قسد بعد سقوط النظام: مفترق طرق داخلي وخارجي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد أكثر من عقد على بداية الحرب السورية، وما رافقها من تغيرات جذرية في خريطة القوى والنفوذ، تجد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) نفسها اليوم في وضع بالغ التعقيد، على المستويين السياسي والعسكري. فمع سقوط النظام السوري السابق في كانون الأول (ديسمبر) 2024، وبروز هيئة تحرير الشام كقوة حاكمة جديدة في دمشق، أُعيد ترتيب الأوراق، وبدأت مرحلة جديدة تضع قسد في مواجهة مجموعة من التحديات الوجودية.
تعود جذور قسد إلى عام 2015، حين تشكلت كتحالف عسكري ضم فصائل متعددة، أبرزها وحدات حماية الشعب YPG. ومنذ ذلك الحين، تحولت إلى الذراع العسكري للإدارة الذاتية الديمقراطية، التي أُعلنت في منطقة الجزيرة في كانون الثاني (يناير) 2014، ثم توسعت لتشمل مناطق من الرقة ودير الزور وأجزاء من محافظة حلب. وبالرغم من أن هذه الإدارة ضمت مكونات عربية وسريانية وآشورية، إلا أن الهيمنة الكردية، المتمثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ظلت واضحة، خصوصًا في المناصب الحساسة وفي التمثيل الخارجي.
طوال سنوات الصراع مع تنظيم داعش، لعبت قسد دورًا حيويًا في دعم جهود التحالف الدولي، بدءًا من معركة كوباني (2014&-2015) حتى القضاء على آخر معاقل داعش في الباغوز في آذار (مارس) 2019. وخلال تلك الفترة، حافظ النظام السوري على مسافة محسوبة من قسد، وتجنب الدخول في صدام مباشر معها، غالبًا بسبب الدعم الدولي الذي كانت تتلقاه.
مع سيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم في دمشق، وقيامها بحل كافة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، برزت قسد مجددًا كأهم قوة عسكرية لم تعلن انضواءها تحت سلطة الهيئة، ولم تعترف بشرعيتها بشكل فعلي أو بوزارة الدفاع الجديدة التي شكلتها. وبالرغم من توقيع اتفاقية غامضة في آذار (مارس) 2025 بين مظلوم عبدي وأبو محمد الجولاني، إلا أن هذه الوثيقة بقيت بلا أثر فعلي على الأرض، وكل طرف فسر بنودها بما يخدم أجندته الخاصة.
في الوقت ذاته، تسببت انتهاكات هيئة تحرير الشام، بما فيها مجازر ضد العلويين في الساحل والدروز في الجنوب، بزيادة الضغط الشعبي والدولي للبحث عن بدائل، وبدأ البعض يرى في قسد خيارًا أكثر "اعتدالًا"، بالرغم من ما تواجهه هي نفسها من انتقادات داخلية حادة.
في داخل مناطق الإدارة الذاتية، تتصاعد الأصوات المطالبة بإصلاحات حقيقية، بعد سنوات من التردي في القطاعات الخدمية والاقتصادية. فالزراعة في حالة انهيار، والتعليم يعاني من فرض مناهج غير متفق عليها شعبيًا، كما أن قطاع الطاقة يعاني من فوضى واضحة، مع انتشار مولدات الديزل والتلوث المصاحب لها، بالرغم من غنى المنطقة بالنفط.
أسعار الوقود مرتفعة بشكل غير مبرر، والفساد الإداري منتشر وسط غياب واضح للرقابة والمحاسبة. وعلى الصعيد العسكري، ما زالت ظاهرة تجنيد الأطفال مستمرة، بالرغم من توقيع قسد اتفاقيات دولية تمنع ذلك، بالإضافة إلى الملاحقات الأمنية لمعظم الأصوات الناقدة أو المعارضة. هذه الأوضاع أدت إلى تراجع الثقة الشعبية بالحكم الذاتي، وأثرت سلبًا على شرعية قسد في نظر الكثير من أبناء المنطقة.
وبالتالي، تجد قوات سوريا الديمقراطية نفسها اليوم أمام خيارات صعبة، في ظل تعقيدات المشهد السوري الراهن. فإما أن تخضع لضغوط الاندماج ضمن سلطة الجولاني، وهو خيار محفوف بالمخاطر، قد يفقدها الكثير من مصداقيتها ويضعف من مشروعها السياسي والإداري؛ أو أن تتجه نحو إعادة بناء الداخل وتحصين شرعيتها الشعبية من خلال خطوات جدية تبدأ بإصلاح القطاعات الخدمية والاقتصادية، ومكافحة الفساد دون تمييز أو استثناء لأصحاب النفوذ، إضافة إلى إنهاء ظاهرة تجنيد الأطفال وإعادتهم إلى أسرهم دون قيد أو شرط. كما يتطلب الأمر تعزيز حرية التعبير ووقف ملاحقة الأصوات المعارضة، وتفعيل المشاركة السياسية والإدارية لجميع المكونات، سواء من خلال تمكين العرب والسريان والآشوريين، أو عبر فتح المجال أمام الأحزاب الكردية الأخرى ذات التوجهات المختلفة، بما يضمن مشاركة فعلية وليست شكلية، تعكس التعددية السياسية والمجتمعية الحقيقية في شرق الفرات.
فقط من خلال هذه الإجراءات، يمكن لقسد أن تحقق تمثيلًا حقيقيًا لمجتمع شرق الفرات، وتبني قوة تفاوضية مدعومة بشرعية شعبية، بدلًا من الاعتماد على خطاب النقيض مع هيئة تحرير الشام فقط. لم تعد التهديدات المحيطة بقسد عسكرية فقط، بل سياسية وشعبية كذلك. فبين سلطة متطرفة في دمشق وواقع هش في الداخل، يبدو أن قسد أمام فرصة أخيرة لترتيب بيتها الداخلي وإعادة كسب ثقة الشارع، قبل أن تُفرض عليها تسوية قد تُنهي مشروع الإدارة الذاتية بالكامل لصالح الفوضى والجماعات المتطرفة. فهل تُحسن استغلال هذه اللحظة الحرجة، أم تكتفي بلعب دور البديل المؤقت في مواجهة سلطة أكثر قسوة؟
التعليقات
المطلوب من قسد
ابو تارا -قسد في ظروف صعبه الامريكان والغرب لا يمكن الاعتماد عليهم واعداء الكورد كثيرون لا يؤمنون بالحريه والديمقراطيه والتعايش والسلام وعلى رأسهم الحكومة الجديدة المتطرفه فى دمشق وصنيعتها نظام الثعلب الماكر اوردوغان المصاب ببوفيا الكوررد ودول اخرى عربيه واسلاميه متواطئه لا تؤمن بحقوق الغير المطلوب من قسد تقوية وتمتين الجبهه الداخليه لمواجهة التحديات والاخطار القائمه