خبراء يؤكدون أن غياب الهيكلة يفتح الباب أمام المضاربين
أصيلة تناقش التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق الفن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من أصيلة:واصلت ندوة "سوق الفن وصناعة القيمة"، في جلستها الثانية، مساء الأحد، ضمن فعاليات الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال45، نقاشاتها حول راهن الممارسة التشكيلية من زاوية التعاطي مع واقع سوق الفن في المغرب وسبل تجاوز ما يثار حوله من ملاحظات.
وتوقفت أغلب المداخلات عند سؤال القيمة المفترضة للعمل الفني ومسألة الخبرة الفنية، والمكانة المفترضة للجيل الشاب، مشيرين إلى أن غياب هيكلة سوق الفن يفتح الباب أمام المضاربين وتجار السوق الفنية السوداء، مع تشديدهم على أنه متى غاب التقنين وغابت المأسسة صار الفن عرضة للتحكم من طرف محسوبين عليه؛ الشيء الذي يتطلب سوقافنية فاعلة وقائمة على قواعد منظمة، دون الحديث عن دور الخبرة ومسؤولية الخبراء في حماية الإبداع البصري الجاد ومحاربة نشر المزيف من الفن.
وذهب النقاش إلى أن العمل الفني متى تحول إلى منتوج تسويقي انضافت إلى قيمته الجمالية قيمة تداولية مالية، يحددها سوق الفن، سوى أنه إذا كان هذا السوق غير ممأسس ولا ينهض على دعامات قانونية، ولا على خبرات وكفاءات فنية، كان تداول الأعمال الفنية خاضعا لأهواء ومحكوما بعلاقات المحسوبية، ومعرضا في كثير من الأحوال للنصب والاحتيال.
رشدي البرنوصي يتحدث في الجلسة الثانية
5 أسئلة
انطلق مسير الجلسة، محمد نور الدين أفاية، المفكر وعضو أكاديمية المملكة المغربية، من موضوع الندوة وما يطرحه من أسئلة، مشددا على أنه يأتي في سياق ثقافي متحرك ومتغير، يتميز أحيانا بالتباسات عديدة، كما يأتي في سياق بلوغ المشهد التشكيلي المغربي نوعا من النضج أو الطفرة.
وشدد أفاية على أن الحديث عن سوق الفن يتطلب استحضار المجال العام، على مستوى التكوين والعرض والمواكبة النقدية وتداول واقتناء وتملك الأعمال الفنية؛ ليطرح خمسة أسئلة، لتأطير النقاش في الموضوع، جاءت كالآتي: "هل يتوفر المغرب على سوق للفن يستجيب لمقتضيات سوق فنية؟"، و"هل يجوز الحديث عن سوق للفن في غياب ضوابط ومنطق يحكم العرض والطلب؟"، و"هل تشكل قاعات العرض فضاءات لالتقاط تمظهرات سوق الفن، علما أن أغلبها غير منتظم أو يضطر للإغلاق؟"، و"هل نملك ما يلزم من الخبرة للتمييز بين الأصلي والمزيف؟"، و"إلى أي حد يساهم الرسامون أنفسهم في تشجيع السوق السوداء للوحات وترويج لوحاتهم خارج المعارض وإطار التعاقد؟".
شروط إيجابية
قال رشدي البرنوصي، مدير متاحف بنك المغرب( المصرف المركزي) ، الذي تحدث من منطلق المؤسسة التي يشرف عليها، إن المغرب يمر بطفرة فاصلة بين تنظيم الميدان وتطور العرض والطلب، قبل أن يستحضر تاريخ الممارسة التشكيلية المغربية، مركزا على فترة الستينيات والثمانينيات، ثم بداية الألفية الثالثة التي تميزت ببروز شروط إيجابية للممارسة وتداول الأعمال الفنية.
وتحدث البرنوصي عن الحضور المتزايد للفنانين المغاربة على المستوى العالمي، سواء من حيث اقتناء لوحاتهم في مزادات متخصصة، أو فتح الباب أمامهم في دور عرض معروفة.
وتطرق البرنوصي إلى مسألة الاستثمار في العمل الفني، مشددا على ضرورة القيام بضبط على مستوى القيمة الفنية للعمل والقيمة الفعلية للفنان، مع إشارته إلى أن المقتني يحركه منطق جودة السعر. وخلص إلى أن سوق الفن في المغرب واعد، داعيا إلى اليقظة والحفاظ على شعلة الحركة التشكيلية لأجل الأجيال القادمة، وحتى لا تذهب "الشعلة" في الاتجاه غير المناسب.
استقلالية العمل الفني
شدد أحمد مجيدو، وهو أكاديمي ومنظم معارض، على أن سوق الفن ليس شيئا حديثا في المغرب، مشيرا، في هذا السياق، على ما كانت تطرح الصناعة التقليدية من مقتنيات لها قيمتها ورمزيتها.
وتوقف مجيدو عند تجربة أصحاب الأروقة، ودورهم في سوق الفن، مع دعوته للتعريف بالفنانين الشباب، من خلال مساعدتهم على الابتكار والخلق.
من جانبه، تحدث محمد رشدي، وهو فنان تشكيلي وناقد فني ومنظم معارض، عن خصوصية الفن والقيمة الفنية للأعمال التشكيلية، التي قال إنها تتميز بطابها الرمزي والجمالي الخاص، مشيرا إلى أن الإنتاج الفني يتم داخل سياق معين، اجتماعي واقتصادي وسياسي، حيث أنه يبقى دائما مرتبطا بسلطة ما، ما يعني أن استقلالية العمل الفني لا معنى لها، هنا.
وتأسف رشدي لغياب مؤهل للتقييم الفني في المغرب، متوقفا عند علاقة الفنان بعمله، في ارتباط بتداول الأعمال الفنية، مشددا على تضرر الابتكار الفني بفعل هيمنة سوق يعاد فيه بيع أعمال فنانين مكرسين، بشكل يخلق نوعا من الدائرة التي لا تساعد على الخلق والابتكار، ولا تشجع الجيل الشاب على فرض نفسه وتحقيق أحلامه.
الفن والتسويق
قال محمد المنصوري الإدريسي، وهو فنان تشكيلي ورئيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين بالدار البيضاء، إن للعمل الفني صورتان: الأولى، داخل مشغل الفنان حين يكون مجرد تصور ذهني تخييلي ليغدو حقيقة بصرية مجسدة، والثانية خارج جدران المشغل، أي حين يجد طريقه إلى صالة العرض. كما رأى أن للعمل الفني حياتان: حياة تتمثل في كونه قطعة إبداعية مفردة وفريدة تملك قيمتها الفنية في ذاتها، وحياة أخرى تبدأ حين يستحيل العمل إلى منتوج تسويقي.
وشدد المنصوري على أن العمل الفني متى تحول إلى منتوج تسويقي انضافت إلى قيمته الجمالية قيمة تداولية مالية، يحددها سوق الفن، سوى أنه إذا كان هذا السوق غير ممأسس ولا ينهض على دعامات قانونية، ولا على خبرات وكفاءات فنية، كان تداول الأعمال الفنية خاضعا لأهواء ومحكوما بعلاقات المحسوبية، ومعرضا في كثير من الأحوال للنصب والاحتيال. ولا حظ المنصوري أن هذه هي حال سوق الفن في المغرب، إذ يفتقد إلى الهيكلة المؤسسية وإلى كثير من ملامح العقلانية الاقتصادية.
وبخصوص التسويق، قال المنصوري إنه ارتبط بالفن، بالرغم من طابعه الروحي والفكري والسيكولوجي، مشيرا إلى أن التسويق الفني، في التجربة المغربية، مازال يقوم على الاجتهادات الشخصية والعلاقات الاجتماعية، في غياب مختصين في عملية التسويق. مع إشارته إلى أن التسويق الفني في المغرب، على الرغم من الحيوية التي تظهر بين الفنية والأخرى في ساحة الإبداع التشكيلي الوطني، مدعو إلى تأسيس ثقافة الاقتناء ومواكبة الإبداع البصري حسب خصوصياته وتطلعات مبدعيه.
وعليه، يضيف المنصوري، أصبح من الضروري فهم العلاقة بين الفن والتسويق والوعي بدور المؤسسات المعنية. وهنا، لا يمكن الحديث، من وجهة نظره، عن سوق فنية فاعلة وقائمة على قواعد منظمة دون الحديث عن الخبرة ومسؤولية الخبراء لحماية الإبداع البصري الجاد ومحاربة نشر الفنون المزيفة.لذلك، رأى أن مفهوم سوق الفن لا يزال مفهوما ذهنيا أكثر منه حقيقة مؤسسية، و مازال خاضعا للمبادرات الشخصية والأهواء الذاتية من دون ضوابط يحكمها اقتصاد الإبداع الذي يعتبر امتدادا للثقافة ككل.
من مداخلات جمهور الندوة
ورأى المنصوري أن غياب هيكلة سوق الفن يفتح الباب على مصراعيه أمام المضاربين وتجار السوق الفنية السوداء، مشيرا، في هذا السياق، إلى أنه متى غاب التقنين وغابت المأسسة صار الفن عرضة للتحكم من طغمة من المحسوبين على الفن.
وأضاف المنصوري أنه "لا بد من تفعيل المعارض الفنية المحلية والخارجية وتقدير جهود الفنانين المغاربة العارضين"، و"تنظيم التظاهرات الفنية بشكل احترافي وخلف جوائز محفزة، مع دعم الجيل الجديد من المبدعين وتطوير قدراتهم الفنية"، و"الاعتماد على "الميديا" الاجتماعية للترويج للعمل الفني، مع الحاجة الملحة إلى إعلام فني متخصص مرئي، مسموع ومكتوب"، و"إنشاء منابر فنية لنشر النصوص والمقاربات والدراسات الفنية"، و"استثمار العلاقات مع المؤسسات العامة والخواص البنوك على نحو مفيد ومثمر".
ودعا المنصوري أيضا إلى "تفعيل دور المجالس المنتخبة للترويج للمنتوج الفني المحلي"، و"استعادة فضاءات تم تفويتها لهيئات معنية اتخذتها كمقرات دائمة لها"، و"تفعيل دور المديريات الجهوية للثقافة في ربط الاتصال والتواصل بين فناني الجهة ولم شملهم"، مع "إحداث أروقة ومتاحف جهوية لتحريك السوق الفنية المحلية"، وإعادة النظر في الصيغة التي تقتني بها مؤسسات الدولة أعمال الفنانين المغاربة بحيث لا تنحصر في أسماء متكررة لتشمل مبدعين آخرين، في إطار ديمقراطي يراعي تنوع الأساليب والحساسية الفنية"، فضلا عن "تنشيط قاعات العرض التشكيلي وفضاءات بيع التحف الفنية".