فضاء الرأي

كيف وصل النظام الإيراني إلى طريق نووي مسدود؟

من المنتظر أن يفاقم تشديد العقوبات أزمة الاقتصاد الإيراني وتالياً معاناة الإيرانيين
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يُعد تفعيل "آلية الزناد" في 28 أيلول (سبتمبر) 2024 لحظة حاسمة في مسار الأزمة النووية الإيرانية، حيث تعيد الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) فرض جميع العقوبات الأممية على إيران، مُنهية بذلك الاتفاق النووي الذي كان يُفترض أن يكون نموذجاً للدبلوماسية العالمية. هذا التطور، كما تناوله تقرير صحيفة "هم‌ميهن" الإيرانية، يكشف عن سلسلة من الإخفاقات الداخلية والخارجية التي أوصلت النظام الإيراني إلى طريق مسدود كامل، مما يُفاقم عزلته الدولية ويُغذي السخط الشعبي الذي يُهيئ لانتفاضة شاملة.

بدأت القصة مع اكتشاف نشاطات نووية سرية في إيران عام 2002، عندما كشفت معارضة إيرانية عن برنامج غني باليورانيوم، مما أثار أزمة دولية. أدت هذه الأزمة إلى فرض عقوبات مجلس الأمن عام 2006، لكن الاتفاق النووي عام 2015 مثّل بارقة أمل، حيث نجحت إيران في الخروج من ستة قرارات أممية واستعادة بعض العلاقات الدولية. لكن هذا الإنجاز سرعان ما تآكل بسبب سلسلة من العوامل التي تُظهر عجز النظام عن إدارة الملف النووي بفعالية.

أولاً، عانت إيران من ضعف هيكلها الاقتصادي والتجاري، مما حال دون استفادتها من فرص الاستثمار الأجنبي بعد الاتفاق. كما أشارت "هم‌ميهن"، تدفقت الشركات الأجنبية إلى إيران بعد توقيع الاتفاق، لكنها سرعان ما انسحبت بسبب نقص البنية التحتية والفساد الإداري، مما كشف عن طريق مسدود إداري يُعيق قدرة النظام على تحقيق وعود الرفاه التي روّج لها.

ثانياً، ساهمت الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية في تقويض الاتفاق. داخلياً، هاجمت الفصائل المتشددة الاتفاق، متهمة المعتدلين بالخضوع للغرب، بينما دعمت قوى خارجية، خاصة اللوبي الصهيوني، حملات مناهضة لبرجام. هذه الهجمات، كما وصفتها الصحيفة، عملت كـ"مقص" يقطع أوصال الاتفاق، مما يُظهر طريق مسدود سياسياً داخل النظام، حيث أدت الانقسامات إلى شلل في اتخاذ القرارات الحاسمة.

ثالثاً، أسهم خروج الولايات المتحدة عام 2018 في عهد ترامب في تسريع انهيار الاتفاق. بالرغم من محاولات أوروبا لإنقاذه عبر آليات مثل "إنستكس"، إلا أن هذه الجهود كانت "مذبوحة"، كما وصفتها الصحيفة، بسبب اعتماد أوروبا على واشنطن. هذا الفشل كشف عن طريق مسدود دبلوماسي للنظام الإيراني في استغلال الخلافات بين الغرب، مما أدى إلى تصعيد نووي من خلال زيادة مستويات الإثراء، وهو ما استغله الغرب لتصوير إيران كتهديد عالمي.

رابعاً، عندما اقتربت المفاوضات من إحياء الاتفاق في أواخر حكومة روحاني، عارضت الفصائل المتشددة التوصل إلى تسوية، ظناً منها أنها ستستولي على السلطة وتسجل الإنجاز لصالحها. لكن هذا التخبط، كما أشارت "هم‌ميهن"، أدى إلى تفويت الفرصة الأخيرة لإنقاذ الاتفاق، مما يُظهر طريق مسدود سياسياً داخلياً يُعيق أي تقدم دبلوماسي. وهكذا، وصلنا إلى لحظة تفعيل "آلية الزناد"، التي كانت بنداً مخفياً في الاتفاق، استخدمته أوروبا لإعادة العقوبات دون الحاجة إلى موافقة مجلس الأمن.

في سياق هذه التطورات، برزت تظاهرات الإيرانيين الأحرار في نيويورك يومي 23 و24 أيلول (سبتمبر) 2025، احتجاجاً على زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذه التظاهرات، التي نظمتها المعارضة الإيرانية في الخارج، عكست غضباً شعبياً متصاعداً ضد النظام بسبب فشله في إدارة الملف النووي وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن العقوبات. ورفع المتظاهرون شعارات تُندد بالنظام وتُطالب بالتغيير، مُظهرين رفضاً قاطعاً لسياساته المتخبطة التي أدت إلى العزلة الدولية. هذه الاحتجاجات تُبرز تصاعد وعي الشعب الإيراني بضعف النظام، مما يُعزز من زخم المقاومة المنظمة التي تستعد لانتفاضة داخلية.

يواجه النظام الإيراني اليوم طريق مسدود وجودياً، حيث لا يملك سوى خيارين: الخضوع لمطالب مجلس الأمن، مما يُعد هزيمة سياسية تُثير غضب المتشددين وتُفقد النظام شرعيته الداخلية، أو التصعيد عبر تسريع الإثراء أو الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، مما يُعرضه لعقوبات أشد وربما تدخل عسكري. كلا الخيارين، كما حذرت الصحيفة، سيُفاقمان الأزمات الاقتصادية، حيث ستؤدي العقوبات إلى ارتفاع الأسعار والبطالة وتدهور المعيشة، مما يُغذي السخط الشعبي.

هذا الطريق المسدود ليس مجرد إخفاق دبلوماسي، بل دليل على تفكك النظام الإيراني. فشله في إدارة الملف النووي، كما يكشف التقرير، يُظهر عجزاً في مواجهة الضغوط الدولية والداخلية. الانقسامات بين الفصائل، ضعف البنية الاقتصادية، والاعتماد على استراتيجيات متخبطة جعلت النظام عاجزاً عن حماية مصالح الشعب. هذه الإخفاقات تُغذي الغضب العام، حيث يرى الشعب الإيراني أن النظام لم يعد قادراً على تلبية احتياجاته الأساسية. تُشير تداعيات تفعيل "آلية الزناد" إلى أن إيران تواجه عزلة دولية غير مسبوقة، مع احتمال تصعيد عسكري من إسرائيل أو أميركا. داخلياً، تُفاقم العقوبات من الفقر واليأس، مما يُهيئ الأرضية لانتفاضة شاملة تهدد بإسقاط النظام، مما يجعل هذه الأزمة ليست فقط نووية، بل وجودية بالنسبة إلى النظام الإيراني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف