كتَّاب إيلاف

صادق جلال العظم ؛انطفاء ضوء آخر وسط زوابع الظلام

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يؤشر رحيل المفكر السوري الكبير صادق جلال العظم الى عمق المفارقة التاريخية التي تمر فيها بلاده سوريا، وهي تخوض معركة بقاء الدولة أو موتها وسط كثافة غيوم الظلام وزوابع التوحش وطوفان الموت الجنوني، الدولة المنارة التي كانت تزدهر بأطروحات الفكر التنويري لصادق جلال العظم وجورج طرابيشي ونصوص أدونيس وروايات حنا مينا وقصص نجاح العطار وأغاني العشق لنزار قباني وعاصفة قصيدة النثر لمحمد الماغوط وطاقتها بتصوير سريالية الواقع العربي ..!

 ضوء آخر يطفأ ليس في سوريا ومخاضاتها مع آلهة الموت والظلام، إنما في عالمنا العربي الضاج بصراخ الإنتقام والبطش الطائفي واستعارة ثقافة القرون الوسطى ومنهج الإبادة وشهية غير منقطعة للذبح والدماء والخراب ...!؟

 

  في وقت مبكر من اهتمامي بالقراءة صدمت بالمفكر الراحل صادق جلال العظم عندما وقع بيدي كتابه ذائع الصيت ( نقد الفكر الديني)، فعلا كانت صدمة أسست لي منهجا في التنوع والإنفتاح الثقافي ومعنى النقد وأهميته في الحياة، وأنا في الرابعة عشرة من عمري، فكان المثابة التي انطلقت منها لرفع العديد من الغشاوات التي أورثناها عن الدين ورسختها أعراف إجتماعية مغلوطة، أو ثقافة طبقة رجال الدين الساعية الى بسط رهاب الدين كوسيلة عبودية وليس تحرر واشتنشاق الحرية في التفكير وبناء الإنسان، من هنا أجد المفكر العظم أحد بناة الوعي التقدمي في البلاد العربية، وقد ساهم بتحرير عقول الاجيال في جهده الفكري القائم على اكتشاف وتحليل الواقع بجرأة عالية في كسر التقاليد والثوابت المتخلفة في الذهنية العربية، والتعامل مع الواقع بحيثياته وتفاصيله المريضة وليس بإيهاب القدسية الزائفة .

 

 المفارقة الأخرى حين نرثي رحيل المفكر صادق العظم، كأننا نرثي لزمن ثقافي تنويري وقد رحل معه ليس في سوريا وحسب، بل في العديد من بلادنا العربية التي دخلت عصر الظلام والكراهية، ففي الوقت الذي كانت فيه الأوساط العربية تحتفي باصدارات الرواية والمسرح والفكر والشعر والنقد وطروحات علم النفس والإجتماع والفلسفة والفنون التشكيلية، تنشغل الآن بفتاوى رجال الدين وكتب الشعوذة والخرافة والتجهيل الإسلامي، ودعوات التحريم والإقصاء والتفويض الطائفي لكل شذوذ الأفعال والتحريض على نزعة التوحش والعداء للمواطنية والسلام والإختلاف المذهبي، وإذ كانت تسطح نجوم الإبداع وصناع الجمال والفن فتنير عواصم العرب مثل القاهرة وبغداد وبيروت ودمشق والجزائر وصنعاء، تنشغل منذ ربيعها الأسود بانتاج قادة الإسلام السياسي وطوائفه المتناحرة وزعماء الميليشيات وقادة الإرهاب والمتفوقين بالذبح أمام عدسات التصوير ..!؟

  نحن نسير في إتجاه مغاير للإنسانية ومجتمعات الأرض، وماتضج به من رؤى واكتشافات وتطور مدهش في تسخير طاقات العلم والإبتكار، وإحالة الإنسان الى أنموذج حيّ  للسوبرمان وليس تخيلا سينميا ً، يرتد عالمنا العربي تعاليم الغابة في مراكب الجهل الضوئية، وليس لنا من هذا العصر سوى الإقامة الطارئة ووظائف التلوث لما هو نقي ونظيف وطفولي،هكذا تقترح ثقافة والإسلام السياسي ومنتجاتها التدميرية لما شيّد  في مائة عام من التحضر والمدنية..!

عالم عربي يتسع للقتلة وينتج مجرمين وعصابات لشعوب تتنفس الخوف وهي لاتسمح سوى صخب النداء الموت المرعب " جئناكم بالذبح "..!

 ذلك هو الرثاء العظيم ان يصبح عالمنا العربي طاردا للإبداع والجمال والسلام، يضيق بوجود صادق جلال العظم وبقايا صناع الجمال وثراء العقل ومنتجعات الفكر وفضاءات السمو ..!

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الرسالة الخالدة للمؤسس
جئتكم بالذبح هو عنوان -

مقالة حلوة ، و برأي ان المجتمع العربي الاسلامي محتاج الى المزيد من هذه المقالات التنويرية علها تفلح في ازاحة الظلام المخيم و الذي يلف المجتمعات العربية و الاسلامية و قد أجبني فيها تحديدا مقطعين يخلصان وإقع حال البائس المتخلف للعرب و المسلمون و أسباب هذا الواقع المتردي ، حيث يقول في الفقرة الاولى "" نحن نسير في الاتجاه المغاير للانسانية و مجتمعات الارض ، وليس لا سوى يرى الاقامة الطارئة و وضائقة التلوث لما و نقي و نظيف " و العبارة للثانية شعوب تتنفس الخوف و هي لا تسمع سوى صرخات الرعب و صخب نداء الموت المرعب " جئناكم بالذبح ) و هذه هي رسالة صاحب الدعوة لشعوب الارض انها الرسالة العربية الخالدة التي الكل يريد بعثها منذ تأسيس حزب البعث و داعش

رحيل زمن ثقافي تنويري
عربي من القرن 21 -

وحلول زمن التخلف والجهل الظلامي !!..

من يجرؤ!!!
هيـام -

من كلمات المفكر الراحل عن الحرب في سوريا (( ان السلطة في سوريا وضعت حركة المجتمع المدني امام خيارين احلاهما مر : فإما الاحكام العرفية للعسكر او الاحكام العرفية للطالبان والجهاديين الاسلاميين التي يسمونها شريعة اسلامية, مع فارق وحيد بين نظامي الحكم ,وهو ان بإمكاني التوقيع على عريضة لرفع الاحكام العرفية للعسكر، لكن من يجرؤ على توقيع عريضة لرفع الاحكام العرفية التي تفرضها الشريعة الاسلامية ؟")) . انتهى الاقتباس . والسؤال مهم جدا وفي محله وسيظل مطروحا , من يجرؤ على المطالبه برفع الاحكام العرفيه اللتي تفرضها الشريعه الاسلاميه !!!!

الفكر التنويري لن يموت
فتحي الجواري -

كما بقيت كتب بن رشد ومقدمة بن خلدون وجمال الدين الافغاني ومحمد عبدة والطهطاوي وشعر معروف الرصافي وغيرهم ستبقى كتب كل التنويريين خالدة تشع بنورها وفكرها على ابناء العرب فالموت لن يطفيء الشعل التي اوقدوها ... فإن خبى نورها هذه الايام فلابد ان يستعر اوارها يوما ما

نحمدالله على هلاكه
متابع -

هل هلك مسيلمة ؟. الحمدلله ارتاح من أذيته الكون ، عليه من الله ما يستحق وحشركم ملاحدة وكنسيين معه

لماذا ؟؟
نبيل -

تراجع قيمة التفكير وتحكيم العقل في مجتمعنا العربي امام علم النقل وتقديس النصوص والتغني بها بدون التفكير بمحتواها او تذوقها وتقدير فعلها على الروح البشريه لم يأتي بالصدفه , بل هو نتيجة غزوه غير حضاريه ضد حضارة مجتمعات مضيئه (مهما كان ضوئها ضعيفا ) الثوره الايرانيه كانت بداية هذه الحمله التي اطفأت انوار بيروت والصحوه الدينيه السلفيه التي اطفئت أضواء القاهره وبقية الدوله العربيه وتربعت حضارة النفط على صدر حضارة الفكر وطغت أضواء الفنادق والابراج الخاويه على أضواء الفكر واصوات الكراهيه على أصوات الحب والطرب , لقد قرأت كتاب نقد الفكر الديني للكاتب الراحل وانا في عمر الثالثه عشر وبدون شك كان له اكثر التاثير على حياتي حتى الأن وأعتبره الفاصل بين جيل الحضاره والفكر وجيل الجمود والنقل .

بل أنتم الظلاميون الهمج
متابع -

بل أنتم الجهلة الظلاميون الاوغاد فإن من لم يجعل الله له من نور فماله من نور

موتوا بحقدكم السرطاني
يا كنسيين وَيَا ملاحدة -

وانتوا محروقين من الشريعة الاسلامية ليه كفرة وبلا شريعة هي الشريعة عملت لكم ايه ؟! ها انتم في المشرق المسلم بالملايين كفار ومشركين وملاحدة ووثنيين ولكم آلاف الكنايس والمعابد منذ الف واربعمائة عام ثم ان عيشكم في ظل الشريعة أفضل لكم يا كنسيين انعزاليين حقدة وملاحدة شعوبيين جهلة من العيش تحت الانظمة الشمولية المستبدة والحزبية والطائفية ولكنه حقدكم السرطاني على الاسلام والمسلمين

فكر النَوَر
متابع -

قصدك الفكر النوري