كتَّاب إيلاف

المغتصبة عندنا وعندهم

فرناندا (28 عاماً) وفينسنتي (63 عاماً) يجوبان العالم على دراجتيهما والصورة عن إنستغرام
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الأنباء السيّئة التي تهز الأبدان من بشاعتها لا تُعد ولا تحصى في عالم الأخبار اليومية، ولكن ثمة أخباراً يمر عليها القارئ أو المستمع مرور الكرام، حيث يكون المتابع في أتم مراحل الحيادية معها ولا تمس الواقعة خوالجه، ومنها ما يتوقف عندها ملياً، ويغدو حاله وقتئذٍ كحال من يشاهد لوحة فنيّة مؤثرة في المعرض، فيبتعد عنها حيناً، ثم يقترب منها تارةً أخرى، وقد يبدِّل موقعه ليغير زاوية النظر إليها، بما الرسم المعروضَ أو النبأ يغدو حينها أشبه بالنص الأدبي الذي يدفع المتلقي لإعمال الفكر واللجوء إلى المقارنة بين ما ورد في الخبر الجديد مع ما كان مخزوناً في ذاكرته.

ومن تلك الأخبار التي أشعلت فتيل المقارنة في الآونة الأخيرة خبر اغتصاب السائحة البرازيلية الإسبانية وضرب زوجها في الهند، وقد عرفا عن نفسيهما باسم فينسنتي وفرناندا، وذلك في مقابلة مع قناة أنتينا 3 التلفزيونية الإسبانية يوم السبت الفائت. ولكن بالرغم من فظاعة الواقعة، إلاَّ أنَّ ما يثلج الصدور أولاً هو مسارعة السلطات الهندية عقب الحادثة مباشرةً إلى البحث عن المتهمين واعتقال ثلاثة رجالٍ منهم، حيث قامت الشرطة بربط أيدي الجناة بحبلٍ غير قصير على طريقة ربط الدواب، وهذه الطريقة حقيقةً تليق بكل مغتصب، فيما قالت الشرطة إنَّها مستمرة في البحث عن أربعة آخرين متهمين بمهاجمة السائحة المذكورة واغتصابها بشكلٍ جماعي.

إقرأ أيضاً: إنزال الآخر من أجل الاِرتفاع

والأمر الثاني الذي يُلاحظه متابع الخبر هو احترام الدول لمواطنيها، وأهمية الفرد لدى كل من دولتي إسبانيا والبرازيل، حيث اعتزمت وزارة الخارجية الإسبانية إرسال موظفين إلى المنطقة، كما أنَّ حرصها على أبناء البلد ظهر من خلال دوام اتصالها بالسلطات الهندية، وكذلك الأمر طلبت وزارة الخارجية البرازيلية الاتصال بالمواطنة البرازيلية من خلال سفارتها في نيودلهي، وأبدت هي الأخرى جاهزيتها لتقديم كل مساعدة ممكنة من خلال سفارتها في الهند، بينما في بلادنا فآخر هم لدى سلطات البلد هو السؤال عن مصير أبنائها، مواطنيها الذين غدوا قرابين الحدود والبحار، هذا عدا عن المعاملة السيئة التي تلقاها المئات من مواطنيها في بعض الدول المجاورة التي رحبت بهم في بداية الأمر ومن ثم راحت تشد الخناق عليهم عاماً بعد عام.

إقرأ أيضاً: أسطوانة البديل المفترض

وفيما يخص الضحية والوقوف بجانبها في محنتها أو النيل منها واتهامها على طريقة الكثير من أبناء مجتمعاتنا، فمن خلال ظهور الزوج إلى جانب زوجته المغتصبة يظهر الفرق الكبير بين ثقافة الكثير من الأفراد في مجتمعنا وثقافة أفراد المجتمعات الأخرى، إذ أن مئات الفتيات أو النسوة اللواتي تعرضن للاغتصاب في بلادنا عُوملوا كمذنبات، حيث أنَّ المجتمع قبل التحقق من الأمر، وقبل معرفة ملابسات الواقعة، ينسب لها المسؤولية في الحادث، إما بدعوى أنَّ لباسها غير محتشم، أو أنَّ تصرفاتها تثير الشبهة، أو بدعوى وجودها في المكان غير المناسب، وقلما وجدنا أزواجاً أو آباء وقفوا بجانب زوجات أو بناتٍ تعرضن للاغتصاب، كما هي حالة فيستني وفرناندا، أو أن اخوتهم كانوا السند لهن في محنتهن، إنما يفعلون العكس تماماً، أي يُعاملون المغتصبة باحتقارٍ كبير، وينظرون إليها نظرة اشمئزازٍ دائم، هذا بدلاً من مواساتها والتخفيف عنها والوقوف معها ضد مغتصبها، بل ويريدون من التي تعرضت للاغتصاب أن تسكت وتنسى كل ما جرى لها، ليس من باب مساعدتها في التخلص من الكوابيس والآثار النفسية التي تتركها الحادثة عادةً على المدى البعيد، إنما فقط من باب الحرص على سمعتهم الشخصية أو العائلية في المجتمع؛ ومطالبة المغتصبة بالتزام الصمت حيال ما جرى لها يُعيد إلى أذهاننا كل مرة ما أورده الشاعر الراحل مظفر النواب في قصيدته "القدس عروس عروبتكم"، والتي جاء في سياقها "سحبتم كل خناجركم، وتنافختم شرفاً، وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض، فما أشرفكم هل تسكت مغتصبة؟"، وذلك باعتبار أنَّ السمعة لديهم أهم من الحالة الجسدية والنفسية للمغتصبة، وأهم من التفكير بكيفية تقديم المعتدين للمحاكم ليلقوا جزاءهم العادل، أو عن طريق الانتقام من الفاعل أو الجاني نفسه وليس الاعتداء على أحد أقربائه أو الهجوم على بعض معارفه إبان الهياج العشائري أو العائلي الذي يقرب الناس كل مرة من مناخ الهمجية كأسلافهم من القطعان البشرية.

إقرأ أيضاً: أيقطع القطبُ صلته بالأقطاب؟

كما أنَّ السلطات الهندية لم تتجاهل الحادثة ولا تعمَّدت التصغير من شأنها، إنما تفاعلت مع الحدث، وسارعت لإلقاء القبض عن المعتدين، ولم تلجأ قط إلى نفي الاعتداء لئلا تؤثر الحادثة على السياحة في البلد، ولا كذّبت السلطات الهندية نبأ الاعتداء حرصاً على سمعة البلد وتبعات الحادثة كما فعل مسؤول كبير بوزارة الخارجية التركية بخصوص حوادث الاغتصاب في مناطق نفوذها في سورية، حيث رفض ذلك المسؤول ما ذكرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" من ارتكاب انتهاكات واغتصابات وجرائم حرب ضد المدنيين في شمالي سوري، إذ لم يكلف المسؤول نفسه حتى بالتأكد ولو من حادثة واحدة فقط من بين حوادث الاغتصاب الواردة في تقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي جاء تحت عنوان: "كل شيء بقوة السلاح"؛ ولا شك في أن سرعة النفي لا يغيّر من حقيقة تلك الوقائع، إنما يشير الأمر إلا أن الواقع الميداني هناك أفظع، وانتهاكات حقوق الإنسان في تلك المناطق حسب إفادات الأهالي وتقارير المنظات الحقوقية المحلية هي أكثر وأسوأ بكثير مما ورد في التقرير الحقوقي الأخير.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف