كتَّاب إيلاف

الزواج من مطلقة

أثار زواج الأمير هاري وميغان ميركل جدلاً في العديد من الأوساط نظراً لارتباطها بزواج سابق
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أين تكمن المشكلة من إنسان يرغب الزواج من مطلقة؟ ولماذا كل هذا الخوف الذي ينتاب الشباب العزّاب في الإقدام على هذه الخطوة؟

فما هو وجه الغرابة في عدم الإقدام على اكتمال هذه الرغبة والاستقرار في الزواج ودخول القفص الذهبي من أوسع أبوابه، التي يجد كثيرون أنها ستلقى فشلاً ذريعاً، ومن المؤسف الأخذ به؟ وأنها ستسقط كثيراً من الحسابات غير المتوقعة بحق الزوج الذي يحاول تجاوز هذه المسألة، في تحقيق رغبته من الزواج بمطلقة سبق لها الزواج.

هذا الشخص سيلاقي، ولأسف، معارضة شديدة، بلا شك، من قبل المحيطين به، خاصة أنه ارتضى بزوجة سبقه إليها غيره، وهذا بالتأكيد فيه تجنّي على شخص المرأة!

أسوق هذا الكلام لأقول، ليس هكذا تورد الإبل، فلماذا لا نقول إنّ تلك الزوجة التي سبق لها الارتباط بزوج عاقل ومتفهم لأصول الحياة، أنهى حياتها بالطلاق منه ورميها بعيداً عنه لأسباب غير مقنعة، وفيها كثير من التجني، وتعدٍ كبير على شخصيتها ومستقبلها! فلماذا لا نحمّل الزوج، الذي بادر إلى طلاقها والانفصال عنها والإساءة لها وتدمير حياتها، المسؤولية كاملة؟

إنّ أمثال هذه الصور المقيتة لا تحقق للزوجة بسهولة رغبتها، فإنها هي الأخرى تلاقي كثيراً من المعضلات حتى تنتهي حياتها بالطلاق الذي هو أبغض الحلال، ولكن اضطرارها إلى ذلك بسبب زوج سيئ الصيت، إضافة إلى معاملة قاسية، ناهيك بالإهانات المتكررة، وتعنيفه لها وضربها المستمر لا لشيء، وإنما لمجرد التعدي عليها، فضلاً عن إذلاله لها وإهاناته وخبثه، والمرأة المسكينة تقف موقف المتفرج حيال كل هذه الأفعال والتصرفات المشينة والممارسات الخاطئة التي لا يتقبلها عقل أو منطق! ما هو الحل؟ هل تستمر مع هذا الزوج، وبهذه العقلية الخشبية، أم تُقدم على طلب الطلاق والخلاص من معيشة نكدية ضنكة ومزرية لا يمكن أن تستمر حياتها في ظل هذا العُنف.

الانفصال هو الحل الأنسب، وتظل المشكلة في المجتمع الذي لا يتقبل أمثال هذه النهايات التي يراها مضحكة، ومهما كانت مبرراتها، فإنها لا ترحم الزوجة - المطلقة، بل إنها تقضي عليها، ويحمّلها الناس أخطاءه و"رزالته"، ويلجأ بالتالي إلى معاقبتها بالطلاق من زوج فيه كثير من الصفات السيئة، وبالرغم من ذلك تتحمل، وعلى مضض، غلاظته وتتسع المشكلة أوارها في حال وجود الأطفال، وهذا ما يستدعي منها أن تتحمل سخطه وقذارته، ومنهم من يتجاوز كل ذلك بالإساءة إلى أهل الزوجة التي يعتبرها بعد الزواج على أنها مجرد خادمة لأطفال، ومهمتها كنس ومسح البيت!

هذا هو واقع المطلقة اليوم في بلادنا العربية، التي لا يُراعي أي اهتمام أو رعاية لها من قبل الزوج الخبيث الذي لا يجري إلّا وراء إرضاء شهواته وقذف المرأة بالمحصنات، ناهيك بشتمها وسبّها وبشكل يومي، وكل هذا ما يدفعها إلى طلب الطلاق، القنبلة الموقوتة التي ستنتهي معها حياتها وإلى الأبد، ولكن تظل أرحم ألف مرة من العيش مع إنسان لا يحترمها، بل كل همه العمل على إذلالها وإهانتها، فأي ذنب اقترفته تلك المرأة؟ وبعد كل هذا التعامل الأعمى والممارسات القمعية أليس من حقها طلب الانفصال عنه والخروج من دوّامة المعاناة والقهر، والبحث عن زوج يُحسن معاملتها ويخاف عليها، ويهتم بها بدلاً من التنكيل بها، وبقاؤها عرضة للأشرار، وذنبها أنَّ حظها العاثر أوقعها في براثن إنسان متسلط سيئ لم يكن يتوقع أحد أنه سيكون على هذه الشاكلة، وبهذه الصورة الماسخة؟

إقرأ أيضاً: المرأة خصب الحياة

الزواج بإمرأة مطلقة برأيي الشخصي فيه منفعة كبيرة، ومهمة، لا سيما أنَّ المرأة المطلقة يكون لها تجربة غنية في الحياة، وأنه من غير الممكن أن تعود إلى أخطاء سبق أن وقعت فيها، ومثالنا في ذلك زواج الرسول الكريم محمد من خديجة بنت خويلد التي سبق لها الزواج مرتين، وفي المرة الثالثة كان من نصيبها الزواج من خاتم الأنبياء، فوقفت إلى جانب زوجها، وساعدته حتى وصل إلى ما وصل إليه، وعاشا مع بعض حياة آمنة ومستقرة.

إنَّ الزواج بمطلقة، كثيراً ما يبتعد عنه الشباب الراغب بتكوين أسرة، وما أكثرها من أعذار غير مبررة، ولكن علينا أن نراعي في ذلك ظروفها القاهرة، والأسباب التي دعتها إلى اختيار هذا الخيار اللعنة، والمشكلة الأكبر في حال وجود الأطفال، وهذا ما يعني أنها ستضطر إلى وقف مشروع أي زواج مستقبلي؛ لأنه سيضر بها وبأطفالها، ما يلجئها إلى رفض فكرة الزواج من جديد، حتى وإن كان عازباً حفاظاً على تربية أطفالها وحمايتهم وتأمين المستقبل الذي يليق بهم.

إقرأ أيضاً: الطلاق أبغض الحلال

علينا أن ننصف الزوجة المطلقة، وحمايتها ورعايتها والأخذ بيدها، لا أن نعاقبها على ارتكاب فعل الطلاق الذي دفع بها إلى اتخاذه تحت ضغط معيشي، وتعامل مستبد من قبل زوج متشدّد، لا يعرف قلبه الشفقة أو الرحمة، أو أن يكون بخيلاً.. وهذه الطامة الكبرى.

وإذا ما عدت إلى البحث عن أصل ذلك الزوج الذي ينادي بالقيم والأخلاق، فإذا به يمارس أفعالاً دنيئة لا يتقبلها عقل ولا منطق، ويذكرنا ببيت شعر لأبي الأسود الدؤلي بقوله:

لا تنهِ عن خُلقٍ وتأتي مثله... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

وبالرغم من ذلك، يتعامل مع زوجته بشدّة وغلاظة غريبة، وينعتها بكثير من الصفات التي لا يتقبلها عقل أو منطق، وينسى أنه من أسرة ينبذها المجتمع، ولا يتقبلها أحد، ولهذا تراه يعاملها معاملة سيئة، فضلاً عن مشكلة الزوج البخيل الذي يقتّر على نفسه، وعلى زوجته وأولاده، في حين أن صندوقه يختزن على كم هائل من الأموال، ويسعى في تخزين غيرها، وحرمان أهل بيته من هذا الخير الوفير، وتراه يرفض كل الحلول في سبيل السعي للحصول على المال، وهذا أكثر ما يهمه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف