الكرد إلى الهجرة بحثاً عن ملاذ آمن ولقمة عيش كريمة.

سلب ونهب ممتلكات الكرد
لم تكن العمليات الأمنية القمعية وحدها ما عانى منه الكرد خلال هذه الانتفاضة، بل شملت أيضاً هجمات اقتصادية واجتماعية. ففي العديد من المدن الكردية مثل قامشلو وسري كانية (رأس العين)، جرت عمليات سرقة ونهب للمحلات التجارية التي كانت تمتلكها العائلات الكردية. وكان الجناة في الغالب من "البعثيين" العرب الموالين للنظام، الذين استفادوا من الوضع القائم لتنفيذ أعمال السلب والنهب، مما ضاعف معاناة الكرد وأثر سلباً على حياتهم الاقتصادية.

التحولات: من البعثيين إلى الثوار
من المثير أن نلاحظ أن بعض البعثيين الذين تم تسليحهم وشاركوا في قمع الانتفاضة، تحولوا لاحقاً إلى جزء من الحركة الثورية خلال الثورة السورية التي اندلعت في عام 2011. ما كان يُعتبر في البداية أداة النظام لتقويض الحركات الشعبية، أصبح مع مرور الوقت جزءاً من الحراك الثوري في مواجهة النظام، ما يعكس حقيقة أن النظام السوري في محاولته لمكافحة التمرد الكردي كان يساهم في خلق بيئة ملائمة للتحولات السياسية والاجتماعية التي حدثت بعد بضع سنوات.

درس للنظام السوري
كانت انتفاضة قامشلو عام 2004 بمثابة نقطة تحول في العلاقة بين الشعب الكردي ونظام بشار الأسد. كانت هذه الانتفاضة درساً قاسياً للنظام، الذي حاول الترويج لفكرة التفوق العربي في البلاد، لكنه في الواقع اكتشف أن الشعب الكردي ليس مجرد فئة مهمشة، بل لديه طموحات مشروعة في الحرية والمساواة. وبناءً على هذا الدرس، رضخ النظام السوري لشروط الأكراد في بعض المدن الكردية في بداية الثورة السورية، وانسحب منها دون اشتباكات عنيفة أو قمع مباشر كما حدث في مناطق أخرى في سوريا.

ختاماً
لم تكن انتفاضة قامشلو 2004 مجرد موجة احتجاج عابرة، بل كانت صرخة مدوية ضد القمع والتهميش ورسالة واضحة بأن الشعب الكردي في سوريا لن يقبل بالظلم بعد الآن. ورغم الثمن الباهظ الذي دفعه الكرد من أرواحهم وحرياتهم وأرزاقهم، فإنهم أثبتوا أن المطالبة بالحقوق ليست خياراً بل ضرورة لا يمكن التراجع عنها. لقد كانت تلك الانتفاضة شرارة في مسار طويل من النضال، ومساهمة في تشكيل الوعي السياسي الذي مهد لاحقاً لتحولات كبرى في المشهد السوري، مؤكدة أنَّ الشعوب التي تطالب بحقوقها لن تُسكتها آلة القمع مهما بلغت قوتها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
امة مظلومة
ابو تارا -

هذا غيض من فيض وجزء يسير مما عاناه الكورد فى سوريا من قمع واضطهاد وترهيب على يد العصابه الحاكمه فى دمشق ولا زالوا يحاولون ان يحصلوا على حقوقهم المشروعه فى العيش بسلام وحرية وكرامة كباقى امم وشعوب الدنيا تحية للكاتب