"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
أثنى غجرية... يهودية تحتضن عراقية فارة من الحرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لأن الأديان يجب ألا تشكل عائقًا أمام التعاطف الإنساني لم تجد عراقية هاربة من جحيم حرب لا ترحم واعتصاب أحد مهربيها في ما بعد سوى في حضن صديقة يهودية ملاذًا آمنًا أتاح لها إعادة بناء داخلها المتشظي والمنكسر.
حوار: محمد الحمامصي
العراق الهم الأساسي في الرواية الثانية للكاتب والناقد رسول محمد رسول "أنثى غجرية" الصادرة أخيرًا من دار مداد في دبي، على الرغم من أن أحداثها تجري خارج العراق عكس روايته الأولى "يحدث في بغداد" التي جرت أحداثها في العراق وبغداد تحديدًا.
لكن الألم والحسرة على ما حدث ويحدث في العراق يطارد رؤية الكاتب، فهنا في "أنثى غجرية" تفر "أسماء يوسف" الشابة المعوقة من الخراب والحصار الذي أصاب مدينتها البصرة، وتقرر اللجوء إلى أوروبا عبر إقامتها الموقتة في المغرب العربي، لكنها تغتصب في عرض البحر، وتفشل في الفرار، وتعود من دون أن تفقد أمل اللجوء إلى أوروبا، فتواصل الابحار، تستقر في جزيرة العرب، وتعمل في أبوظبي، حتى إذا أمنت واستقرت وحققت نجاحًا، تتاح لها فرصة عمل في أوروبا، تذهب، لكن ليس فرارًا ولا هروبًا، وإنما للعمل.
حول تجربة "أنثى غجرية" والجديد الذي تقدمه ويقدمه رسول محمد رسول فيها... كان هذا الحوار.
** مع روايتك الثانية (أنثى غجرية) بعد روايتك الأولى (يحدث في بغداد)، بقيت في العراق عبر شخصية أسماء يوسف بطلة الرواية الثانية، كما شاكر المرهون في الرواية الأولى. لماذا العراق يتكرّر في سردياتك؟
* كثير من الروائيين منحوا بلدانهم رخصة الدخول إلى السرد، بمعنى أن يكون الوطن مسرودًا. ولا ضير في ذلك، لكنني في (أنثى غجرية) جعلت الحدث خارج العراق عبر البطلة البصرية (أسماء يوسف) التي كانت غادرت عراق المآسي إلى خارجه لتعيش وطنها عذابًا كما قدمته هي في هذه الرواية.
** لماذا عنوان (أنثى غجرية)، تحديدًا، ما العلاقة بين الأنوثة والغجر؟
* تركت السرد يمحور العنوان، وتلك عادة لي في كتابة الرواية، الشطر الأول من العنوان (أنثى) يحمل دلالة أكثر كما لو كان (امرأة)؛ فملفوظ أنثى أكثر شعرية من غيره، بل أكثر جوهرية في التعبير عن موجود إنساني (امرأة) يشاطر الذكور مناصفة هذا العالم الذي نعيش فيه.
أما الشطر الثاني (غجرية)، فيرتبط بدلالة الترحال، وأترك لك والقرّاء ما قالته إيمان يوسف نفسها في مقابلة مع قنات فرنسية أجرت حوارًا معها: "يصح أن تصفني بأنني أنثى بدوية أو غجرية لكوني في ارتحال مُستمر كغيري من إناث هذا الذي نسميه وطنًا محليًا عربيًا".
ليس هذا فقط؛ بل نلاحظ أن أسماء نفسها تتردد ملفوظ (أنثى) بلسانها، حتى إنها تخاطب (الراوي)، في مطلع الرواية وخاتمتها، لتقول له: "قل للروائيين أن يرحلوا بعيدًا عني؛ قل لهم إن أسماء يوسُف أصبحت روايتها؛ قل لهم إن أسماء يوسف باتت جزءها الأول. أما الثاني، فسيكتُبها كأنثى غجرية أيضًا". كما إن قارئ الرواية سيجد تضمينات ذلك بغير مكان في كل مسارات المتن الحكائي.
** قدّمت شخصية أسماء يوسف كأنثى من ذوي الاحتياجات الخاصّة، فهل كان ذلك لزيادة حدة المأساة أم طريقة لتعاطف الآخرين معها في مجتمع الرواية؟
* لم أفكر قط بأن يكون موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة موئلًا للسرد، لكنه جاء بعفو الخاطر، وأنا أكتب هلّ هذا الموضوع تلقائيًا، فارتصفت في البناء الحكائي حتى راحت تتكامل في هذا المبنى. وجدت في شخصية أسماء ذلك الثراء لدى الأنثى الذي يفرض وجوده، ليقول صوته ومعناه. أنا من وطن الحروب، وكان المعاقون فيه كثر، حتى صاروا ظاهرة يومية في المجتمع العراقي، لا سيما الإناث اللواتي قدمت إليهن الحروب عوقهن. أما أسماء يوسف فهي معاقة بالولادة، لكن معاناتها تبدو لي سواء مع المعوقين بسب الحروب التقليدية والإرهاب تاليًا.
وعندما أنهيت كتابة الرواية رحت أسال ذاكرتي وذاتي ووجودي: لماذا العوق؟، لماذا العوق عند المرأة؟، وجدت ما تذخر به حياتي من ذكريات، ثمة أنثى معوقة بكيت حالها في بغداد، ومثلها في ليبيا، كان ذلك في يوم ما، وتساءلتُ مرة أخرى: هل أسماء يوسف هي تلك الأنثى المعوقة القابعة في ذاكرتي؟، ثمة أسرار لا أطيق بوحها!!.
لقد اقتضى عوق أسماء يوسف برامج سردية مصغرة في هذه الرواية، ولا أخفيك كنت أبكي، وأنا أسرد حالة عوقها، فهي لا تستطيع حلق الشعر تحت إبطها لكونها بذراع عاطل، وآخر لا يخدمها بمفرده، وتلك مأساة حياتها. لكني أستطيع القول إن رواية (أنثى غجرية) هي من روايات أدب ذوات الاحتياجات الخاصة، وأشعر بالسعادة أنني ولدت عوالم العوق الأنثوي!.
** في روايتك الثانية (أنثى غجرية) تستحضر موضوع الهجرة إلى الشمال، فهل أنت متأثر بصوت كهذا؟
* ليس بهذه البساطة! الحروب التي مرّ بها العراق، ومرّت عليه بكل جحيمها، جعلت الإنسان العراقي يهاجر إلى كل الجهات تحررًا من جحيم تلك الحروب وبشاعة الحصار العربي - الغربي الجائر. وبالنسبة إلى أسماء يوسف كانت فقدت والدتها منذ فجرها الوجودي الأول (ولادتها)، ومن ثم فقدت والدها موتًا مفاجئًا، ما يعني أنها فقدت الوطن العائلي، وتلك غربة، والغريب، وكما يقول التوحيدي: "هو من كان غريبًا في وطنه".
هكذا وجدت أسماء يوسف نفسها وحيدة في مدينتها البصرة، بصرة الخراب والجوع والغزو الأميركي العربي، لترحل بحثًا، لا عن شمال ولا عن جنوب؛ بل عن جهة اسمها الأمان، تجد فيها لقمة خبز غير ملوثة بسموم الصواريخ الأميركية. وشاء قدرها أن تهاجر إلى أوروبا عبر المغرب العربي، لكن قد تم اغتصابها من جانب مهرّبها في عرَض البحر، حتى لفظها البحر المتوسط إلى اليابسة المغربية، لتبقى هناك، قبل عودتها إلى منطقة الخليج في الإمارات، وتهاجر عنه رسميًا إلى أوروبا، ولها في كل هذه الأماكن حكايات وحكايات!.
** لنبقى في المغرب، فقد لجأت أسماء إلى صديقة لها مغربية اسمها (جميلة)، لتكتشف بأنها "يهودية الديانة"، لكنها عدت مثالًا للتضحية والفداء من أجل أسماء الأنثى الغربية الفارّة من وطن الجحيم، والناجية من اغتصاب في عرَض البحر، لماذا شخصية أنثوية يهودية في روايتك الثانية؟
*اليهودي إنسان، وأنا أميّز بين يهودي إنسان، وآخر كائن بشري متصهين، وتلك بديهية لا ينبغي أن نُصاب بالعمى حولها. وأنا من الذين هاجروا من دون تمزيق جواز سفري، ورأيت أفرادًا من كل الديانات في رحلاتي ومنافيي. وأسماء مثلي تمامًا أو أردتها أن تكون كذلك.
وعندما كنت أكتب هذا المدار الحكائي لم أجد حرجًا، ولا يوجد عندي أي طموح لكسب ود الصهاينة من اليهود، ولا أطمح إلى أية هدية منهم، كما يفعل بعض المبدعين العرب تملقًا، لا منصب ولا وظيفة ولا شهرة أدبية ولا أي دعم انتظره من صهاينة يدمرون العرب بلا هوادة، وكل عربي هو إنسان.
بدت لي (جميلة) المغربية اليهودية إنسانة، وهذا ما كانت تحتاجه أسماء يوسف نفسها، كانت تحتاج دفئًا إنسانيًا أنثويًا قبل الذكوري، وذلك حنين لكوني قابعًا في ذاتها، كانت تحتاج حضنًا أنثويًا يحفظها من غدر الزمان المتكرر، وقد جرّبت ذلك لما توفيت أمها حال ولادتها، فوجدت في المغرب تلك الجميلة الإنسانة وأسماء أنثى تؤمن بأن التدين وطن نعيشه في أي مكان.
** مثلما فعلت في روايتك الأولى (يحدث في بغداد) فعلته أيضًا في (أنثى غجرية)، وأقصد توظيف صوت السرد حكائيًا، فهناك لعبة سردية جمالية يدخل فيها الراوي إلى المبنى الحكائي ليصبح جزءًا من المبنى السردي والحكائي معًا.
* لا أفهم الرواية إلا بوصفها رؤية سردية، فالحكايات كثيرة؛ بل ما أكثرها، ولكن اللعب السردي يمنحها لذة القول والخلود، ويكشف سرها الجمالي؛ فكلنا نشتري القماش، ولكن لا بد أن نختلف في تفصيله، وذلك قدرنا.
في الروايتين لجأت إلى الصوت السردي، ولم أطح به، ولا أجد قيمة جمالية لأي عمل روائي من دونه، شرط أن يحقق الاستجابة لما يريد قوله المبنى الحكائي في الرواية، وأظن أنني توفقت، إلى حدٍّ ما، بتحقيق مطلب كهذا في روايتي (أنثى غجرية).
** في الرواية أسماء واقعية، لماذا؟
*ذلك صحيح، ولكنني لا أرى ضيرًا فيه، مررت على كل الأسماء المذكورة في متن الرواية لأحصل على موافقتها ففعلوا. كان كُل اسم مدارًا تحتاجه البطلة أسماء يوسف بقدر ما أحتاجه أنا، الأنوثة عالم كوني مفتوح وعالم إنسي متآصر بلا حدود. ولذلك أحضرت الصديقات في الرواية مثل: الإعلامية نزهة صادق، والإعلامية سعيدة شريف، والروائية الشاعرة فاتحة مرشيد من المغرب، والشاعرة هدى الدغاري من تونس، والروائية الكبيرة لطفية الدليمي من العراق، والروائية المبدعة ميس خالد العثمان من الكويت، وأخريات، وجميعهن صديقات لي في الحياة الثقافية لكونهن من الإعلاميات والشاعرات والمبدعات. والرواية سيتم توزيعها في أثناء معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2018.
** ماذا عن الرواية المقبلة أو الثالثة؟
في مكان ما بهذا العالم يوجد مخطوط رواية هي الأولى كتبتها في حياتي تحت عنوان (بنات الزعفران)، لكني أجد نفسي في احتضار لا أفهمه!!، ولذلك ربما ستبقى (بنات الزعفران) الرواية الوحيدة التي ستُنشر بعد موتي!!، ولا أخفيك أحب جدًا الكتابة السردية، أحب استدراج مداراتها لذاتي. قد يطول احتضاري لأكتب الرواية الرابعة أو يقصر! لا أدري؟.