الحالة الإسرائيلية والتنديد العالمي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تمرّ الحكومة الإسرائيلية بمنعطفات حاسمة تجاه قضاياها الانتهاكية المتنوعة، التي تخلو من جميع الأوجه القانونية ولا تصب إلا في صالح فئة حاكمة منغمسة انغماساً تاماً بعقائد سياسية ودينية متطرفة تمازجت وتبلورت حتى أضحت إحدى أنظمة الحكم الأكثر تطرفاً في التاريخ، واستباحت أفعالاً ترى أن لها فيها حقاً، ولا مناص لها من التصعيد: تطهير عرقي للفلسطينيين، استيطان لا يتوقف، انتهاك سيادة الدول المجاورة لها، عداء مستمر ومستعر، وإخلال بالعديد من المبادئ التي تحتكم إليها الدول لمنع حالة الفوضى وعدم الاستقرار والعودة لسياسة القوة، تلك التي كانت وحتى وقت قريب من التاريخ، كما يقول عنها هانز مورغنثاو منظر الواقعية السياسية، الحافز المحرك للدول، بالإضافة إلى محاولات فرض الهيمنة الإقليمية التي لا ينطبق أي من سماتها عليها، وأحلام مشاريع احتلال كبرى وهي بحكم الوضع القائم لم تستطع حتى السيطرة على أراض لا تفصلها عنها إلا أمتار قليلة.
ولا تتوقف المشاريع الصهيونية عملاً أو قولاً، ولكن ما استجد عالمياً في الآونة الأخيرة، من تقلص الصهينة الغربية، أفراداً وحكومات، وتزايد المنددين والكارهين للحكومة المتطرفة في إسرائيل، يعتبر تطوراً ملحوظاً، حتى ولو كانت نتائجه نسبية، ويأتي استجابة لتكشف الواقع المخزي والإجرامي للسياسات الإسرائيلية في فلسطين، ومناقضاً للصورة التي سادت لعقود لمناصري الشعب المختار. والإجرام الإسرائيلي ليس بأمر مستجد، فنشوء إسرائيل وسياساتها قائمة عليه، ولكن الإدراك الأوروبي حتى وإن أتى متأخراً، خير من عدمه.
ولأنَّ السياسات الإسرائيلية في فلسطين آخذة في النمو تطرفاً، مع عدم تقبلها لجميع جهود السلام، تتزايد الضغوط والتهديدات من الدول الأوروبية، من احتمال فرض العقوبات ووقف الدعم العسكري وتقويض الشراكات الاستراتيجية، وقد اعتزمت عدد من الدول، والتي كانت تحت مظلة الداعمين لها معنوياً ومادياً، منها بعض الدول الأوروبية الكبرى كفرنسا وبريطانيا، الاعتراف بدولة فلسطين، بعد أن اعترف بها مسبقاً أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم.
ولقد رأينا الجهود المبذولة في تنفيذ حل الدولتين بمؤتمر نيويورك الذي عقد في الفترة ما بين 28 و30 تموز (يوليو) الماضي برئاسة المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية، التي أجمعت فيه الدول المشاركة بإعلان نيويورك على اتخاذ إجراءات جماعية لإنهاء الحرب وتحقيق تسوية عادلة وسلمية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ورفض التهجير القسري للسكان المدنيين في فلسطين، والالتزام باتخاذ خطوات ملموسة بمدة محددة زمنياً لتنفيذ حل الدولتين، وغيرها من الأمور التي تكفل حقوق جميع أطراف الصراع.
ومن المقرر أن تعترف فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا وعدد من الدول الأخرى بفلسطين من خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل، ولكن لا يُستبعد من الجانب الإسرائيلي أن يضع العراقيل من أجل وقف الزخم الدولي نحو الاعتراف، وقد سبق وأن أجّل مؤتمر تنفيذ حل الدولتين سابقاً بسبب الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، ولا يمكن التصور بأن تزامن العدوان الإسرائيلي على إيران قبيل موعد انعقاد المؤتمر الذي تم تأجيله بأربعة أيام وقع على سبيل الصدفة أو الحظ، وقد تحاول إسرائيل مجدداً فعل ذلك قبل الموعد المنتظر لاعتراف الدول بفلسطين، خصوصاً وأن الحرب الإسرائيلية - الإيرانية وارد حدوثها في أي وقت، نظراً لعدم رغبة إيران في التنازل بما يتعلق بملفها النووي، ورؤية مسؤوليها بأنها الطرف المنتصر في الحرب. أما إسرائيل، فلا يوجد عدد محدد من المبررات لأجل ضرب إيران مجدداً، سواء كانت نفس الأسباب السابقة أو غيرها.
لكنَّ واقع الأمر يبين أنه حتى لو حدث ذلك وتزامن مع حدث الاعتراف، وتقرر لسبب ما أن تؤجل جميع الدول أو جزء منها المتوقع اعترافها بفلسطين، فإن ذلك لا يغير حقيقة أن تلك الدول بحضورها ومشاركتها في مؤتمر تنفيذ حل الدولتين قد اعترفت ضمنياً بفلسطين، وأن قضية حل الدولتين ليست إلا اعترافاً بحق الفلسطيني والإسرائيلي في أرضه، ذلك الأمر الذي من شأنه أن يثني حكومة نتنياهو عن النظر في عرقلة عملية الاعتراف، لأن الأمر كان قد وقع بالفعل ولو بصيغة غير مباشرة.
ما ينتظر إسرائيل؟
إنَّ السيناريو الأقرب حدوثه والذي يعكس تطرف سياسات الحكومة الإسرائيلية هو استمرارها في التوسع من خلال عمليات الإبادة الجماعية والتجويع ومحاولات التهجير القسري في غزة. ولا يقتصر الأمر على منطقة معينة بل يصل إلى الرغبة في إنهاء الوجود الفلسطيني، وتلك السياسات هي ما يحرك الدول الأوروبية التي قد لا ترغب أن تكون نقاطاً سوداء في تاريخ القضية التي من المحتمل أن تكون في مراحلها الأخيرة. وما ينتظر إسرائيل كما هو ملاحظ في المجتمع الدولي، ليس إلا زيادة في عزلتها عن الجميع، وتراكم في الاستياء. وما يردده نتنياهو بأن القوة تأتي أولاً ثم السلام، والوهم الدائر حول الهيمنة الإقليمية، فهو لا يعي بحق معنى القوة، ولا يأبه حقاً للسلام، فهيمنة الدول وقوتها لا تكون عن طريق التبعية لدولة أخرى، ولا تفرض في وضع العداء مع جميع دول الجوار. وإن حصل وتبدلت الأقوال الأوروبية إلى أفعال، كالاعتراف بفلسطين، وتطبيق ما كانت تتوعد به في حال استمرت الحالة الإسرائيلية، كما ذكر سابقاً، فلا شك أن ذلك من شأنه أن يزيد الضغط على إسرائيل حتى في ظل الإسناد الأميركي، الذي لطالما كان غطاء للفشل الأمني والسياسي للقيادات الإسرائيلية.