يحول الواقع في "بوح الحياة" إلى فسيفساء قصصية
سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردية الجميلة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من دمشق: "بوح الحياة" عنوان مجموعة قصصية صدرت للكاتب والقاصّ الكردي السوري، سربند حبيب، تتوزع على ست وثمانين قصة من القصص القصيرة جداً، سردها بعيداً عن الكتابات الكولسترولية المليئة بالحشو والإطناب والإسهاب، التي تزرع السأم والملل في شخصية القارئ الحديث.
اختار الكاتب السوري قصصه وأفكاره من الواقع ومن تجاربه المُعاشة، أي أنَّ اللبنة الأساسية للقصص القصيرة هذه جاءت أقرب إلى الواقع العام، الذي يعيشه أغلب أبناء المجتمع السوري والكردي، لكن الكاتب أضاف إليها من روحه الكثير، لتصبح مفعمة بالحياة.
تكثيف عناصر السرد
يقول الكاتب عن "بوح الحياة" سردياً وفنياً: "كون القصة القصيرة جداً لا تحتمل السرد الطويل، اعتمدت في هذا العمل على تقنية التكثيف وضغط عناصر السرد داخل هذا القالب الأدبي الصغير جداً، وكذلك خاصية الحذف والإضمار لكسر رتابة الزمن وتجاوز النسق الخطي، ولتسريع من وتيرة الأحداث من خلال تجاوز فترات زمنية دون الإشارة إلى الوقائع التي حدثت فيها".
وفي تصريح خاص لـ"إيلاف" يؤكد حبيب: "للإثراء من المستوى الحكائي وظّفت تنويع الإيقاع الزمني والفكري، لتشكيل فسيفساء سردياً، يقوم على التفاعل بين مكونات القصة الأساسية ضمن تشكيلها البنيوي، فثمة مواضيع كثيرة يطرحه العمل ما بين الاجتماعي والسياسي والواقعي والوطني والتراثي والعجائبي".
في حمى الواقعية السحرية
هذا وتتسم البنية الفنية للقصص بالانسجام والتماسك، بين مختلف مكوناته الزمكانية والأحداث والبناء اللغوي، الذي يعتمد على الرمز، وتختلف الأمكنة باختلاف القصص، لأن معظمها تنضوي في الفضاء الكلي للمخيلة الجمعية، فالأماكن في العمل لها أبعاد دلالية وفكرية متجاوزة دلالته الجغرافيا، لذلك لجأ الكاتب أحياناً إلى الواقعية السحرية ليشفي غليل قلمه.
ويوضح القاص أنَّ القصص تتنوع بالصور والإسقاطات والرموز عبر رؤيته الذاتية، فأسقط أفكاره بفعل التخييل القصصي من الواقع، ولم يستطع الانفصال عنها، فهو الملهم لأي عمل فني، إذ ثمة علاقة وثيقة ما بين الأدب والواقع، ومن هنا &- حسب رأيه &- يتجلى "بوح الحياة" مشكّلة قصصاً تبحث عن قارئ نهِم يقرأ ما وراء الكلمة وبين ثنايا السطور العلاقة الجدلية لروح النص.
حكايات الجدة
ويردف حبيب: "لم أكن أدري بأنَّ حكايات جدّتي ستكون بمثابة باب للولوج إلى عالم الأدب، فعندما كنّا صغاراً، وفي ليالي الشتاء الطويلة، كانت تنقطع الكهرباء كثيراً، فكانت جدتي على ضوء الفوانيس تسرد لنا قصصاً من وحي خيالها، عن الإنس والجن وأبطال خرافيين، فننام على هسيس كلماتها، لتصبح تلك القصص جزءاً من ذاكرتي، فعندما تعلمت الكتابة ولأول مرة ترجمت إحدى قصصها من المخيلة الكردية إلى اللغة العربية المكتوبة".
غلاف الكتاب
وعن سبب اختياره للقصة القصيرة يقول: "انجذبت إلى هذا الجنس الأدبي؛ لخفّته وقصره وزخمه، فهو مؤهّل ليتماشى مع روح الإنسان المعاصر، الذي لم يعد يرغب في إرهاق نفسه، فهو يريد الوصول بسرعة بدون جهد عقلي، لذلك نرى بأن القصة القصيرة قد تطوّرت إلى القصة القصيرة جداً، وهذه الاستجابة طبيعية لما يقع من تحولات مجتمعية كبيرة، وكنتيجة حتمية لتطوّر العصر ووتيرة الحياة، التي تتّسم بإيقاع السرعة والتطور التكنولوجي الهائل، فهذا الجنس يتخلص من شحوب الإطناب والزوائد اللفظية (الكتابة الكوليسترولية)، التي تتخم ذائقة القارئ، الذي بات ينفر من كل ما يثير ملله وسأمه من الكتابات الطويلة، التي تتصف بالبطء في إيقاعها، لذلك انصاع قلمي لهذا المولد الجديد في الساحة الأدبية، فواظبتُ على الكتابة".
مقتطف من الكتاب
ونقرأ من الكتاب قصة عنوانها "سأظلُّ حماراً!":
"كان يقضي يوم عطلته متأمّلاً، متباهياً الأحصنة في رقيها، يحتسي كأس نبيذه، يستمع إلى الموسيقى.
فجأة! يعتريه شعور غريب، يعضّ أصابعه ندماً؛ لعدم رقيه مثلهم، ينكمش، يتكوّر، ينتفض، يضحك من عمق أعماق العناء، يسربل لوعته في ضحكة بلهاء يخنقها البكاء والندم على ما مضى.
نهيق أحزانه يعانق لوعة الأيام التي كان فيها حماراً، يحسّ بوجوده، يصرّح بأن يتقاعد من عمله، يريد التجرّد من هويته.
فجأة! يُشدّ من عنقه، يستيقظ من حلمه المُقام على أنقاض حاله، فيصطدم بصاحبه، ويبقى على هيئته حِماراً".
والجدير ذكره، أن سربند حبيب، قاصّ وكاتب كردي سوري، من مواليد كوباني 1983، تخرّج من كلية التربية قسم (معلم صف) بجامعة البعث في مدينة حمص، عمل في مجال التدريس للمرحلة الابتدائية، يكتب باللغة العربية قصصاً قصيرة جداً، وله كثير من مقالات رأي وقراءات أدبية وفنية منشورة في كثير من المواقع الالكترونية والصحف العربية والكردية، يعمل كناشط إعلامي مدني في جمعية سبا الثقافية، ومؤسس لموقع سبا الثقافي الإلكتروني.
وقد صدرت مجموعة "بوح الحياة" عن دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب.