فضاء الرأي

المبعوث العراقي لترامب... الاقتصاد مدخل النفوذ الأميركي الجديد

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ لحظة دخوله البيت الأبيض أول مرة، قدّم دونالد ترامب نفسه للعالم ليس كرجل سياسة تقليدي، بل كرجل اقتصاد يرى في المال أداة للنفوذ وفي السوق ساحة للصراع الدولي. اليوم، ومع عودته إلى واجهة القرار، يبدو أن ترامب يمدّ أذرعه مجدداً نحو الشرق الأوسط، وهذه المرة عبر تعيين مبعوث خاص إلى العراق يحمل هو الآخر بصمة اقتصادية واضحة.

في التاسع عشر من أكتوبر 2025، أعلن ترامب تعيين رجل الأعمال الأمريكي من أصل عراقي مارك سافايا مبعوثاً خاصاً له إلى العراق. وسافايا، المعروف في ولاية ميشيغان بكونه مؤسس سلسلة متاجر Leaf & Bud المتخصصة في تجارة القنّب الطبي، ينحدر من عائلة كلدانية مسيحية عراقية كانت قد هاجرت إلى الولايات المتحدة بعد أن تعرضت لاضطهاد طائفي في تسعينيات القرن الماضي.

اختيار ترامب لهذا الاسم لم يكن صدفة؛ فالرجل الذي بنى حملته الانتخابية على مبدأ &"إعادة العظمة الاقتصادية لأمريكا&" يسعى إلى نقل فلسفته الاقتصادية إلى ملفات السياسة الخارجية. فالمبعوث الجديد ليس دبلوماسياً محترفاً، بل رجل اقتصاد يفهم "الترامبية" في جوهرها: النفوذ عبر المال لا عبر القوة.

في منشور رسمي عبر منصة Truth Social، قال ترامب إن سافايا "يملك فهماً عميقاً للعلاقات الأمريكية&-العراقية"، وإنه سيعمل على "تعزيز مصالح الولايات المتحدة من خلال التعاون الاقتصادي والاستثماري". هذا التوجه يؤكد أن الإدارة الجديدة ترى العراق فرصة اقتصادية أكثر منه أزمة أمنية، وهو تحول في زاوية النظر الأمريكية نحو بغداد بعد عقدين من الحرب والفوضى.

ورغم أن سافايا لم يشغل أي موقع دبلوماسي سابق، فإن خلفيته في عالم الأعمال تمنحه ميزة التفاوض التجاري والقدرة على قراءة البيئة الاقتصادية العراقية التي تعاني من تضخم، بطالة، ونظام مصرفي هشّ. بعض المحللين يرون أن ترامب يراهن على أن "المبعوث التاجر" سيكون أكثر قدرة على إقناع النخب العراقية بمنافع الشراكة الاقتصادية مع واشنطن بدل الارتهان المالي لإيران.

لكن هذا التعيين لم يمرّ دون جدل، خصوصاً بعد تداول تقارير عن أن نشاط سافايا التجاري يتركز في مجال القنّب الطبي، وهو ما قد يصطدم بالثقافة المحافظة في العراق. ومع ذلك، فإنّ مؤيديه يرون في خلفيته "ميزة لا عبئاً"، إذ تمنحه خبرة في إدارة أسواق ناشئة ومعقدة قانونياً، تشبه في كثير من جوانبها المشهد العراقي.

ترامب لا يمزح... هل سيقصّ أذرع إيران في العراق؟

عبارة "ترامب لا يمزح" لم تعد مجرد شعار انتخابي؛ فالرجل الذي أمر باغتيال قاسم سليماني في بغداد عام 2020، أثبت أنه قادر على اتخاذ قرارات صادمة عندما يتعلق الأمر بإيران. واليوم، بعد إعادة تنظيم فريقه وتعيين مبعوث من أصول عراقية، تتصاعد التساؤلات: هل يسعى ترامب فعلاً إلى قصّ أذرع إيران في العراق ولكن بأدوات اقتصادية هذه المرة؟

حتى الآن لا توجد خطة معلنة رسمياً، إلا أن مؤشرات عدة توحي بأن الإدارة الترامبية الجديدة تنوي مواجهة النفوذ الإيراني عبر جذب بغداد إلى مشاريع أمريكية كبرى في الطاقة والبنى التحتية. هذا يعني أن واشنطن ربما تراهن على الاقتصاد كحصان طروادة سياسي، تستبدل به العقوبات بالعقود، والتهديد بالمنافع.

بغداد بين المطرقة والسندان

تعيين سافايا يضع حكومة محمد شياع السوداني في موقف معقد. فالرجل يحاول منذ توليه المنصب الموازنة بين واشنطن وطهران، وأي انفتاح اقتصادي واسع على الولايات المتحدة قد يُفسَّر في طهران على أنه انحياز صريح. القوى الموالية لإيران داخل العراق، التي راقبت هذا التعيين بحذر، قد تعتبره خطوة عدائية تمهّد لمرحلة جديدة من الضغط الأمريكي الناعم.

لكن في المقابل، فإنّ وجود مبعوث أمريكي من أصول عراقية ومسيحية قد يسهم في كسب تعاطف بعض الأقليات والنخب المدنية، ما يمنح واشنطن منفذاً اجتماعياً لا يقل أهمية عن النفوذ السياسي. فالمجتمع العراقي، الذي أنهكته الانقسامات، ربما ينظر إلى هذا التعيين كإشارة رمزية لدعم التنوع العراقي وحماية المكونات الأصيلة.

القادم في ظل عهد ترامب

المشهد العراقي على وشك الدخول في مرحلة جديدة من "الترامبية الاقتصادية" — مرحلة تستخدم الاستثمارات والمشاريع الكبرى بدلاً من الحروب لتحقيق أهداف النفوذ. فبدلاً من إرسال الدبابات، يرسل ترامب رجال الأعمال. وبدلاً من الحديث عن العقوبات، يتحدث عن الصفقات.

لكن السؤال الأعمق يبقى مطروحاً: هل يستطيع رجل اقتصاد من أصول عراقية أن يعيد رسم خريطة النفوذ الأمريكي في بغداد؟ أم أن تعقيدات المشهد العراقي ستبتلع مبعوث ترامب الجديد كما ابتلعت مبعوثين قبله؟

الوقت وحده سيكشف إن كانت هذه المقاربة ستنجح في إعادة تشكيل العلاقة بين بغداد وواشنطن، أم أن الاقتصاد سيصبح مجرد واجهة جديدة لصراع قديم بين أمريكا وإيران على أرض العراق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف