البقاء على حافة الهاوية أو السقوط فيها؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
التصريحات المتشددة التي يتم إطلاقها وبصورة ملفتة للنظر من جانب المسؤولين في النظام الإيراني والتي تتسم بالتهديد والوعيد وبالويل والثبور، لا تحظى باهتمام يُذكر من جانب الأوساط السياسية والإعلامية، وذلك لافتقادها للجدية والواقعية واعتمادها المفرط على الجانب الانفعالي الذي يغلب عليه التوتر.
ولعل من أكثر تلك التصريحات التي حتى وإن تم تناقلها من جانب الأوساط الإعلامية الدولية والتي تستهين بإعادة فرض العقوبات الدولية على النظام الإيراني، فإنها تواجه بانتقادات لاذعة بما يؤكد على افتقاد النظام لردود فعل تتسم بالواقعية. ولعل ما قاله النائب الإيراني إحسان عظيمي راد، حول تفعيل آلية &"الزناد&"، حيث قال بأن: "آلية الزناد بندقية بمخزن فارغ"، في الوقت الذي تؤكد مختلف أوساط المراقبين السياسيين المتابعين للشأن الإيراني، قوة وعمق التأثير غير العادي لإعادة فرض العقوبات الدولية على النظام، بل وحتى إن الرئيس السابق حسن روحاني قد أكد ذلك في تصريحات له مطلع هذا الشهر، ناهيك عن أن موقع "رويداد" كشف النقاب عن فحوى تقرير مسرب حول الوضع الاقتصادي في البلاد، ذكر فيه أنه ومع اقتراب موعد تنفيذ آلية الزناد، يقف الاقتصاد الإيراني على أعتاب صدمة وصفت بالمدمرة. ونشر الموقع مقتطفات من تقرير منسوب إلى معاون الشؤون الدولية في غرفة التجارة الإيرانية، توقع أن ترفع عودة العقوبات نسبة التضخم إلى أكثر من 75 بالمئة وتدفع النمو الاقتصادي إلى ما بين ناقص 1 وناقص 3 بالمئة.
والأعجب من ذلك، أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وفي تصريحات للتلفزيون الرسمي الإيراني، يوم السبت الماضي 20 أيلول (سبتمبر) 2025، قد تعهد بأن تتغلب إيران على أية عودة لفرض العقوبات عليها، وأضاف في تحدٍ يغلب عليه طابع الإنشاء، بأنه: "من خلال آلية إعادة فرض العقوبات يسدون الطريق، لكن العقول والأفكار هي التي تفتح الطريق أو تبنيها"، في وقت كان بزشكيان بنفسه قد اعترف خلال الأشهر الثلاثة الماضية تحديدًا ولأكثر من مرة بوخامة الأوضاع وصعوبة السيطرة عليها أو تحسينها. ولاريب أن إعادة فرض العقوبات الدولية سوف تزيد الأوضاع سوءًا بل وحتى قد تقود إلى ثورة الفقراء والجياع، ولاسيما أن أكثرية الشعب الإيراني يعيشون تحت خط الفقر ويواصلون العيش بصعوبة بالغة، وإن جعل الأوضاع أكثر سوءًا لا يمكن أن يكون التأقلم والتعايش معه ممكنًا بل وحتى مستحيلاً، ولاسيما إذا ما أعدنا إلى الأذهان انتفاضة تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، بسبب ارتفاع أسعار البنزين، فكيف إذا كان الأمر أكثر سوءًا من ذلك؟
لكن، مع كل ما يقوم به النظام من مساعٍ ومحاولات من أجل التخفيف والتقليل من شأن إعادة فرض العقوبات الدولية عليه، فإنه يعلم جيدًا أن هذه المحاولات لن تفيد بشيء مع الشعب الإيراني الذي يعلم أكثر من المسؤولين في النظام بالآثار والتداعيات السلبية لذلك على الأوضاع عمومًا وعلى الحياة اليومية للأسرة الإيرانية. وإن الشعب يعلم جيدًا أيضًا الوضع والموقف الصعب جدًا للنظام في مواجهته لهذا التطور وعدم وجود أي خيارات ناجعة لديه للخروج بسلام منه. بل وإنه عند النظر إلى سياق الأحداث والتطورات المتسارعة الجارية والتحديات غير المسبوقة التي يواجهها النظام، فإنه محصور بين خيارين أساسيين، الأول هو السعي لبقائه سالمًا في الوضع الحالي الذي هو أشبه ما يكون بالبقاء على حافة الهاوية، أما الثاني فهو السعي من أجل عدم جعل الوضع أسوأ مما هو عليه الآن والذي لا نجد وصفًا له سوى السقوط في الهاوية.
نظرة إلى موقف المقاومة الإيرانية
من وجهة نظر المقاومة الإيرانية، يعتبر تفعيل "آلية الزناد" وعودة قرارات مجلس الأمن الستة ضد نظام الملالي بمثابة ضربة استراتيجية كبرى. وقد أشار المراقبون ووسائل الإعلام فورًا إلى أن الأغلبية الساحقة للأصوات في مجلس الأمن أدت إلى عدم حاجة الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى استخدام حق النقض (الفيتو).
إن هزيمة النظام الإيراني جديرة بالاهتمام من هذه الناحية أيضًا، حيث بذل النظام جهودًا كبيرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية لرفع العقوبات. فقد سعت كل من وزارة الخارجية، والمجلس الأعلى للأمن القومي، والبرلمان، وكبار المسؤولين في النظام، كل بطريقته الخاصة، إلى القيام بمناورات خداعية على الساحتين السياسية والدبلوماسية مع الدول الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعبر وسطاء في الولايات المتحدة، من أجل كسب الوقت. ولكن مع تصويت الأغلبية الساحقة في مجلس الأمن، تحولت مناورات النظام التي استمرت ثلاثة أشهر إلى هزيمة مذلة.
بعد تصويت مجلس الأمن على عودة القرارات، أعلنت وزارة خارجية النظام في بيان لها أن الجمهورية الإسلامية تحتفظ بحق الرد المتناسب، وتدين إعادة القرارات باعتبارها إجراءً غير قانوني وغير مبرر واستفزازيًا.
ولكن الحقيقة هي أن الشعب الإيراني يطالب بدولة غير نووية، محبة للسلام، وديمقراطية. وقد تم إيصال هذا المطلب إلى مسامع العالم في المظاهرة التي شارك فيها عشرات الآلاف من الإيرانيين في بروكسل يوم 6 أيلول (سبتمبر). ويستعد الإيرانيون الآن لتنظيم تجمع ومظاهرة كبيرة في يومي 23 و24 أيلول (سبتمبر) تزامنًا مع حضور مسعود بزشكيان في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومطلب المتظاهرين هو أن حضور بزشكيان في الجمعية العامة ليس حدثًا دبلوماسيًا عاديًا، بل هو إهانة للضمير العالمي الجماعي. فهو لا يمثل الشعب الإيراني، بل هو من قادة الفاشية الدينية، وهو نظام استبدادي معروف بإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وتدخله في الحروب الإقليمية، وتصدير الإرهاب، والقمع المستمر للشعب الإيراني.
على النقيض من ذلك، تُعرف إيران بمقاومتها وليس بحكامها المستبدين. فالمستقبل الديمقراطي مرسوم في خطة السيدة مريم رجوي ذات النقاط العشر. ولهذا، فإن الاعتراف بمثل هذه المقاومة هو ضرورة أخلاقية وتاريخية للعالم.