فضاء الرأي

هل يعود نفوذ حماس في الضفة؟

جرافة تزيل أنقاضاً تقطع طريقاً في مدينة غزة
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في الوقت الذي كان يُنتظر فيه أن تسود أجواء التهدئة بعد الاتفاق الأخير في غزة، أعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي التوتر إلى المشهد مجدداً، عبر حملة ميدانية غير معلنة استهدفت كل مظاهر التأييد لحركة حماس في مدن الضفة الغربية.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، أزال جنود الاحتلال عشرات اللافتات والأعلام الخضراء التي رُفعت في عدد من المناطق، ما أعطى انطباعاً بأن الاحتلال لا ينوي السماح للحركة بأي مساحة رمزية تُظهر حضورها الشعبي أو قوتها التنظيمية.

وجاءت هذه الخطوة بعد أيام فقط من الحديث عن تفاهمات أمنية مؤقتة، وهذا بمثابة مؤشّر على أن تل أبيب لا تنوي ترجمة الاتفاق على الأرض، بل تسعى لفرض رؤيتها الخاصة لمعادلة “التهدئة من دون تمكين”، وهذا يعني أنها ترفض أي مظهر قد يُفهم على أنه تعزيز لمكانة حماس داخل الضفة.

وبحسب مصادر في الشرطة الفلسطينية، فإن جيش الاحتلال أبلغ الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضمنياً بأنه سيواصل “مراقبة دقيقة” لأي نشاط تنظيمي أو شعبي للحركة، بما في ذلك مراقبة الأسرى الذين من المقرر إطلاق سراحهم في إطار الاتفاق، وسط مخاوف من أن يتحول ذلك إلى ذريعة لإعادة اعتقالهم خلال فترة قصيرة، وهذه السياسة ليست جديدة، لكنها تأتي اليوم في ظرف حساس، إذ تسعى حماس لإثبات أنها لا تزال لاعباً مؤثراً في الضفة بالرغم من الضربات الأمنية التي تلقتها خلال العامين الماضيين، بينما يصر الاحتلال على منعها من استثمار أي إنجاز ميداني أو تفاهم سياسي في رفع شعبيتها.

ومثلاً في المدن الكبرى كنابلس وجنين وطولكرم، شوهدت قوات الاحتلال تزيل الرايات الخضراء من الميادين العامة وتقتحم بعض المحال التي علّقت صوراً للأسرى المحررين، وهناك بعض العمليات رافقها اعتداءات لفظية وبدنية على شبان حاولوا الاعتراض، ما أثار حالة من الغضب في الأحياء الشعبية.

وتُظهر هذه التحركات الميدانية أن الاحتلال يربط بين “الرمز” و”التهديد”، فهو يعتبر رفع علم أو ملصق لحماس بداية تمرد يجب قمعه فوراً، في إطار سياسة أوسع تهدف إلى تجفيف الحاضنة الشعبية للحركة داخل الضفة، حتى لو كانت مظاهر الدعم محدودة أو رمزية.

ربما يكون ما يجري قد عكس خشية إسرائيل من عودة النفوذ الحمساوي في الشارع، خاصة مع تصاعد الانتقادات لسلطة رام الله وضعف قدرتها على ضبط الأوضاع، فكل استعراض رمزي للحركة يُفسّر في تل أبيب كخطر محتمل على الاستقرار الأمني والسياسي في الضفة.

من ناحية أخرى، يستخدم الاحتلال هذا الملف كورقة ضغط على الوسطاء، ليؤكد أن أي تهدئة أو صفقة تبادل مستقبلية لن تمرّ دون رقابة إسرائيلية صارمة، خصوصاً على تحركات الأسرى المحررين، الذين تراهم الأجهزة الأمنية “قنابل موقوتة” يمكن أن تعيد تنشيط البنية التنظيمية لحماس في الضفة.

لكن على الأرض، يبدو أن هذه السياسات تُنتج نتائج عكسية، إذ تؤدي إلى زيادة حالة الغضب الشعبي والشعور بالقهر، خصوصاً بين الشباب الذين يرون أن الاحتلال يرفض حتى الرموز الوطنية البسيطة، ما يغذّي مشاعر التحدي والرغبة في المواجهة بدلاً من الانضباط الأمني الذي يسعى لفرضه.

وهناك نشطاء فلسطينيون عبّروا عن استغرابهم من ازدواجية الموقف الإسرائيلي، فبينما تتحدث الحكومة عن “تهدئة”، تمارس قواتها الميدانية سياسة تضييق غير مسبوقة، تشمل الملاحقة والاعتقال والمصادرة، وكأنها تسعى لإلغاء أي وجود سياسي أو اجتماعي للحركة من المشهد تماماً.

أما على المستوى الرسمي الفلسطيني، فيبدو أن الموقف يتسم بالحذر، إذ تلتزم السلطة الصمت العلني في معظم الأحيان، تجنباً لتصعيد جديد قد ينسف ما تبقّى من التنسيق الأمني أو يفتح الباب أمام مواجهات أوسع في مدن الضفة، خصوصاً أن أي انفجار في الشارع سيكون من الصعب السيطرة عليه.

ما سبق يفسّر أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية تستخدم هذه الإجراءات كجزء من سياستها الداخلية، لتؤكد لجمهورها أنها لا تتهاون مع حماس ولا تسمح بعودة نفوذها في الضفة، خاصة في ظل ضغوط اليمين المتطرف الذي يدعو إلى تشديد القبضة الأمنية واستمرار “عمليات الردع” حتى في فترات الهدوء النسبي.

وتبقى الحقيقة الأوضح أن الاحتلال يتعامل مع الاتفاقات السياسية والأمنية بوصفها أدوات مؤقتة وليست التزامات دائمة، فهو يسعى لفرض واقع ميداني يضمن له السيطرة الكاملة على الأرض، حتى لو تطلّب ذلك إلغاء أي مظهر رمزي لحماس أو لأي فصيل مقاوم، ما يعمّق شعور الفلسطينيين بأن التهدئة ليست سوى غطاءٍ مؤقتٍ لاستمرار السيطرة والاحتواء.

وفي ظل هذا الواقع، تتزايد التساؤلات: هل يمكن لأي اتفاق أن يصمد إذا كان الاحتلال يصرّ على محو الرموز قبل المضمون؟ وهل يمكن للضفة أن تبقى هادئة بينما تُمحى منها أبسط تعبيرات الانتماء والمقاومة؟ أسئلة مفتوحة تترك الإجابة عليها لمشهد لا يزال يتأرجح بين التهدئة الشكلية والانفجار القادم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف