فضاء الرأي

ألف وأربعمئة عام من الاستبداد

علم العراق
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ما كان الإنسان يوماً الأقوى بين المخلوقات ولا الأسرع، لكنه كان الأقدر على التفكير والتدبّر... تلك الميزة منحها الخالق له، جعلت من البعض يتجاوزون الغريزة نحو الوعي، فيعرفون الخير من الشر، ويختارون الطريق الذي يليق بإنسانيتهم.

هبة الإنسان هي العقل، ذلك العضو الإسفنجي الشكل، عظيم الأسرار والخفايا، لم يختص بالمعرفة فقط، بل كان بوابةً لفهم الوجود وتوجيهه نحو خلافة الأرض وإصلاحها، فمنذ أن أدرك الإنسان ذاته، فهم أن العقل هو رسالته في الأرض، وبه وحده يحقق معنى الخلافة التي تحدث عنها القرآن.

للعقل حين يُستخدم جانبان، سيئ يدخل الفرد فيه في غياهب الفساد والعبودية، وآخر جيد يصنع فيها الإنسان الحرية، لأن الساعي في الخير يخلق التوازن بين رغباته ومصلحة الجماعة، فيرتقي المجتمع من فوضى الغرائز إلى نظام العدالة، والإنسان العاقل لا يقف عند حدود ذاته، بل يتجاوزها نحو المجتمع والوطن، لأن الوعي الحقيقي لا يكتمل إلا حين يدرك الفرد أن حريته لا تنفصل عن حرية الآخرين، وأن الكرامة لا تُصان إلا بالعدل والمشاركة.

هذه النعمة هي الطريق الوحيد نحو حرية الإنسان، الحرية التي لا يعيش الأفراد بدونها.. لكن يبقى السؤال: هل يستطيع العقل أن يضيع طريق الحرية، ويختار العبودية؟

حين يضعف الوعي، ويتحول الخوف إلى عقيدة، فيستبدل الإنسان قيوده القديمة بقيود جديدة، يزينها له الخطاب الشعبوي على منصات التواصل، ويدغدغ مشاعره صوت الرأي العام المضلل، بأن الجميع طغاة وأن الكل يرتدون قناع الدين أو الوطنية، عندها يضيعها المواطن.

الحرية لا تأتي من فراغ ولا دفعة واحدة، بل تُمارس كل يوم، تُبنى بالاختيار، وتُحرس بالمسؤولية، ومن رحم هذا الإدراك أوجدت النظم السياسية الديمقراطية، باعتبارها أرقى ما وصل إليه البشر في إدارة شؤونهم.

الديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، بل عقد اجتماعي يضع الجميع في كفةٍ واحدة أمام القانون، ويجعل الشعوب مصدر السلطات، فيكون الناس أحراراً في بلدانهم.

وسيلة حفظ الديمقراطية هي الانتخابات، وهي ليست ساحة للترف السياسي، بل امتحان للعقل البشري، تُظهر مدى وعي الأمة بحقها في أن تختار من يمثلها، ففي هذا النظام لا فرق بين العالم والأمي، ولا بين المعمّم والسياسي، ولا بين الراقصة ومن يشرّع القوانين، فالجميع أصواتهم متساوية في يوم الاقتراع، كل صوت يزن وطناً، وكل ورقة تُلقى في الصندوق تكتب سطراً في مستقبل الدولة.

بالرغم من ذلك، ما زال بيننا من يرى في الديمقراطية عبئاً، والمشاركة السياسية خطيئة، ويدعو إلى مقاطعتها، كأن الحرية خطأ يجب تصحيحه! هؤلاء يتناسون أن الطريق إلى الدكتاتورية يبدأ بخطوة واحدة، هي السكوت، ولكن عودة الاستبداد لن تطال الجميع بالتساوي، بل سيحترق فيها أولاً من ذاق مرارتها في الأمس القريب، الفرد الشيعي الذي كان وقود الظلم وضحيته الكبرى على مدى 1400 عام من الاستبداد.

الحفاظ على الديمقراطية ليس دفاعاً عن نظام سياسي، بل عن جوهر الحرية الإنسانية، فحين يخسر الإنسان حقه في أن يختار، يفقد إنسانيته شيئاً فشيئاً، والوطن الذي يتخلى أبناؤه عن أصواتهم، يتركون الباب مفتوحاً أمام من يريد أن يعيده إلى زمن كانت فيه الكلمة تُقطع فيها الألسن، والرأي يُعدم الأجساد، والكرامة تُدفن في قاعات الخلد وسجون الطغاة.

الرسالة التي يجب أن تبقى في الضمير العراقي هي الحرية، التي نتجت بعد تضحيات جسام، وشهداء أبرار، ليست حقاً مؤقتاً، بل عهد أمةٍ بأكملها مع الرب والتاريخ.. فلا تضيعوها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تسطيح الامور بكلمات وجمل كبيرة
ماني سمعان -

استعمال الكلمات الكبيرة والجمل المنمقة واستغلال تفسير مفاهيم الحرية بحجة التعبير عن الرأي لا يخفي محاولة مسح حضارات رائعة بناها المسلمون من خلال الخلافة الاموية والخلافة العباسية والخلافات التي لحقت بهما لا يخفي النفس الطائفي للكاتب !